محمد سلام/عندما تتحول العصابة غير المنضبطة إلى سرايا منضبطة

415

عندما تتحول العصابة غير المنضبطة إلى سرايا منضبطة
محمد سلام/الثلاثاء 7 كانون الثاني 2015

تذكّرني الشريحة المسماة “سرايا المقاومة” بالعصابة الأم التي أطلقها ياسر عرفات في العام 1975 وكان إسمها “عناصر غير منضبطة”.
تلك العناصر كانت تضم كل زعران الأزقة، شبيحة المدن، مدمني الرذيلة ومخبري الأجهزة، إضافة إلى “دكاكين” سياسية كان عرفات يخترعها ظرفياً. وكانت مهمة عصابة العناصر غير المنضبطة واحدة وحيدة لا غير وهي أن تقوم بكل الأعمال القذرة التي تقتضي الظروف تنفيذها من دون أن تنسب لمنظمة التحرير الفلسطينية التي كان عرفات يحرص على  الحفاظ على “سمعتها” في المحافل العربية والدولية بصفتها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني بموجب قرار قمة عربية.

والملفت أنه في كل إجتماعات اللجان الأمنية في تلك الحقبة بين العامين 1975 و 1982 كان ممثلا عرفات والحركة الوطنية اللبنانية يلقيان بمسؤولية كل الأعمال القذرة على عصابة العناصر غير المنضبطة ويتعهدان بكبحها، وضبطها، وتجريدها من السلاح … ألى آخر ما هناك من المفردات الطنّانة-الرنّانة وغير … الفعّالة أو الفاعلة.

وإستمرت عصابة العناصر غير المنضبطة إلى ما بعد رحيل عرفات ومنظمة التحرير في العام 1982. ورثتها إسرائيل وحوّلتها إلى عناصر تابعة لها كان المرئي منها يشاهد “مقنعاً” على حواجز قوات الإحتلال، ينظر في جوه الماره، يهز رأسه، فيتم إعتقال أشخاص يذهبون … ولا يعودون.

وعصابة العناصر غير المنضبطة ورثتها أيضاً الحركة الوطنية ولكن برعاية أسدية هذه المرة. وكانت “اللجنة الأمنية” المنبثقة عن إجتماعات ميدان سباق الخيل ببيروت تُكَلّف بمهمة “ضبط” العناصر غير المنضبطة في الشارع حفظاً “للإستقرار” الذي يعني عملياً التعايش غير العنفي بين ميليشيات متناحرة تابعة لسيد واحد هو نظام الأسد.

وأذكر جيداُ أن وزيراً في الحكومة الحالية، وكان عضواً في تلك اللجنة الأمنية، شهر مسدسه وأطلق النار في شارع سبيرس ببيروت على عنصر غير منضبط  تابع لتنظيمه لوقف “الإقتتال” مع عناصر تابعة لزميل آخر من تنظيم خصم في تلك اللجنة الأمنية هو اليوم نائب في البرلمان اللبناني منذ إنتخابات العام 2009.

عصابة العناصر غير المنضبطة تجاوزها الزمن، طواها، إنتهت صلاحيتها، سُحِبَ إسمها التجاري من السوق، ولكن بعدما أنجبت وريثتها “سرايا المقاومة” التي تقوم بنفس الدور الذي كانت تقوم به أمها، مع تغيير أسيادها.
ماتت، تجارياً، عصابة العناصر غير المنضبطة مع الإنسحاب الأسدي، وورثتها السرايا –وإسمها الحركي الرسمي “سرايا الدفاع عن المقاومة” فصارت هي التي تنفذ الأعمال القذرة التي يكلّفها بها حزب “الله” ولا يريد أن تنسب إليه. وعندما تقع في ورطة، يأتي “أمن الحزب” ليخرجها منها، كما حصل في كمين السرايا لشعبة المعلومات في صيدا وغيرها … وغيرها.
عرفات، وبعده الحركة الوطنية –الأسدية لم يتخليا عن عناصرهما غير المنضبطة لأنها كانت بالنسبة إليهما  مجرد مطامر نفايات تبقي بيئتهما المباشرة “نظيفة شكلاً” كي يستمر التعايش التجاري-النفعي تحت الطاولة.

حزب “الله” صار اليوم يزعم بأنه ليس هو من إجتاح بيروت في 7 أيار العام 2008، بل “السرايا” فعلتها، مع أن أمر الإجتياح صدر عن سيد الحزب حسن نصر الله “السلاح دفاعاً عن السلاح” في خطاب بُثَ حياً على شاشات التلفزة. فلماذا سيتخلى حزب نصر الله عن سراياه غير المنضبطة؟

صحيح أن هناك مطالبة “وطنية” بإقفال مطامر النفايات، ولكن هذه المطالبة قد تخضع “لتمديد تقني” بإنتظار الإتفاق على “متعهد” يقرر هو أسلوب “تدوير” النفايات بدل طمرها. أليس مبدأ التدوير التجاري هو الذي إعتمد أساساً لإستيلاد “السرايا” من العناصر غير المنضبطة؟؟؟ البلد لم يصل بعد إلى حقبة تدوير النفايات بحيث يحولها إلى عناصر منتجة ومفيدة. النفايات تبقى … نفايات كما كل نفايات وإشعاعات الفساد التي نخرت الجسد اللبناني، بقطاعية العام والخاص.