شارل الياس شرتوني: اغتيال لقمان سليم أو نهاية المفارقات القاتلة

78

اغتيال لقمان سليم أو نهاية المفارقات القاتلة
شارل الياس شرتوني/06 شباط/2023

آنا غفمان: “لا اله لكم سوى الموت”

يفصح اغتيال لقمان سليم الممهور بالوقاحة المعهودة التي عبرت عنها عشرات قصاصات التخوين التي الصقت على جدار منزله في ٢٠١٩ والتي اختصرتها كلمات الاجرام المعلن ” المجد لكاتم الصوت”، وانتفاء الحس الاخلاقي الذي عبر عنه جواد نصرالله” خسارة البعض هي في الحقيقة ربح ولطف غير محسوب، # بلا اسف”.

هذا الاغتيال ليس باستثناء بل محطة في مسار عبر عنه لقمان سليم بشكل بليغ عندما تحدث عن القضاء المنهجي على التعددية الفكرية والسياسية في الاوساط الشيعية اللبنانية. ان نهج الاغتيالات الممأس في اوساط حزب الله له تاريخ مديد يعود الى نهاية الثمانينات كتعبير عن ديستوپيا شيعية تستعيد ميتولوجيا المهدي المنتظر، وما العنف السياسي الا وسيلة لتسريع عودته واقامة العدل في الارض بعد ان ملئت “ظلما وجورا”.

هذه التوتاليتارية الشيعية الناشئة مع الثورة الاسلامية في ايران تتقاطع مع الشمولية الاسلامية المعاصرة التي خرجتها حركة الاخوان المسلمين التي تشكل احدى مصادر الهاماتها، والتي تتنافس معها في مجال بث المنحى التوتاليتاري الذي يطبع الاسلام المعاصر*، والدفع بالسياسات الارهابية مقدمة للمد الامپريالي المتجدد في الاسلامات المعاصرة التي تقودها ايران من الجانب الشيعي، والسعودية والاوليغارشيات الخليجية وتركيا من الجانب السني.

هذا التوجه الايديولوجي الذي حكم المسار الشيعي اللبناني منذ ما يقارب العقدين قد ترافق مع سياسات تمكينية في الاوساط الشيعية ابتدأت مع الامام موسى الصدر والاغتراب الشيعي، وما أمنه الكيان الوطني اللبناني من حصانات سياسية ودستورية أخرجت الشيعة من الهامشية التي احالتهم اليها الخلافات السنية المتعاقبة.

ان تمركز حزب الله داخل هذه المعادلة المعقدة المبنية على خط التقاطع بين العصمة الدينية التي دفعت بها الثورة الاسلامية في ايران، وديناميكيات التمكين السياسي والاقتصادي بجوانبها المشروعة والمنحرفة، وضعت حزب الله في صميم ديناميكية شيعية عامة تستفيد من سياسة نفوذه دون المشاركة في المناخات الايديولوجية والاساليب الحياتية التي يسعى الى بثها وارسائها. هنا تكمن المفارقة عند الشيعة في لبنان، كيفية التوفيق بين سياسات النفوذ والعمل الاقتصادي المنحرف الذي ارسته الفاشيات الشيعية، والمناخات الليبرالية التي ترسخت في أوساطهم من خلال ديناميكيات التثاقف المتنوعة.

ترقى سياسة الاغتيالات التي اعتمدتها الفاشيات الشيعية الى مرحلة أفول النفوذ الفلسطيني والموت التدريجي للرواية الشيوعية والقومية العربية المنافسة، عبر تصفية اعلامها الايديولوجيين حسين مروة وحسن حمدان، واحالة اقطابها السياسيين، محسن ابراهيم، كريم مروة، حبيب صادق، سعدالله مزرعاني،… الى هامش الحياة السياسية لحساب استراتيجية تمكين طوائفية انعقدت على خط تقاطع التحالفات العشائرية والحزبية (سياسات امل وحزب الله)، وتحويل الديموقراطية التوافقية اللبنانية الى منطلق لقضم الحيز السياسي والاقتصادي، والتمهيد لسياسة سيطرة شيعية تعتمد بشكل متواز على الروافع السياسية الداخلية والخارجية، والحيازات العامة والشبكات الزبائنية، والعمل الاقتصادي المنحرف، والفراغات الجيوسياسية، وسياسة النفوذ الايرانية من اجل الخوض في سياسة شيعية انقلابية على المستويين الداخلي والاقليمي.

تلت هذه المرحلة حقبة العمليات الارهابية الكبيرة (السفارة الاميركية في عين المريسة، المارينز، الدراكار) وقتل وخطف رئيسين للجامعة الاميركية (مالكولم كير وديڤيد دودج)، والعشرات من الصحافيين(روجيه اوك، مارسيل كودري …) والمسؤولين الكنسيين (بنجامين واير وتيري ويت) والمواطنين الاجانب المقيمين في بيروت الغربية، والمناوئين الفكريين (مصطفى جحا، الخميني اغتال زرادشت).

اما المرحلة الثالثة فهي التي تطال الجامعيين والكتاب والناشطين الليبراليين (وضاح شراره، منى فياض،لقمان سليم، أحمد بيضون، محمد ابي سمرا، …) في زمن تهاوي الرواية الناظمة للثورة الاسلامية الايرانية، والأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية الحادة في ايران، ومفارقات سياسات النفوذ والتسلح الايرانية وحدودها، والسقوط التدريجي لخطاب الممانعة واسقاط سياسات التطبيع الاقليمي على المستوى العربي-الاسرائيلي، والسعي لمعالجة واقع الفراغات الاستراتيجية الاقليمية…، وتبلور معارضة شيعية ليبرالية لم تعد تقبل بالاحادية السياسية والايديولوجية، والفساد المعمم الذي تلعب فيه الاوليغارشيات الشيعية دور الريادة.

لقد قتل لقمان سليم لانه يمثل رواية بديلة ذات ثقل بين في لعبة النفوذ القائمة في الاوساط الشيعية، وأساس لديناميكية سياسية في طور التبلور تمثلت في جرأته الاخلاقية الاستثنائية التي واجهت المشروع التوتاليتاري دون مواربة، واعتبرت انه لا حرية في الاوساط الشيعية وغير الشيعية، ولا امكانية لإحياء دولة القانون في لبنان دون مواجهة هذا المد الشمولي الاعمى والمافياوي الطابع والمتداخل مع شبكة المصالح المالية والاستراتيجية التي جعلت من لبنان منطلقا لسياسة شيعية انقلابية اقليمية.

ان منازعة الشرعية الوطنية اللبنانية السائدة حاليا في الاوساط الشيعية اللبنانية وتخريجاتها الايديولوجية الوهامية، تطرح اسئلة حاسمة على الشيعة في لبنان: هل انتهت مرحلة لبنان في المسار الشيعي وابتدأ مسار انقلابي جديد ذات معالم مضطربة يقع على خط تقاطع السياسة الانقلابية الاقليمية لايران المأزومة، ويستند الى الفراغات المتنامية والصراعات المفتوحة كما هو الحال في سوريا والعراق واليمن وليبيا والاراضي الفلسطينية ولبنان، وسياسات اقتصاد الجريمة المنظمة والاستباحات المفتوحة التي يؤمنها لبنان كقاعدة احتضان، والتموضعات الاستراتيجية الوهامية مع الولايات المتحدة واسرائيل …،.

على الشيعة حسم امرهم، وعلينا كلبنانيين حسم امرنا حيال حزب الله والفاشيات الشيعية ومآلاتها، إذ لا امكانية للتعايش مع مفارقات قاتلة ونافية للاجتماع السياسي اللبناني وللدولة الديموقراطية بحدودها الدنيا، لقمان حسم أمره فقتل.