شارل الياس شرتوني/المواجهة ثم المواجهة هي السبيل الأوحد لاستعادة الحياة الديموقراطية

72

المواجهة ثم المواجهة هي السبيل الأوحد لاستعادة الحياة الديموقراطية
شارل الياس شرتوني/14 حزيران/2023

لقد إنتهت الدورة الانتخابية الى نتيجة واحدة: لا إستقامة للحياة الديموقراطية ما لم تواجه الفاشيات الشيعية بشكل مباشر، لتعي أن بقية المواطنين قد سئموا سياسات الاستباحة المفتوحة، والتطاول المبرح على السيادة الوطنية، وكرامة اللبنانيين، وحرمة المؤسسات الدستورية، التي حولت الى مواطىء وغطاءات ليس إلا. لقد ظهرت النتيجة إرادة المواجهة عند نواب المعارضة، والرفض غير الموارب لواقع الدونية والقصور المعنوي الذي أحيلت إليه الحياة الپرلمانية، بفعل الاقفالات الاوليغارشية التي التأمت حول معادلات الطائف السياسية على مدى ٣٣ عاما، والتسليم بديكتاتورية نبيه بري التي انبثقت وتغذت على كعب سياسات الوصاية والاحتلال المتوالية منذ ١٩٩٠، وبفعل سياسة المقايضات بين أركان الاوليغارشيات الحاكمة.

لقد حولت سياسة السيطرة الشيعية، التي تركزت تدريجا منذ ال ٢٠٠٦، المؤسسات الى هيكليات فارغة المضمون، تستخدم استنسابيًا من قبل سياسات النفوذ الحاكمة على قاعدة أولوياتها المتبدلة. ما جرى اليوم هو بداية نهاية المفارقة التي سمحت لنبيه بري البقاء لمدة ثلاثة عقود رئيسًا للبرلمان، وإلحاق الحياة البرلمانية بمراكز النفوذ القائمة بامتداديها الخارجي والداخلي، وتغطية عملية السطو الانقلابي على السلطة في البلاد، وعليها ان تستكمل من خلال إعادة تكوين السلطة التنفيذية،من خلال الانتخابات الرئاسية وائتلاف حكومي جديد، يؤسس لمرحلة جديدة.

يعكس تبدل النبرة، عند الثنائي الشيعي، بعد تصويت اليوم عدة أمور علينا تظهيرها: الاتيكيات الديموقراطية والدستورية غير موجودة، بفعل إنعدام المنابت الثقافية والأخلاقية المؤسسة والملازمة لها، وبفعل سياسات السيطرة التي لا تقيم وزنًا سوى لموازين القوى وروافعها الداخلية والإقليمية والدولية. إن تصريحات كل من حسن فضل الله، وعلي حسن خليل، والياس ابو صعب، ليست إلا تعبيرا عن محاولات التفاف على نتائج إلاقتراع، كما أن إنهاء الجلسة الانتخابية على النحو الذي إنتهت إليه، ليست الا تظهيرًا إضافيًا لمدى الاستخفاف بالأصول الدستورية في حال عدم تطويعها للاستخدامات الظرفية.

نحن لا زلنا في خضم مواجهة مباشرة مع مشروع إنقلابي يسعى الى نسف كل مقومات الحياة الديموقراطية، الأخلاقية، والدستورية، والليبرالية وما تقتضيه من التزام ضنين بالموجبات التي تفترضها دولة القانون. لا بد من متابعة عملية تركيز وتوسيع الائتلاف الديموقراطي من أجل تدعيم ترشيح جهاد أزعور، والمطالبة الحثيثة بتعيين الدورة الانتخابية القادمة، والعودة الى صندوق الاقتراع، وإنهاء لعبة الازدواجية السلوكية: الاقتراع مرغوب به في حال السيطرة على الأكثرية النيابية، وغير مقبول في حال خسارة الاغلبية النيابية، والأدهى من كل ذلك التلطي وراء التفسير الاستنسابي للديموقراطية التوافقية وآلياتها التنظيمية والتحكيمية.

إن تعطيل العمل الدستوري والديموقراطي هو لازمة في الحياة السياسية اللبنانية منذ زمن الوحدة السورية-المصرية، والتحالف بين المنظمات العسكرية الفلسطينية واليسار الفاشي، ووصولًا الى سياسة السيطرة الشيعية التي يقودها النظام الايراني: المؤسسات صالحة بقدر فائدتها الاستخدامية. إن التفاوض بين الأفرقاء المتعارضين صالح وبناء بقدر إلتزامه موضوعية الوجود الدولتي، ولا لزوم له من أجل تغطية مواربة لعملية انقلاب تتابع مسيرتها المتعرجة، ولا فائدة من أجل الوصول الى الحد الأدنى المبني على التسليم بواقع الاستثناءات السيادية( الدولة داخل الدولة)، والسلاح الذي يوازي السلاح الشرعي وينازع مبدأ حصريته بيد الدولة، وتشريع إقتصاد الجريمة المنظمة داخليًا ودوليًا تحت مفارقات سياسة السيطرة،(شعب، جيش، مقاومة)، وحماية المقاومة، وإنتحال صفة إلاقرار في السياسات الخارجية والدفاعية والمالية.

لقد إنتهت ورقة الابتزاز السياسي، ونأمل ألا تبدأ ورقة الإرهاب والاغتيالات، وتحريك سياسة الاستباحات المعممة، والتعرض للسلم الأهلي. على المعارضة أن تتذكر أن المسألة ليست استحقاقًا دستوريًا عابرًا، بل إشكالية سياسية أساسية تتعلق بوجود الدولة كواقع موضوعي ودستوري وفعلي ناجز، يعبر عن إرادة المواطنين، ويحمي حقوقهم وحرياتهم على تنوع انتماءاتهم من خلال اعلانات وطنية، ومدنية، وسياسية جامعة، تلتئم حول الدستور وآلياته، وضرورة تجديد العقد الاجتماعي انطلاقا من مبادىء فلسفية وسياسية جامعة وهندسات دستورية خلاقة، تنتظم حولها الولاءات وتبنى الديناميكيات السياسية العتيدة في البلاد على أساسها.