مريم مجدولين اللحام: الجنس في حرف الأنظار عن الجريمة السِّياسية: قضيَّة الشيخ الرفاعي نموذجاً

80

الجنس في حرف الأنظار عن الجريمة السِّياسية: قضيَّة الشيخ الرفاعي نموذجاً
مريم مجدولين اللحام/موقع لبنان الكبير/11 آذار/2023

في كل مرة نخسر رجلاً سيادياً لصالح الخصم، تتعمَّد أدوات إعلام التَّصفية السياسيَّة زجّ العنصر النسائي والجنسي في القضايا. وفي أجدد رواية ركيكة منشورة، أُضيفت اليوم جريمة قتل الشيخ أحمد شعيب الرفاعي، الى “سلسلة متهمي الممانعة بالشّبق الجنسي” وضحايا الاستدراج النسائي، فانضمّ سماحة ثائر عكار إلى: جبران تويني، سمير قصير، رمزي عيراني، لقمان سليم ووسام الحسن على لائحة “أزوار النساء مُستحقي أقدارهم الدموية”!….
في جُهد مدروس لإضفاء الصبغة الجنسيّة على ملف جريمة سياسيّة بامتياز كملف جريمة القرقف، اعتمد الصحافي على إفادات المخططين للجرم، للتشهير بالضحية. وفي الوقت نفسه اعترف الصحافي بأن المخطط الأبرز للجريمة المذكورة، المدعو علي يحيى الرفاعي، قد “كذب أكثر من مرة خلال التحقيق”.
فتاوى القاتل، وإن لم تكن مُلزمة، مدّت صحافة الممانعة بسندٍ قانوني سرّي وازن، وبسلاح أخلاقي يستند إليه الصحافي الاستقصائي هذا، بشقيه المسلّح والنسائي، لحرف الأنظار عن الحقيقة. وكعادته، لم يُفصح الصحافي عن هوية مصدره في فرع المعلومات، ونشر تحقيقاً مطوّلاً ومفصّلاً مبنياً على رواية القتلة، منتقياً منها ما راق له للتشهير بالمقتول، واهباً منبريه في الجريدة و”اليوتيوب” ليشوّها بسرديتهما الضحية حتى بعد إردائه ميتاً. وفي ذلك الكثير من الخُبث وضرب للقانون بعرض الحائط… إذ أن نشر تفاصيل التحقيقات السرية مع المجرمين الكاذبين للعلن، قبل أن تصل إلى محكمة الجنايات، هو جرم يعاقب عليه القانون.

أما رواية القاتل فهي غير متماسكة وهزيلة، ربطت عمامة المغدور الشيخ أحمد بالإغواء الجنسي لاحداهن له، وادّعت أن هذه الامرأة كانت في الحقيقة “الشيخ” الآخر القاتل وأن الشهيد أحمد ذهب الى موته بقدميه بعدما ظن أنه سيُلاقي إمرأة وافقت معه على “زواج مؤقت”… يُمتعهما.
رواية، تضمنت “زواج متعة” (وهو أمر غريب ومهين لشيخ سُنيّ المذهب بين أبناء بيئته). رواية تضمنت إمرأة وإغواء جنسياً: خلطة سهلة لتشويه سيرة الشيخ و”تضييع الشنكاش” كما يُقال بالعامية.

أضف إلى أن الكاتب، لم يذكر للقراء ولا لمستمعيه أن عملية استدراج المقتول الى الكمين، مهما كانت، هي غير مهمة، أو أن المهم هو الجريمة وليس كيف استدرج الشيخ إلى حتفه! بل أصرّ على تضخيم دور الحميمية والجنس والنساء في التغطية على دوافع القاتل التي تتمحور حول مشكلات سياسية، (تم ذكرها في التحقيق)، وساهم في تسخيف الخلفيات السياسية التي ساهمت في إسكات الشيخ أحمد عن ملفات الفساد وسرقة المشاعات والمخدرات وملفات “سرايا المقاومة” المتعددة التي كان الشيخ أحمد يفضحها على منبره الديني ووسائل التواصل الاجتماعي الخاصة به.

استطلاع، سلاح، عتاد، بذلات لقوى أمنية (الدرك)، حرص، سيارات بلا لوحات أرقام، تزوير، إتلاف لهواتف خلوية، حفر أرض الدفن بعمق أمتار، مهنية على مستوى ميليشيوي، مشكلات سياسية بين القاتل والمقتول بحسب المحضر… كل ذلك كان هامشياً بالنسبة الى الصحافي، الأهم هو تصفية صورة الشهيد بالكامل، بعد تصفيته الجسدية، وأن يذكر الاستدراج الجنسي لا الدوافع السياسية.

لمَ لا؟ الجنس أنصع جاذبية من إلقاء الضوء على انتماء القاتل ومجموعته المخططة الى “سرايا المقاومة”. لم يشكك الصحافي مرة واحدة في أقوال المجرمين بل اعتمدها من دون أن يسأل: شيخ سُنّي و”زواج مُتعة”؟ امرأة لم يسمع صوتها وبات مغرماً بها في ظرف أسبوع؟ لماذا طلب القاتل أن يحضر الشيخ أحمد معه صنفاً من الحلويات؟ من أين أتى القاتل باللباس الأمني؟ من مدّه بالسيارات والأرقام المزوّرة؟ لم يكن التحقيق صادماً للغاية بالنظر إلى سجلّ خط الممانعة الحافل بالاستهداف المعنوي لضحاياه بعد الموت. فمن منا ينسى التضليل الذي طال الشهيد سمير قصير واتهامه بأنه شهيد علاقة غرامية، أو حتى ما ساقه البعض من روايات زائفة عن الشهيد جبران تويني، وحزمة الأسئلة التي طرحت لتصرف النظر عن مسألة قتل رمزي عيراني وما قبلها وما بعدها من السيناريوهات الخبيثة التي مرروا ضمنها: الجنس والنساء في استهداف وسام الحسن ولقمان سليم؟

كما لم يكن التحقيق صادماً للغاية بالنظر إلى سجلّ هذا الاعلامي الحافل بالعمليات التشويهية لخصومه السياسيين، وإصراره الشّديد والعَلَني على كونه حيادياً محترفاً، ليس لأنه ينشر معلومات “خاصة” لا يحصل عليها من رفاقه الأمنيين إلّاه وحسب، بل أيضاً، رفضاً لسرديات المقتولين أنفسهم وكلامهم قبل اغتيالهم، وما قد يشكله على المدى البعيد من “فتنة مذهبية” وتهديد لصفو النظام العام لدولة التعايش مع القتلة.

فتنة يتحدث عنها ويمارسها هو. يحق لشاعرنا ما لا يحق لغيره. فبخلاف تحقيقات أبو كلبشة السابقة، لا يقتصر هذا التحقيق على تفاصيل القضية، بل يأتي على محاولة شاقة لضرب صورة دار الفتوى في لبنان، إذ أن المجرم بحسبه، قد استفاد من عمامته، ومن بطاقاتها لتسهيل المرور… وفي المحصلة بحسبه إن دار الإفتاء تأوي: قاتلاً وعاهراً! فهل سيستفز هذا التحقيق، الناقص، رداً من مفتي عكار سماحة الشيخ زيد بكار زكريا أو من مفتي الجمهورية سماحة الشيخ عبداللطيف دريان؟