روزانا بومنصف/الرئاسة حجر الأساس في الحوار المسيحي وإشكالية خطيرة في جمهورية تستبق الرئيس

314

الرئاسة حجر الأساس في الحوار المسيحي وإشكالية خطيرة في “جمهورية تستبق الرئيس”
روزانا بومنصف/النهار
8 كانون الثاني 2015

يبدو مريحا ومطمئنا الى حد ما، بالنسبة الى مصادر سياسية واخرى ديبلوماسية، ان يذهب لبنان الى الحوار خصوصا بين السنة والشيعة ممثلين بتيار المستقبل وحزب الله، فلا يرد لبنان من ضمن لوائح كبار السياسيين الدوليين حول توقعات الاوضاع الصعبة والحروب التي تستمر في الذهاب اليها دول عدة في المنطقة في 2015 او ترشح دول اخرى للاتجاه نحوها، اقله في المعطيات الراهنة. كما يبدو مريحا ومطمئنا بالمقدار نفسه ان يغار الافرقاء المسيحيون الاساسيون اي التيار الوطني الحر وحزب القوت اللبنانية من حلفائهما المسلمين فيشعران بضرورة الحوار بينهما لئلا يبقى اي منهما خارج المواكبة المفترضة للحوار بين المستقبل والحزب او في حال احتاجت التوافقات الاقليمية في شأن الوضع اللبناني في حال حصولها في لحظة مؤاتية، فيكون المسيحيون خارج هذه المواكبة او يشعرون بأنهم خارجها او ان يشعروا بصعوبة تبرير الحوار السني الشيعي امام قواعدهم في ظل العجز عن اقامة الحوار المسيحي المسيحي. يكسب لبنان عموما كما الافرقاء السياسيون من همروجة الحوار بغض النظر عن النتائج التي لا تبدو انها واضحة او محددة او معوّل عليها حتى الآن. فغالبية السياسيين ومن باب الواقعية السياسية تولي اهمية كبرى راهنا لاحتفالية الحوار اكثر من مضمونه حتى اشعار آخر او هي غير مقتنعة بجدواه في ظل استمرار الخلافات الاقليمية وعدم وجود عمق اقليمي محتمل للتوافق الداخلي في الوقت الراهن على الاقل. وهذا لا يرفع الآمال او يدفع الى امال زائفة بل يترك الامور متأرجحة. اذ كما ان الحوار هو في احسن الاحوال بين المستقبل و”حزب الله” تحت عناوين مثل تنظيم الخلافات بين المستقبل والحزب على غرار تنظيم الخلاف الحاصل بين الحزب التقدمي الاشتراكي والحزب ايضا بمعنى عدم امكان التطرق الى المواضيع الخلافية، خصوصا تلك التي لها امتدادات اقليمية في الازمة السورية او حتى تلك التي لها بعد جوهري واساسي كموضوع “سرايا المقاومة” بالنسبة الى الحزب والذي يعتقد انه سيكون بمثابة شبكة الاتصالات التي تمسك بها الحزب كشريان حيوي بالنسبة اليه ، فان التفاؤل لا يبدو اكبر على صعيد الحوار المسيحي. فمع ان هذا الاخير يتصف برهان آخر يعتقد كثر انه سيبنى عليه وهو امكان محاولة العماد ميشال عون اقناع الدكتور سمير جعجع بدعمه للرئاسة الاولى ربما لمرحلة معينة، فان الايجابية التي تبدى للانفتاح والحوار يخشى كثر ان تكون من استراتيجيات الربح والخسارة اكثر منها التوصل الى حلول بنتيجة الحوار . فالمشكلة التي قال رئيس حزب القوات اللبنانية “انه يكفي 30 عاما من الخصام السياسي بين القوات والتيار” تكسبه الكثير بالمنطق نفسه الذي بنى جعجع لنفسه صورة مغايرة عن صوره السابقة ايام الحرب، الا ان هذا الخصام لم يكن من دون اساس. ومع ان الحوار مهم فالواقع ان هذا الاساس في الخصام لا يبدو قابلا للحل، خصوصا ان موضوع الرئاسة الاولى هو جزء لا يتجزأ منه منذ اولى انطلاقة هذا الخصام في نهاية الثمانينات من القرن الماضي.

وثمة مقاربة اخرى اثارها كلام جعجع في هذا الاطار حول موافقته العماد ميشال عون في موضوع ايلاء الاولوية لبناء الجمهورية على موضوع الرئاسة الاولى. فمع ان عون بادر الى هذا القول قبل مدة، الا انه لم يعط ابعادا سياسية واعلامية كبيرة انطلاقا من محاولة اخضاع رئيس التيار العوني منطق كل الامور الى ما يؤدي الى وصوله الى رئاسة الجمهورية وتقديمه سابقا اقتراحات عدة اعتبرتها اوساط عدة في غاية الخطورة فيما لو اخذ بها جديا، من مثل تلك التي تتعلق بدعوته الى انتخاب رئيس مباشرة من الشعب او سواه من الاقتراحات. لكن التساؤل يغدو اكثر الحاحا في هذا الاطار، وفق ما برز في اوساط عدة في ظل موافقة جعجع عون على منطق يثير اشكالية كبيرة، وهو كيفية اقامة جمهورية من دون رئيس للجمهورية واي دور يمكن ان يترك لاي رئيس اذا كان سعي القيادات المسيحية في الدرجة الاولى هو لبناء جمهورية من دونه. فهذا الامر يعتقد كثر انه ينطوي على خطورة كبيرة كونه يطرح امكان الاتفاق على مقومات الجمهورية من خارج الرئاسة وموقعها اي من دون حتمية وجود رئيس للجمهورية في حين يقع على اي رئيس للجمهورية من موقعه ان يساهم في قيام الجمهورية وفي صناعتها وهو من اللاعبين الاساسيين فيها. وهذا الموقف ينطوي على استهانة بالدور المحتمل لرئيس الجمهورية ولا يقل وطأة عن ذلك الذي ينطوي على امكان تسيير البلد من دون انتخاب رئيس للجمهورية. وتاليا لا يمكن القول بامكان حوار مُجدٍ بين الافرقاء المسيحيين اذا لم يكن موضوع الرئاسة فيها هو الاساس والذي يمكن ان ينطلق منها انهاء الخصام على رغم ان الحوار مرحب به في كل الاحوال، ذلك ما لم يكن هذا الحوار المزمع اقامته بهدف محاولة الاتفاق على تقاسم موقع الرئاسة والرئيس، وفق ما طلب الافرقاء السياسيون من المسيحيين في الأساس اقله من حيث المبدأ باعتبار ان ذلك يشكل عقدة حالت وتحول دون توافق الآخرين على شخص الرئيس المقبل نتيجة عدم توافق المسيحيين ولو ان الامر في الواقع لا يتصل بما يريده المسيحيون لوحدهم