جان الفغالي: جمعية القرض الحسَن مصرف ونُصّ المصارف تنحسر والجمعية تتمدد

80

جمعية القرض الحسَن “مصرف ونُصّ”.. المصارف تنحسر والجمعية تتمدد
جان الفغالي/موقع هنا لبنان/25 شباط/2023

ما هو مؤكد أن جمعية “القرض الحسن” لن يكون وقعُها “حسنًا” على الوضع النقدي اللبناني، لأن “اقتصاد الـ cash” يُخرِج لبنان من النظام النقدي العالمي ويحوِّله إلى دولة مارقة، فهل هذا هو المطلوب؟

يَرِد في تعريف “القرض الحسن” على موقع “الإسكوا”، ما حرفيته: “يقصد بالقرض الحسن مطلق الأعمال الصالحة التي يقوم بها العبد لوجه الله وقربة إليه، وقد نسب القرض الحسن إلى الله عز وجل، فالله هو المقترض من عباده وهو الموفي لهم أجرهم أضعافاً مضاعفة. تأسست جمعية مؤسسة القرض الحسن عام 1982، عقب الاجتياح الإسرائيلي للبنان، وما خلفه من اوضاع اجتماعية واقتصادية مدمرة، وتم ترخيصها من وزارة الداخلية اللبنانية سنة 1987 بموجب علم وخبر 217/أ.د.”

إنتهى التعريف وبدأ الغموض، “القرض الحسن” جمعية مرخَّصة بموجَب عِلم وخبر صادر عام 1987.
إذًا، مرخَّصة منذ 1987، لكنها بدأت عملها عام 1982 أي قبل خمس سنوات من نيلها الترخيص.

القيّمون عليها يقولون إنّها ليست مصرفًا، ولكن لنفتح كتاب قانون النقد والتسليف ولنتعرف على “تعريف المصرف”، فنقرأ المادة 121 التي تعرف المصرف، وتقول: “تدعى مصرفاً المؤسسة التي موضوعها الأساسي أن تستعمل لحسابها الخاص في عمليات تسليف، الأموال التي تتلقاها من الجمهور”.
إذا أخذنا هذا التعريف وأسقطناه على القرض الحسن، فإنه يتبيَّن لنا أن جمعية القرض الحسن هي مصرف “تستعمل لحسابها الخاص في عمليات تسليف، الأموال التي تتلقاها من الجمهور”، أفليس هذا ما يقوم به المصرف تحديدًا؟

وفي المادة 122 من قانون النقد والتسليف توصيف لِما تقوم به الجمعية تحديدًا: “تعتبر أموالاً متلقاة من الجمهور، من قبل مصرف، الودائع وحاصلات القروض”. وكذلك المادة 124 التي تقول: “يحظر على كل شخص حقيقي أو معنوي لا يمارس المهنة المصرفية أن يتلقى ودائع”.
إذًا نحن لسنا أمام “جمعية” بل أمام “مصرف ونُصّ” كامل الأوصاف، ولا ينفع الإختباء وراء شجرةٍ لحجب الغابة.

ولكن على رغم حجب العِلم والخبر، بسبب العقوبات، فإن حساب الجمعية على “تويتر” يشي بالأشياء الكثيرة! ففي ردها على إحدى المحطات التلفزيونية، تقول: “عمل الجمعية هو ذو طابع خيري واجتماعي بالأساس، فهي ليست مصرفًا وإنما هي جمعية تستقطب المساهمات من أهل الخير وتعطيها كقروض بدون فوائد لكل الناس المحتاجين لها… إن الجمعية تعطي القروض لكل اللبنانيين والمقيمين على الأراضي اللبنانية”..

البيان تُعزز مضمونَه سلسلة تغريدات تؤكد المؤكد من أن الجمعية هي مصرف، بدليل الترويج التالي والمتتالي:
يرِد في إحدى التغريدات: “قروض المِهَن والحِرَف باللبناني وبالدولار… الجهد عليك والتمويل علينا”.
وفي تغريدة أخرى: “خدمة تخزين الذهب… خبي قرشك الأصفر”… وهناك خدمة الصرف الآلي “قد الثقة وأكتر”. والتغريدة الأكثر وضوحًا: “قروض بالليرة اللبنانية بضمانة ذهب… دايمًا معك” والضمانة كمية من الذهب تفوق قيمة القرض.

من خلال كل ما تقدم، يتبيَّن أننا أمام مصرف وليس مجرد جمعية، وهذا المصرف يتوسع باطّراد وقد أصبح لديه أكثر من واحدٍ وثلاثين فرعًا تمتد من بيروت إلى الجنوب إلى البقاع، بما يعني أنه يضاهي في عدد الفروع، المصارف الكبرى.
جمعية “القرض الحسن” تأخذ ودائع، وتعطي تسليفات، أليس هذا هو تعريف المصرف؟

ولكن هذا المصرف هو خارج المنظومة المالية: لا يمر بمصرف لبنان ولا بجمعية المصارف ولا بوزارة المال، يعتمد على الـ cash economy من دون أن يتحدد مصدر هذا الـ cash.

هل هذا هو النظام المالي البديل؟ ماذا عن العقوبات؟
أسئلة كثيرة تدور حول هذا الأمر، لكن ما هو مؤكد أن جمعية “القرض الحسن” لن يكون وقعُها “حسنًا” على الوضع النقدي اللبناني، لأن “اقتصاد الـ cash” يُخرِج لبنان من النظام النقدي العالمي ويحوِّله إلى دولة مارقة، فهل هذا هو المطلوب؟

وزارة الخزانة الأميركية أدرجت الجمعيّة على قائمة العقوبات عام 2016، بناءً على تشريع صادر عام 2015، إلّا أنّ نشاطها لم يتوقّف.

مجموعة من القراصنة الإلكترونيّين، تطلق على نفسها اسم Spiderz، سبق أن أعلنت عن هجوم إلكتروني شنّته على جمعيّة “القرض الحسن”، القراصنة كشفوا في تسريباتهم تفاصيل تتعلّق بقيمة القروض ونسبة السداد ومعلومات شخصية عن المقترضين وميزانية المؤسسة وفروعها لعامَيْ 2019 و2020، ومع ذلك لم توقف الجمعية عملها. المفارقة أنّ العقوبات على الجمعية، والعقاب تتلقاه المصارف! إنه الواقع السوريالي.