باسكال صوما/أين الورقة المفقودة يا أستاذ نبيه؟

60

أين الورقة المفقودة يا أستاذ نبيه؟
باسكال صوما/موقع درج/15 حزيران/2023

هذه الورقة الضائعة، تمثل قبل أي شيء آلاف اللبنانيين الذين صوّتوا لصاحبها في الانتخابات النيابية، وتجاهلها يعني تجاهلهم، وإلغاؤها يعني إلغاءهم.
كحاكم بأمره رفع رئيس مجلس النواب جلسة الانتخابات الرئاسية من دون أي نقاش ومن دون أن يرف له جفن أو ينتظر لحظة، متجاهلاً أصوات النواب المطالبين بإعادة الفرز أو إعادة الانتخاب، بعدما تبيّن أن الأوراق التي تم فرزها بلغت 127 ورقة، فيما عدد النواب المقترعين كان 128 نائباً. السؤال عن الورقة المفقودة لم يعنِ للرئيس أي شيء، كما أن دستورية الجلسة من عدمها ليست مسألة بالغة الأهمية في الجمهورية اللبنانية التي يحكمها التوافق والطائفية. وحين يتطلب الأمر معركة ديمقراطية، يتمسك المعنيون بالعبث لقلب الطاولة وتأجيل الأمر إلى يوم آخر.

هذه الورقة الضائعة، تمثل قبل أي شيء آلاف اللبنانيين الذين صوّتوا لصاحبها في الانتخابات النيابية، وتجاهلها يعني تجاهلهم، وإلغاؤها يعني إلغاءهم. وأيضاً كحاكم مطلق أسكت بري النائب ملحم خلف الذي حاول تسجيل موقف قبل بدء العملية الانتخابية، وقال له بمنتهى البساطة: “مش عم بسمعك”، ثم أسكت الجميع في النهاية وقرر رفع الجلسة، كأنها مجرد أمر غير مهم، ولا ضرورة لبذل مجهود إضافي. وكنواب بلا مسؤولية، سقطت 17 ورقة في الصندوق من دون أي غاية أو جدوى، 17 ورقة للعبث والمزايدة، 17 ورقة للفراغ وللانهيار، 17 ورقة لـ”لبنان الجديد” ولـ”جوزيف عون” و”زياد بارود” و”جهاد العرب”، إضافة إلى ورقة بيضاء. هنا يحضر سؤال بدهي حدّ السذاجة، ما دور النائب؟ ولماذا ينتخبه الناس؟ هل ليصوّت للفراغ؟ هل ليدمّر أي فرصة للإنقاذ وانتخاب رئيس للجمهورية بعد أشهر على الفراغ المستمر؟

حين يتطلب الأمر معركة ديمقراطية، يتمسك المعنيون بالعبث لقلب الطاولة وتأجيل الأمر إلى يوم آخر.

مقابل مشاهد العبث كلها التي انطوت عليها الجلسة النيابية، بدا مشهد آخر قابل للبحث والجدال وطرح الأسئلة، نواب الثنائي الشيعي غادروا الجلسة بعد التصويت، وبدوا غاضبين غير راضين عن مشاكسات البعض، غير قادرين على تحمل لعب دور لا انتصارات فيه ولا بطولة حاسمة فيهـ غادروا حتى لا نرى وجوههم وقد سكنتها بعض الهزيمة أو عدم الامتنان. منذ ميشال عون الرئيس السابق، لم يعتد هؤلاء على أن تكسر كلمتهم أو أن يجرؤ أحدهم ويواجه رئيسهم برئيس ووزيرهم بوزير، ورفضهم برفض، ورغبتهم برغبة أخرى.

لذلك فضلوا الانسحاب والانتظار خارجاً، إلى أن رفع بري الجلسة وقد أربكه أن يحصل جهاد أزعور على 59 صوتاً، مقابل 51 لمرشح الممانعة سليمان فرنجية.

ليس حباً بأزعور أن ينحاز المرء إليه، فالرجل ليس أفضل خيار في العالم وقد يكون مجرد رئيس عاجز آخر يحرّكه الذين أتوا به، لا سيما رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل الذي يصر عليه رغم المعارضة داخل تياره، التي أودت بتصويت عدد من النواب داخل كتلته لـ”لبنان الجديد”.

ليس حباً بأزعور إنما كرهاً بالفراغ، وتفادياً لرئيس مثل سليمان فرنجية، مستعد لتنفيذ أجندة “حزب الله” وحلفائه حتى الرمق الأخير. انتهت الجلسة وتزاحمت التصريحات بين من اعتبر الجلسة غير دستورية ومن اعتبرها انتصاراً للديمقراطية أو حفلة سيرك أخرى. الأكيد أن خلاصات قليلة يمكن جمعها من المشهد، أولاً أن كسر كلمة “حزب الله” ليس مستحيلاً حين تتأمن الإرادة، وثانياً أن المنتصر المطلق حتى الآن هو الفراغ. فبعد هذه الجلسة، لا شيء واضح، وقد يطول الانتظار حتى تتحدد جلسة أخرى وحتى تنتج جلسات التشاور قراراً أو مرشحاً، إن كان أزعور أو الوزير السابق زياد بارود أو قائد الجيش…