شارل الياس شرتوني: لبنان من الدولة الرهينة الى دولة التخوم المدمرة

56

لبنان من الدولة الرهينة الى دولة التخوم المدمرة
شارل الياس شرتوني/10 آذارأ2023

الجنرال اڤيڤ كوخافي، رئيس أركان الجيش الاسرائيلي: “الحرب القادمة سوف تدمر تدميرا شاملا البنية العسكرية لحزب الله، على المدنيين أخذ العلم والتصرف على هذا الاساس”

لقد انقضى ١٧ عاما على حرب ٢٠٠٦ التي انتهت الى القرار ١٧٠١ وتوسع عديد ومهمات القوات الدولية، ودخول الحدود الجنوبية في حال من السكون النزاعي، بعد انقضاء أربعة عقود من الصراعات المفتوحة التي ما لبثت أن ارتدت على الداخل اللبناني وشكلت المدخل للحرب اللبنانية التي قضت على الارث الميثاقي والديموقراطي والليبرالي ودولة القانون، لحساب نزاعات داخلية مفتوحة على كل سياسات النفوذ الاقليمية ومفارقاتها المدمرة. مما لا ريب فيه أن الديناميكية الانقلابية التي يتحرك من خلالها حزب الله هي الوريثة المباشرة للتحالف الانقلابي الذي جمع المنظمات الفلسطينية واليسار اللبناني، مع التنبه للفروقات في الاهداف الخاصة بكل منهما.

خلافا لبعض القراءات التي اعتبرت تسوية الطائف المدخل الى مرحلة بعد الحرب، بقيت هذه التسوية على مفارقاتها الدستورية والسياسية أسيرة لمراكز القوى المحلية والاقليمية واملاءاتها، والاوليغارشيات التي خرجتها أو تحالفت معها، وسياسات القضم والتآكل (Predatory Politics) التي اسست لاستملاك القرار المالي والاقتصادي من قبل الاوليغارشيات الحاكمة، بدءا من سياسة المقاولة وتوزيع شبكات المحاصصة التي بناها الحريري، الى سياسة النهب المنهجي التي اعتمدها الثنائى الشيعي، في ظل سياسة النفوذ السورية والايرانية المتوالية على لبنان منذ بدايات جمهورية الطائف حتى يومنا هذا.
جمهورية الطائف ليست سوى غطاءًا اسميًا، وصبغة شرعية وهمية لواقع تناظم سياسات النفوذ الداخلية ومرجعياتها الإقليمية الناظمة.

إن أية مقاربة منهجية تغمط الفروقات القائمة بين المسميات والاشياء، تطيح بالواقع وتضاريسه ومؤدياته المدمرة. لقد انتهت المحاولة الانقلابية الأولى (المنظمات الفلسطينية واليسار) بفعل مداخلتين خارجيتين مرحليتين (سورية واسرائيلية)، ولن تنتهي المحاولة الانقلابية الثانية (الثنائي الشيعي والنظام الاسلامي الإيراني) إلا بحرب اقليمية بين حزب الله واسرائيل، تأسست مع حرب ٢٠٠٦ وتركزت، منذ ذلك الوقت، مع سياسة تسلح تصاعدية ووهامات ايديولوجية، سوف تطيح بهذه الديستوپيا الإجرامية والارهابية وبما تبقى من لبنان الدولة-الرهينة، كما تؤشر له تصريحات مسؤولي حزب الله (حسن نصرالله، نعيم قاسم، محمد رعد ، نبيل قاووق)، وسيناريوهات الحرب الاستباقية والشاملة التي صرح عنها الجنرال اڤيڤ كوهاڤي.

إن الاستنكاف عن اجراء تسوية بشأن الانتخابات الرئاسية والتمسك بالمرشح-المستخدم، سليمان فرنجية، ومتابعة التعاطي مع الشأن اللبناني، كملف رديف لسياسة نفوذ النظام الاسلامي الايراني، ومتابعة تفكيك مرتكزات الاقتصاد اللبناني السوي، والتلاعب الاوليغارشي بما تبقى من النظام المصرفي اللبناني، تمهيدا لوضع اليد عليه من خلال السيطرة على المصرف المركزي وإتمام عملية انهيار نظام مصرفي متداعي، سوف يؤدوا الى القضاء على ما تبقى من الحيثية الوطنية والدولتية للبنان.

ان سياسة الانهيار الارادية التي تعتمدها الفاشيات الشيعية على كل المستويات (الاستراتيجية، السياسية، المالية، الاقتصادية، الاجتماعية …) عبر الادعاءات العسكرية الواهمة، وتكسير الكيان المعنوي والدستوري للدولة اللبنانية، وتحويل اراضيها الى منصة صاروخية ليس الا، والى مهجع للجريمة الدولية المنظمة والارهاب، والتعبئة الايديولوجية المطبقة التي تضع الشيعة في لبنان في حالة قطيعة نفسية وعداء مع سواهم، كما تعبر عنها الپارانويا الجارفة في أوساطهم.

حزب الله وملحقاته تنظيمات توتاليتارية تدين بالعنف مدخلا للنفوذ، وكل ما عدا ذلك تمويه وتحين لفرص، في وقت تتداعى فيها البلاد على وقع الساعات والأيام. علينا التبصر بالوقائع وفهم مدلولاتها قبل فوات الاوان، فالهدنة الطويلة التي أمنتها الامم المتحدة من خلال القرار ١٧٠١، كان ينبغي استعمالها من اجل تثبيت السلام على التخوم الجنوبية، لا من أجل التسلح، والتشبث بوضعية الاستثناء السيادي، ومصادرة القرار السياسي اللبناني، كمرحلة أساسية في سياق انقلابي شيعي يديره النظام الاسلامي الفاقد الشرعية داخل ايران، والهارب الى نزاعات الخارج الاقليمي والدولي كبديل وظيفي عن شرعية متهاوية، واسقاطات ايديولوجية ميتة.

أحوال لبنان في ظل جمهورية الموز التي اصطنعتها الفاشية الشيعية، تشبه طائرة طيران الشرق الاوسط التي كانت في مرمى نيران عصابات الضاحية التي أزاح عنها وزير الداخلية، بسام مولوي، أية شبهة استهداف، إمعانا في التنكر للواقع. مسكين هذا البلد الذي بقي حيا بالصدفة، ومستقبله رهن لوهامات الفاشيات الشيعية، ونهيليتها النافذة حتى العظم، وسرطاناتها المعممة.