شارل الياس شرتوني: لماذا جوزف عون رجل المرحلة؟

68

لماذا جوزف عون رجل المرحلة؟
شارل الياس شرتوني/29 آيار/2023

يتطلب التداول في الأسماء المطروحة لرئاسة الجمهورية تبصرا في الشروط الموضوعية لهذه العملية قبل التوقف عند الاسماء. الشرط الاول لعملية الاختيار هو القدرة على تأمين الحد الادنى من الوجود الموضوعي للدولة اللبنانية، خارجًا عن مراكز النفوذ الاوليغارشية التي حولتها الى مقاطعات سلطوية للمحاصصة، وترفيد الموارد الريعية، والزبائنيات والمشاريع الانقلابية المتمثلة بقاطرة نفوذ الفاشية الشيعية وائتلافاتها. نحن أمام تحديين بالغين يتمثلان بالسياسة الانقلابية الشيعية التي تستهدف الكيان الوطني، والاجتماع السياسي، والنظام الديموقراطي، وإطارها الناظم بمتغيراته التعددية والليبرالية والميثاقية، كما ظهرتها زيارة المسؤولين الكنسيين في مناطق النفوذ الشيعية في الجنوب والبقاعات. لقد تحولت المدن والقرى ذات الغالبية المسيحية، الى معتقلات تستخدم على نحو استنسابي من قبل سياسات النفوذ الشيعية، للتدليل على واقع التبعية بكل مندرجاتها المعنوية والسياسية والحياتية ، وهذا ما تعبر عنه مقولات شائعة في الأوساط الشيعية.

أما التحدي الثاني فهو إصرار الاوليغارشيات على تثبيت الاقفالات السياسية لحماية عملية النهب التاريخية التي اقتنصت أموال اللبنانيين الخاصة والعامة من خلال سياسة المحاصصة، والديون العامة المفخخة، والولاءات الإقليمية المسخرة التي طبعت جمهورية الطائف وأمنت الحصانات المطلوبة لها؛ والحؤول دون الاصلاحات الهيكلية في مجالات الحوكمة والقضاء والمالية العامة، واستقامة النظام الديموقراطي لجهة فصل السلطات، وتطبيق الدستور، ووضع حد لواقع الاستثناءات السيادية المعممة التي قضت على حيثية الوجود الدولتي وإمكانية إعادة إحيائه، كما هو بين من خلال التمدد السرطاني لميليشيا حزب الله، ولسياسة الإرهاب الاستنسابي الذي تعتمده في الداخل، والجريمة المنظمة في الداخل اللبناني ودوليًا (التهريب على أنواعه، العمل الاقتصادي غير المشروع وتبييض الأموال الملازم له…).

إن أية مبادرة بإتجاه تحرير الاستحقاق الرئاسي من القيود التي تفرضها سياسات النفوذ القائمة، تفترض الانطلاق من مقدمات الوجود الموضوعي للدولة، واستقلاليتها المعنوية والأدائية عن مراكز النفوذ المبنية على التطبيق الصارم للموجبات الدستورية، والالتزام الضنين بالمعايير الديموقراطية والليبرالية والميثاقية والتعددية، كقيم ناظمة للوجود السياسي، وإعادة الاعتبار للموجبات السيادية، لجهة حصرية السياسة الخارجية والدفاعية والمالية بالدولة اللبنانية، وتحرير السلطة التشريعية والتنفيذية من هيمنة سياسة النفوذ الشيعية التي حولتها الى أشكال مؤسسية فارغة المضمون. لم يبق من الوجود الدولاتي سوى المؤسسة العسكرية على الرغم من سياسات النفوذ التي تعتمل في داخلها، وهذا ما جعل الإدارة الاميركية تعول عليها كمفاعل فعلي من أجل إعادة بناء الوجود الدولتي المتداعي، وهذا ما عاينته مباشرة من خلال عملي السياسي في واشنطن في العام الماضي (٢٠٢١-٢٠٢٢) .

إن المرشحين المدنيين لمنصب الرئاسة تنقصهم الحيثية السياسية، والاستقلالية المعنوية، والقدرة على المبادرة والمواجهة ولن أراجع بيوغرافيتهم الفردية من أجل تظهير ما قلته لضيق المجال. ترشيح قائد الجيش يبقى الحل العملي الأفضل للاعتبارات التالية، أ- لإنه يرأس المؤسسة الدولتية القائمة فعليًا، ولأنه أحسن إداراتها في مرحلة جد خطرة نالت من تماسكها المعنوي والمهني، ونظام قيمها، وانهيار قدراتها المالية الأولية.هذا يعني أنه نجح في حل أزماتها المالية المتوالية، والحؤول دون استعمالها من قبل مراكز النفوذ العاملة في داخلها، في مجال قمع التظاهرات التي رافقت الثورة المدنية، وضرورة صيانة التوازنات الميثاقية في داخلها، وصيانة السلم الأهلي، وما يعبر عنه هذا الاداء من حكمة وحسن تدبير وصلابة معنوية في ظروف بالغة التعقيد.

يبقى إختيار جوزف عون الخيار الأفضل من أجل صيانة السلم الاهلي، ومنع تمدد سرطان الاستثناءات السيادية كما مثلها أداء الفاشيات الشيعية، وما يمكن أن يؤدي اليه من عدوى تستحثها سياسات انقلابية إقليمية شتى، وتأمين الاطار السليم من أجل الخوض في إشكاليات الاصلاح المالي الهيكلية، وإعادة أموال المودعين، والخوض في إصلاحات الحوكمة والنظام السياسي باتجاهين متلازمين: الهندسة الدستورية وحياد لبنان. جوزف عون غير قادر على الكلام السياسي في هذه المرحلة، لكن عمله يحكي عن وعيه للمشاكل الأساسية وكيفية مقاربتها وحلها. للمعترضين على مبدأ توالي العسكريين على رئاسة الجمهورية، أجيب أنني أشاطرهم الرأي المبدئي، ولكن حالة التداعي والتفكك الحاضرة تتطلب مداخلات وخيارات حاسمة ومتكآت مؤسسية فعلية. تحدي النقلة النوعية مطروح على جوزف عون، ومتابعة العمل الذي ابتدأه مع بلورة سياسية اكثر تشعبا تطال الأمن الوطني والاصلاحات الهيكلية في البلاد. لولا كل هذه الاعتبارات، لكنت مرشحا لرئاسة الجمهورية بعد انقضاء ٥١ عامًا على عملي النضالي والسياسي.