عين الرمانة والبوسطة/من كتاب لبنان الذي نهوى للكولونيل شربل بركات

116

عين الرمانة والبوسطة/من كتاب لبنان الذي نهوى للكولونيل شربل بركات

رابط الكتاب على موقعنا/اضغط هنا لقراءة الكتاب

لم يكد جو الفتنة يمر بعد اقل من شهرين إلا وقد افتعل حادث عين الرمانة. كان مخطط الفلسطينيين، كما قلنا سابقا للسيطرة على بيروت بكاملها ومنع الجيش من الوصول إليها، قطع الطرق من تل الزعتر باتجاه مخيمات صبرا وشاتيلا. وكان مخيم جسر الباشا قادر على القيام بنصف المهمة والقوى التي تسيطر على مخيمات بيروت (صبرا وشاتيلا وبرج البراجنة ومار الياس) قادرة بسهولة للوصول حتى الشياح بدون اي عناء، ولكن يبقى منطقة عين الرمانة وفرن الشباك عائقا للاتصال بعناصر جسر الباشا وتل الزعتر، ولذا يجب التخلص منهما.

من هنا كان التخطيط باحداث مشكل صباح 13 نيسان 1975 يطلق فيه النار على المتواجدين باستقبال الشيخ بيار اثناء تدشين الكنيسة، ومن ثم وبعد أن تبدأ الفوضى والخوف، تتدخل عناصر مسلحة بمهمة مفصلة وواضحة لاحتلال الشارع الرئيسي والمباني المجاورة له، ثم تلحقها قوى أخرى تكمل السيطرة على فرن الشباك (ولتمويه العملية اقام عرفات احتفال في أحد المخيمات تحت اسم “ذكرى شهداء الخالصة” حيث تم استعراض أكثر من خمسمئة مسلح من النخبة شاركوا من كافة المخيمات الفلسطينية وتوزعوا بعد الاحتفال في عشرين باص يجوبون بيروت بانتظار التعليمات)، ومن ثم تنتشر العناصر من جسر الباشا وتل الزعتر نزولا إلى مستديرة الشيفرولي فتكون هذه الجهة قد قطعت الطريق على اي تدخل من قبل ثكنة الفياضية أو قيادة الجيش وتقوم عناصر من النبعة التي كانت تجهزت لهذه الغاية بالسيطرة على دوار الصالومي وحتى الدورة وضهر الجمل كمقدمة لنزول فصيل من تل الزعتر باتجاه الدكوانة لملاقاتهم. وتتحرك بعدها فرق المسلخ والكرنتينا لاغلاق المدخل الشمالي لبيروت. ولذا يمكننا أن نفهم سبب التحرشات التي كانت تقوم بين تل الزعتر والدكوانة قبل تلك المدة وهي مخططة لكي يرصد مستوى المقاتلين وأسلحتهم وتجهيزهم في هذه المنطقة، ومن ثم كانت عملية مهادنة الأرمن بواسطة الحزب الشيوعي الارمني من جهة وأرمن حلب الذين طلب منهم السوريون منع تدخل الأرمن اللبنانيين في اي معركة خوفا على سلامتهم بعد التهديد الذي تلقوه من الأسد، ما أبقى الموقف الأرمني الرسمي مائعا وبدون قرار، بينما كان موقفهم الطبيعي التمسك بلبنان الدولة والدفاع عنها وهذا ما منع على ما يبدو أرمن الدورة والمخيم من مساندة قوى الدولة وقطع الطريق على الفلسطينيين وأعوانهم من السيطرة على منطقة الدورة – الكرنتينا.

كل ما قيل عن “حادثة” عين الرمانة مغلوط وغير مبرر. ولكن ما جرى يومها كان غير منتظر من قبل من خطط من الفلسطينيين للهجوم، فهم حاولوا دخول عين الرمانة بباص مدني لكي لا ينتبه السكان للهجوم، وهي طريقة تعلموها أثناء التدريب في الدورات القتالية والقيادية بالصين وفيتنام والاتحاد السوفياتي ولكنها لم تنفع كثيرا في لبنان لتغيير ردة فعل السكان المحليين، ومن هنا استعمال البوسطة التي بقي سائقها حيا ولكنه خُفي ومنع عناصر التحقيق من مواجهته خوفا من أن يفضي بالحقيقة. ثم كانت المفاجأة بأن الأهالي في عين الرمانة، وعندما انتبهوا لأن هذه العناصر مدججة بالسلاح وهي تكاد تصل إلى قلب الحي حيث ستتمكن من السيطرة عليه إذا ما ترجلت وأخذت باطلاق النار، فقاموا بمواكبتها وفور توقفها ومحاولة نزول عناصرها اغرقوا بسيل من النيران قضى على جميعهم، وهكذا فشلت الخطة لأن المجموعات التي كانت ستتدخل في فرن الشباك كانت تنتظر اشارة من هذه الفرقة بأنها أتمت السيطر لكي تتدخل ولما تأخرت الاشارة كانت الحالة قد اصبحت خطرة وقد وصلت القوى الأمنية وحرّكت قيادة الجيش بعض وحداتها فأوقفت العملية بكاملها بانتظار تعليمات جديدة.

بعد هذه العملية نزل المسلحون إلى الشوارع وبدأت عمليات ضبط مداخل الأحياء والمحافظة على حياة السكان وعدم السماح بتجول الغرباء فيها. والكل يعرف كيف تطورت الأمور بعدها ولا نريد هنا أن نفصّل كامل مراحل الحرب. ولكن المهم بأن عملية السيطرة على العاصمة من قبل المنظمات فشلت. ولا يعني ذلك بأن عرفات وجماعاته توقفوا عن محاولاتهم. وقد كان عرفات يومها قد اصبح القائد الفعلي لمنظمة التحرير والتي يتبع لها ما يسمى بجيش التحرير الفلسطيني، وهو كناية عن الوية عسكرية مدربة في كل من مصر وسوريا والأردن والعراق وترابط في هذه الدول بكامل عتادها وعديدها، وقد وضعت تحت اشراف عرفات بعدما تخلى الشقيري عن هذا المنصب لصالحه. من هنا قرر عرفات استدعاء هذه الألوية للمرابطة في لبنان وبالطبع بالتنسيق مع الأسد كونها ستصل إلى سوريا ومن ثم تدخل إلى لبنان. وهكذا كان فقد وصلت هذه الألوية الأربع لواء القادسية (من العراق) لواء حطين (من الأردن) لواء عين جالوت (من مصر) ولواء اليرموك (من سوريا) وبدأت بالدخول إلى لبنان طيلة صيف 1975 وحتى بداية 1976 وتمركزت في عكار والبقاع وغيرها من الأماكن، ولكنها كانت تتبع بالامرة لعرفات ويوزعها كما يريد وحيثما يتطلب الموقف. من هنا تلك الهدنة التي تمتع بها اللبنانيون في صيف 1975 وخريفه.