دينيس روس/توقفوا عن التساهل مع الفلسطينيين

287

توقفوا عن التساهل مع الفلسطينيين
دينيس روس/نيويورك تايمز
7كانون الثاني/يناير 2015

يصرّ رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، على استخدام المؤسسات الدولية للضغط على إسرائيل، وذلك حتى بعد أن قوبل بالرفض في مجلس الأمن الدولي، حيث التمس قراراً يقضي بانسحاب الإسرائيليين من الضفة الغربية والقدس الشرقية. وقد أعلن السيد عباس الآن أنه سوف يلجأ إلى “المحكمة الجنائية الدولية” في خطوة من شأنها أن تسفر عن اتهامات فلسطينية واتهامات إسرائيلية مضادة لكنّها لن تغير الحقيقة على أرض الواقع.

لقد أعرب مسؤول أوروبي التقيته مؤخراً عن تعاطفه مع التماس الفلسطينيين لاتخاذ قرار من مجلس الأمن. فأجبته بالقول إنّه إذا كان يؤيد قيام دولة فلسطينية، فقد حان الوقت للتوقف عن التساهل تجاه الفلسطينيين. لقد حان الوقت لجعل التركيز على الرموز بدلاً من الجوهر مكلفاً بالنسبة لهم.

فمنذ عام 2000 جرت ثلاثة مفاوضات جادة تُوِجَت في عروض لحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وهي: معايير مقترحات الرئيس بيل كلينتون في عام 2000، وعرض رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود أولمرت في عام 2008، وجهود وزير الخارجية جون كيري في العام الماضي. وفي كل من هذه الحالات، تم تقديم مقترح بشأن كافة القضايا المحورية إلى القادة الفلسطينيين، فما كان إلاّ أن قوبل ذلك إما بالرفض أو بعدم الإجابة على الإطلاق. فقد وجد هؤلاء القادة أنّ كلفة الإجابة بـ “نعم” أو حتى كلفة طرح عرض مضاد يتطلب تنازلات، كانت مرتفعة جداً.

إنّ الثقافة السياسية الفلسطينية متجذرة في قصص تدور حول الإجحاف؛ فميلها لمعاداة الإستعمار وإحساسها العميق بالتظلم يجعلاها تعامِل تقديم التنازلات إلى إسرائيل على أنّها خطوة غير شرعية. وبذلك تُصوَّر التسوية على أنّها خيانة ولا بدّ للمفاوضات – التي تقوم بحكم تعريفها على تقديم تنازلات متبادلة – أن تجبر أي زعيم فلسطيني على تحدي قومه عبر اتخاذ قرار مكلف سياسياً.

غير أنّ اللجوء إلى الأمم المتحدة لا يقوم بشئ من هذا القبيل. فهو يمارس ضغطاً على إسرائيل ولا يتطلب شيئاً في المقابل من الفلسطينيين. وعادةً ما تدور القرارات حول ما يجب على إسرائيل فعله وما يجب على الفلسطينيين الحصول عليه. إذا كانت الإجابة بـ “نعم” مكلفة وعدم القيام بأي شيء ليس كذلك، لِمَ ينبغي أن نتوقع من الفلسطينيين تغيير مسارهم؟

لذلك، على القادة الأوروبيين الذين يؤيدون بحرارة قيام الدولة الفلسطينية أن يركزوا على كيفية رفع كلفة الإجابة بـ “كلا” أو عدم القيام بشيء عندما يُقدَّم عرضٌ على طاولة الحوار. ويهتم الفلسطينيون اهتماماً كبيراً بالدعم الدولي لقضيتهم. فإذا علموا أنّهم سوف يُحاسَبون على عدم تجاوبهم أو على رفضهم قبول عرض أو قرار منصف، فقد يغيّر ذلك حساباتهم.

ولكن، لسوء الحظ، يركّز معظم الأوروبيين أكثر بكثير على سلوك الإسرائيليين، ويسعون كحد أدنى إلى رؤية تغيُّر سياسة إسرائيل الاستيطانية المستمرة.

لكنّ اللجوء إلى الأمم المتحدة أو إلى “المحكمة الجنائية الدولية” أثناء الانتخابات الإسرائيلية سوف يأتي بنتائج عكسية. فسوف يتم النظر إلى الأمر في إسرائيل باعتباره مقاربة أحادية الجانب وسوف يقوي ذلك السياسيين الذين يفضلون استمرار الوضع الراهن. وسيجادل أولئك المرشحين بالقول إنّ الأوراق توزَّع ضد مصلحة إسرائيل وإنّ البلاد تحتاج إلى قادة يقفون بحزم ضد الضغوط المجحفة.

لِمَ لا ننتظر إذاً؟ إذا كانت الحكومة الاسرائيلية الجديدة التي ستشكَّل بعد الانتخابات مستعدةً لاتخاذ مبادرة سلام وعدم بناء مستوطنات سوى على الأراضي التي من المرجح أن تكون جزءاً من إسرائيل وليس جزءاً من فلسطين، لن تكون هناك حاجة لاستصدار أي قرار من الأمم المتحدة. وإذا كان الجواب عكس ذلك، وقرر الأوروبيون المضي قدماً في التماس قرار، فعلى هذا الأخير أن يكون متوازناً. فلا يمكنه أن يلبّي بكل بساطة الاحتياجات الفلسطينية عبر تقديم حدود مبنية على خطوط عام 1967 مع تبادلات للأراضي متفق عليها بشكل مشترك وعاصمة في القدس الشرقية العربية من دون تقديم أمورٍ محددة بنفس القدر من الدقة إلى إسرائيل – وعلى وجه التحديد ترتيبات أمنية تجيز لإسرائيل القدرة على الدفاع عن نفسها بنفسها، وانسحاب تدريجي مرتبط بأداء السلطة الفلسطينية في مجالي الأمن والحوكمة، وحل لقضية اللاجئين الفلسطينيين تسمح لإسرائيل بالإبقاء على طابعها اليهودي.

وفي أغلب الظنّ سيرفض الفلسطينيون مثل هذا القرار. فالقبول به سيتطلب منهم القيام بتنازلات سبق أن رفضوها في كل من الأعوام 2000 و2008 و2014. وبطبيعة الحال، ليس هناك ما يضمن موافقة الحكومة الإسرائيلية المقبلة بمثل هذا القرار. ولكن، ليس الإسرائيليون هم من يضغطون من أجل تدخل الأمم المتحدة، بل الفلسطينيون. وإذا كانت مقاربتهم لا تقوم على قيام دولتين ولا على السلام، فلا بد أن يكون هناك ثمناً لذلك.

إن السلام يتطلب محاسبة كلا الطرفين. ومن المنصف الطلب من الإسرائيليين قبول النقاط الأساسية التي تجعل من السلام أمراً ممكناً – أي خطوط عام 1967 فضلاً عن تبادل الأراضي واقتصار بناء المستوطنات على قطع الأراضي المحددة. ولكن، ألم يحن الوقت بعد لطلب ما يعادل ذلك من الفلسطينيين، بشأن قيام دولتيْن لشعبيْن وبشأن أمن اسرائيل؟ ألم يحن الوقت بعد للطلب من الفلسطينيين الرد على مقترحات وقبول قرارات تتناول الاحتياجات الإسرائيلية وليس فقط احتياجاتهم الخاصة؟

**دينيس روس هو مستشار وزميل وليام ديفيدسون المميز في معهد واشنطن