فيديو القداس الإلهي الذي ترأسة اليوم 29 كانون الثاني/2023/في كنيسة بكركي البطريرك الراعي مع نص عظته ونص عظة المطران عودة/الراعي: أتمنى على البيطار مواصلة عمله وماذا يبقى من لؤلؤة القضاء حين يتمرد قضاة على مرجعياتهم؟/عوده: العدالة لا تجزأ وليست انتقائية أو كيدية وتمقت ازدواجية المعايير

95

اضغط هنا لمشاهدة فيديوالقداس الإلهي الذي ترأسة اليوم 29 كانون الثاني/2023/ في كنيسة بكركي البطريرك الراعي

رابط فيديو القداس الإلهي الذي ترأسة اليوم 29 كانون الثاني/2023/ في كنيسة بكركي البطريرك الراعي مع نص عظته ونص عظة المطران عودة/
وطنية/29 كانون الثاني/2023

المطران عوده: العدالة لا تجزأ وليست انتقائية أو كيدية وتمقت ازدواجية المعايير
وطنية/29 كانون الثاني/2023

الراعي تمنى على البيطار مواصلة عمله: ماذا يبقى من لؤلؤة القضاء حين يتمرد قضاة على مرجعياتهم ؟
والدولة تبذل قصارى جهدها لتدفع المواطنين إلى الثورة المفتوحة
وطنية/29 كانون الثاني/2023
ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي قداس الاحد في كنيسة السيدة في الصرح البطريركي في بكركي عاونه فيه المطرانان حنا علوان وانطوان عوكر، ومشاركة عدد من المطارنة والكهنة والراهبات، في حضور وفد من مصلحة طلاب حزب الكتائب اللبنانية وحشد من الفاعليات والمؤمنين.بعد الانجيل المقدس، القى الراعي عظة بعنوان:”من تراه الوكيل الأمين الحكيم

نص عظة البطريرك الكردينال مار بشاره بطرس الرَّاعي
أحد تذكار الكهنة
بكركي – 29 كانون الثاني 2023
“من تراه الوكيل الأمين الحكيم ” (لو 12: 42)
1. تبدأ مع هذا الأحد أسابيع التذكارات الثلاثة: فنذكر تباعًا الكهنة والأبرار والصدّيقين والموتى المؤمنين. تذكار الكهنة اليوم يشمل التأمّل في سرّ الكهنوت وشخصيّة الكاهن ورسالته، والتماس الراحة الأبديّة للكهنة المتوفّين، والصلاة من أجل تقديس الكهنة الأحياء المنصرفين إلى خدمتهم، وثبات الدعوات الكهنوتيّة، والطلب إلى الله أن “يرسل فعلة لحصاده الكثير” (متى 9: 38).
كلام الربّ يسوع في إنجيل اليوم يطبّق على كلّ مسؤول وصاحب سلطة في الكنيسة والعائلة والمجتمع والدولة، لكون مسؤوليّته توكيلًا لخدمة الجماعة، وتوفير ما يلزمها لتعيش بكرامة وتحقّق ذاتها. فالمطلوب من المسؤول-الوكيل “أن يكون أمينًا وحكيمًا”(لو 12: 42).
الكاهن موكّل من المسيح الربّ والكنيسة؛ الأزواج والوالدون موكّلون بحكم الشرع الطبيعي والوضعي، المسؤولون المدنيّون موكّلون من الشعب. نذكرهم جميعًا مع الاحبار والكهنة لكي يدركوا حجم مسؤوليّتهم التي سيؤدّون حسابًا عنها ثوابًا أم عقابًا. ذلك أنّ الموكّل الأوّل هو الله وهو يطالب كلّ مسؤول، كما يعلّمنا إنجيل اليوم.
2. يسعدنا ان نحتفل معكم بهذه الليتورجيا الإلهيّة، ونرحّب بالجميع، ولا سيما بالوفد من الطلاب الكتائبيّين الذين أحيّيهم وأشجّعهم على عيش ما تربّوا عليه من محبّة للبنان وإخلاص وتفان في سبيله، كما تعلّموا من تاريخ حزب الكتائب اللبنانيّة. تعرفون أنّ لبنان تأسّس على فكرة أساسيّة حدّدت هويّته وهي “الإنتماء إلى دولة لبنان يكون بالمواطنة لا بالدين”. ما يعني أنّ لبنان يفصل بين الدين والدولة، ولكن الدين يحترم الدولة، والدولة تحترم الدين. هذا هو منطوق المادّة التاسعة من الدستور. ولكن بكلّ أسف ثمّة من يعمل على إعطاء لبنان لونًا دينيًّا وطائفيًّا ومذهبيًّا. فينبغي أن نكون يقظين وندافع عن هويّة لبنان وفرادته في العالم العربيّ، وعن رسالته ونموذجيّته التي تعطيه دورًا رائدًا في البيئة العربيّة.
3. تقرأ الكنيسة إنجيل اليوم في تذكار الاحبار الكهنة. لا بدّ أوّلًا من توضيح معنى سرّ الكهنوت المعروف بسرّ الدرجة المقدّسة. وهو أحد الأسرار السبعة في الكنيسة، بالإضافة إلى المعموديّة والتثبيت والإفخارستيّا والتوبة ومسحة المرضى والزواج. الأسرار هي علامات تدلّ على النعمة الإلهيّة وتحقّقها في قابليها، وقد أسّسها السيّد المسيح وسلّمها إلى الكنيسة لكي تمارسها باسمه. ولكلّ سرّ من الأسرار نعمته الخاصّة يمنحنا إيّاها الروح القدس ليشفينا من خطيئتنا ويقدّسنا، ويؤهّلنا لنعاون في خلاص الآخرين، وفي نموّ جسد المسيح السرّيّ الذي هو الكنيسة (التعليم المسيحيّ للكنيسة الكاثوليكيّة 1131 و 2003). يشمل “سرّ الدرجة المقدّسة” ثلاث درجات: الأسقفيّة، والكهنوت، والشمّاسيّة.
4. الكاهن وكيل أقامه سيّده، يسوع المسيح الكاهن الأزليّ، ليعطي طعام الكلمة والنعمة والمحبّة في حينه، بشكل دائم ودؤوب، إلى بني بيته أي جميع الناس الذين افتداهم واقتناهم بدمه، فأصبحوا خاصّته. بالتوكيل يعطيه سلطانًا ورسالة، توجيهًا وغاية، لكي يعمل بشخص المسيح الكاهن الوحيد، ووسيط الخلاص بين الله والناس. فمن خلال خدمة الكاهن، المسيح نفسه حاضر في الكنيسة، كرأسٍ لجسده، وراعٍ لقطيعه، وكاهنٍ لذبيحة الفداء، ومعلّم للحقيقة. وبالتوكيل، الذي يجري بالرسامة الكهنوتيّة، يصبح الكاهن بالنعمة الإلهيّة، في كيانه الداخليّ، كاهنًا على صورة المسيح ومثاله، وينال من الروح القدس السلطان ليعمل بشخص المسيح نفسه الذي يمثّله وباسمه.
5. يطلب من الكاهن-الوكيل أن يكون “أمينًا وحكيمًا” (لو 12: 42). أمانته: للمسيح الذي وكّله بواسطة الكنيسة، وللجماعة التي أُوكل عليها، ولذاتِه الكهنوتيّة التي تقتضي منه أن يكون شبيهًا بالمسيح الكاهن الذي صوّره على مثاله في كيانه الداخلي بفعل الروح القدس. وحكمته يستمدّها من موهبة الروح القدس المعطاة له. فالحكمة هي أولى مواهب الروح السبع. وتقتضي منه أن يتصرّف ويعمل ويتكلّم من منظار الله. وبما أنّ “رأس الحكمة مخافة الله”، فالحكمة هي السعي إلى مرضاة الله في كلّ شيء، والخوف من إهانته وخيانته والإساءة إليه.
6. نتعلّم من سياق الإنجيل أنّ المسؤوليّة، كلّ مسؤوليّة، ليست ملكًا خاصًّا للتصرّف بها كما نشاء ويحلو، بل كما يريد الموكِّل المباشر، وكما يريد الموكِّل الأساسيّ الذي هو الله. ولهذا يتكلّم الإنجيل عن الثواب بالخلاص الأبديّ، وعن العقاب بالهلاك (راجع لو 12: 43-46). فالقاعدة الإلهيّة هي “أنّ من أعطي كثيرًا يُطلب منه الكثير” (لو 12، 48).
7. تنصّ مقدّمة الدستور اللبنانيّ على “أنّ الشعب هو مصدر السلطات، ويمارسها بواسطة المؤسّسات” (ي). بموجب هذا القول: كلّ أصحاب المسؤوليّة في المؤسّسات الدستوريّة موكّلون من الشعب. فنراهم على العكس وبكلّ أسف أعداء الشعب. لقد فقّروه وجوّعوه ومرّضوه: حرموه من حاجاته وحقوقه الأساسيّة للعيش؛ منعوا عنه الخبز والغذاء؛ أماتوه بغلاء الدواء والطبابة. وفوق ذلك حرموه العدالة بتسييس القضاء؛ جعلوه كخراف لا راعي لها. كلّ ذلك بأحجامهم عن إنتخاب رئيس للجمهوريّة. وهذا هو باب الفلتان والفوضى في حكم المؤسّسات.
8. فأين مجلس النوّاب الذي أضحى هيئة ناخبة، ويحجم عن انتخاب رئيس للجمهوريّة، قاطعًا من جسم الدولة رأسها؟ ألم يحن الوقت ليجتمع نواب الأمّةِ في المجلس النيابي، ويختاروا الرئيس المناسب والأفضل بالنسبة إلى حاجات البلاد وشعبها؟ وإذ نشجع مبادرة النواب المجتمعين في قاعةِ المجلسِ للضغطِ من أجلِ انتخابِ رئيسٍ، نتمنى أن يَكتملَ العددُ حتى النصابِ وتَتمَّ العمليةُ الانتخابيّة. والرئيسُ المناسب والأفضل هو الذي يُعيد اللبنانيّين إلى لبنان مع الاستقرار والازدهار. ولا يغيب عن بالنا أنَّ تحدّيات إقليميّةً ودوليّةً تحاصر لبنان برئيسه وحكومته، فالمنطقة على مفترق أحداث خطيرة للغاية ويصعب التنبّؤ بنتائجها وانعكاساتها على لبنان.
من جِهتنا ككرسيٍّ بطريركيٍّ نواصل الاتَصالات والمساعي للدفعِ نحو انتخاب رئيسٍ جديدٍ، بالتنسيق الوثيق مع سائر المرجِعيات الروحيّةِ والسياسيّةِ آملين التوافق مع جميع شركائنا في الوطن. فرئيسُ الجمهوريّةِ وإن كان مارونيًّا ليس للموارنةِ والمسيحيّين فقط، بل لكلِّ اللبنانيّين. ونودّ أن يكون اختيارُه ثمرةَ قرارٍ وطنيٍّ ديمقراطي. فالمرحلةَ المقبلةَ هي مرحلةُ انتشالِ لبنان من الانهيارِ وإعادتِه إلى ذاتِه وهُويّته في نطاق الكيانِ اللبناني.
9. أين العدالة التي هي أساس الملك، والقضاة في حرب داخليّة؟ قضاةٌ ضِدَّ قضاةٍ، وصلاحيّاتٌ ضِدَّ صلاحيّات، وأحقادٌ ضدَّ أحقاد. لم يَعرف لبنانُ في تاريخِه حربًا قضائيّةً أذَلّت مَكانةَ القضاء وسُمعةَ لبنان وحَوّلت المجموعاتِ القضائيّةَ ألويةً تَتقاتل في ما بينها غيرَ عابئةٍ بحقوقِ المظلومين والشعب. حين يَختلف القضاةُ على القانونِ من سيَتفِقُ عليه؟ وهل حقًّا كان الخلافُ على الموادِّ القانونيّةِ أم على الموادِّ المتفجِّرةِ لتعطيلِ مسارِ التحقيق في جريمة تفجير المرفأ؟ وإذ يؤلمنا ذلك، نرجو أن يواصل المحقِّقُّ العدليَّ القاضي طارق بيطار عملَه لإجلاءِ الحقيقةِ وإصدارِ القرارِ الظنّي والاستعانةِ بأي مرجِعيّةٍ دوليّةٍ يمكن أن تساعدَ على كشف الحقيقة وأمام ضمائرنا 245 ضحيّة وخراب بيوت نصف العاصمة ومؤسّساتها. وما يؤسفنا أكثر أنْ نرى فِقدانَ النصابِ يطال اجتماعاتِ الهيئاتِ القضائية، فَيُقدِمُ قضاةٌ ومُدّعون عامِّون على تخطّي مجلسِ القضاءِ الأعلى ورئيسِه ويَمتنعون عن حضوِر الاجتماعات. وهذا غير مقبول! فللقضاء آليّته وتراتبيّته.
10. ماذا يبقى من لؤلؤة القضاء، حين يتمرّد قضاةٌ على مرجعيّاتِهم عوضَ أن يَتمرّدوا على السياسيّين، ويُزايدون على بعضِهم البعض، ويُعطّلون تحقيقاتِ بعضِهم البعض، ويُطلقون سراحَ متَّهمين بالجملة ويَعتقلون أهالي ضحايا المرفأ؟ وحين يُطيحون أصولَ الدهمِ والاستدعاءِ والجلبِ، ويَنقلِبون على أحكامِهم، ويَخضَعون لأصحاِب النفوذ؟ وحين يخالفون القوانينَ السياديّةَ ويَنتهكون سريّةَ التحقيقاتِ أمام دولٍ أجنبيّةٍ قبل أن يَعرفوا أهدافَها الحقيقيَةَ ومَن يُحرّكُها؟ وحين يُورِّطون ذواتَهم في مخَطّطاتِ الأحقادِ والانتقامِ؛ ويَستقوون على الضعفاءِ ويَضعَفون أمام الأقوياء ويُهرِّبون المعتقلين الأجانب؟ لن نسمحَ، مهما طال الزمنُ وتغيّر الحكّام من أن تمرَّ جريمةُ تفجير المرفأ من دون عقاب. وبالمناسبة، ماذا تنتظر الدولةُ اللبنانيّةُ لإعادةِ إعمار مرفأ بيروت ليستعيدَ حركتَه الطبيعية، خصوصًا أننا نسمع عن مشاريع لدى بعضهم لنقل مرفأ بيروت التاريخي إلى مكانٍ آخر.
11. نستطيع القول إنّ الدولة بمؤسّساتِها وأجهزتِها، تبذلُ قصارى جُهدِها لتخسِرَ ثقةَ المواطنين بها ولتدفَعَهم إلى الثورةِ المفتوحة. لمصلحةِ مَن هذا المخطّط؟ والأخطرُ أنَنا نرى البلادَ اليومَ تَسودُها الأجهزةُ الأمنيّةُ والعسكريّةُ في غيابِ أيِّ سلطةٍ سياسيّة ودستوريّة وأي رقابة حكوميّة. فأين الحكومة التي تدّعي أنها تَملِكُ الصلاحيّاتِ لتَحْكم؟ وأين السلطة التي تحمي المواطنين والشرعيّة؟
هذا كله نتيجة عدم انتخاب رئيس للبلاد. فحيث يغيب الرأس يتبدد الجسم كله. لا يريدون تصديق ذلك. إلا اذا كان عدم انتخاب الرئيس مقصودًا.
12. نصلّي لكي يلهم الله كلّ صاحب سلطة أن يمارسها بالأمانة والحكمة، فهو موكّل لا سيّد. بهذا الإقرار نمجّد الله ونحمده، الآب والإبن والروح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين.
#البطريركية_المارونية #البطريرك_الراعي #شركة_ومحبة #حياد_لبنان #لبنان_الكبير #الراعي #بكركي #معا_من_أجل_لبنان #لبنان

المطران عوده: العدالة لا تجزأ وليست انتقائية أو كيدية وتمقت ازدواجية المعايير
وطنية/29 كانون الثاني/2023
ترأس متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الأرثوذكس المطران الياس عوده خدمة القداس الإلهي في كاتدرائية القديس جاورجيوس.
بعد الإنجيل المقدس ألقى عظة قال فيها: “بعدما تعرفنا الأسبوع الماضي على زكا، رئيس العشارين الذي كان شعبه يكرهه، لكن الرب أنعم عليه بالمغفرة والمكوث تحت سقف بيته، ها نحن اليوم أمام امرأة وثنية جاءت تسترحم يسوع من أجل ابنتها. هذان المثالان يعدان المؤمنين لمرحلة مقبلة تشتد فيها التهيئة للدخول إلى معترك الصوم الكبير المقدس، وربح المعركة تجاه الشرير، وصولا إلى الاحتفال العظيم بالقيامة البهية. تعلمنا من زكا العشار كيف نتخطى كل الصعوبات التي يضعها الشرير في طريقنا كي لا نعاين المسيح المخلص، ولا نتذوق حلاوته، فنتوب ونعود إليه ونخلص. اليوم، نحن أمام امرأة، ليست يهودية مثل زكا، بل هي وثنية كنعانية. التاريخ البشري يشهد للعداوة الشديدة بين اليهود والكنعانيين، حتى إن اليهود كانوا يتمنون لو يباد الشعب الكنعاني بأكمله، رغم أنه جاء بحضارة عميقة، ومعه جاءت الزراعة وغيرها. لم ينظر اليهود إلى الكنعانيين من ناحية الغنى الثقافي أو الحضاري، ولا نظروا إلى ما منحهم الله من العطايا التي يمكن لليهود أن يغتنوا منها، بل رأوهم شعبا يهدد وجودهم الديني ويجب محوهم عن الأرض، فقط لأنهم لم يعرفوا الإله الحقيقي بعد. لكن شعبا يدعي معرفة الله، كيف يفكر بالشر في قلبه؟”
أضاف: “فيما كان اليهود، المتمثلون بتلاميذ المسيح، يقولون: «إصرفها، فإنها تصيح في إثرنا»، مع أنها كانت تعلن إيمانا لم يجده المسيح في «شعب الله»، كانت الكنعانية تصرخ نحو الرب يسوع قائلة: «إرحمني، يا رب، يا ابن داود فإن ابنتي بها شيطان يعذبها جدا». هذه الغريبة عن اليهودية طلبت الرحمة من معلم يهودي، واعترفت أنه الرب، ابن داود، أي الملك الممسوح من ذرية الملك داود، الآتي ليخلص شعبه، ولهذا تجرأت، أمام شعب لا يزال ينتظر مجيء مسيح الرب، على أن تطلب منه شفاء ابنتها المعذبة من الشيطان. ربما فضح صراخها الإيماني التلاميذ الذين كانوا مع المسيح كل حين، مثل سائر الشعب اليهودي، ولكنهم لم يعرفوه حتى الساعة، لذلك أرادوا إسكاتها وطلبوا من الرب أن يصرفها. قال لها يسوع: «لم أرسل إلا إلى الخراف الضالة من بيت إسرائيل». قد يتهم البعض الرب يسوع بالعنصرية، وبحصر الخلاص بالشعب اليهودي. هؤلاء يخطئون لأن المسيح بقوله هذا إنما يعلن ما يفكر به تلاميذه، وما حفظوه من الناموس، ويعتبر هذا الفكر خطيئة يجب أن تظهر إلى النور حتى يتم الشفاء منها، لأن «الكل إذا توبخ يظهر بالنور، لأن كل ما أظهر هو نور» (أف 5: 13). أراد المسيح أن يعلمهم نبذ الأفكار الشريرة عن سائر الأمم، وأنه غير محصور بالشعب اليهودي، لأن الله خلق الجميع لا اليهود وحدهم، على صورته ومثاله و«يريد أن كل الناس يخلصون وإلى معرفة الحق يقبلون» (1تي 2: 4).
وتابع: “ألحت الكنعانية على طلب الخلاص، كما فعل زكا. قالت للرب يسوع: «أغثني يا رب». لم تهتم لرفضها من قبل اليهود والتلاميذ الذين كان عليهم أن يقبلوا الجميع. قال لها الرب يسوع قولا قد يجده قراء الإنجيل صادما: «ليس حسنا أن يؤخذ خبز البنين ويلقى للكلاب»، لكن متى عرف المعنى الكامن وراء هذه العبارة ينتفي كل عجب. هنا أيضا، أظهر الرب علانية مكنونات قلوب اليهود. فبعدما أرادوا حصر يسوع بشعبهم فقط، ربما افتكروا في أنفسهم أن مرضاهم وخرافهم الضالة» هم أولى بعجائب الرب، فلماذا يعطى خبز البنين للغرباء؟! إن كلمة «الكلاب» ليست إهانة كما يعتقد الكثيرون، إنما هي موروث ثقافي لدى العبرانيين للدلالة على من هم خارج الإيمان. لقد أراد المسيح أن يظهر للجميع أنه جاء إلى كل الأجناس البشرية لأن «للرب الأرض وملؤها، المسكونة وكل الساكنين فيها» (مز 24: 1). إذا، لم يقصد الرب إهانة الكنعانية، بل استخدم معتقدا شعبيا يهوديا يظهر أن اليهود يستعلون على سواهم من الأمم، والدليل على ذلك أن المرأة كانت تعرف هذا القول وتتمته إذ أجابت: «نعم، يا رب، فإن الكلاب أيضا تأكل من الفتات الذي يسقط من موائد أربابها». مع أنها علمت موقف اليهود من شعبها، ثابرت على إيمانها وعرفت المسيح حقا، هو الذي لم يعرفه أبناء شعبه. ولكي يلقن اليهود وتلاميذه درسا في المحبة الكاملة التي لا تفرق بين يهودي وأممي، قال لها يسوع: «يا امرأة، عظيم إيمانك، فليكن لك كما أردت».
وسأل: “ألا يفعل اللبنانيون في غالبية الأحيان ما فعله اليهود مع الكنعانيين؟ للأسف، يقع البعض في خطيئة إدانة الآخر ومحاولة إقصائه. المسيحي فطر على المحبة، لا على الدينونة، إذ إن الله هو الديان العادل، والمانح الخلاص لجنس البشر. لذلك من واجب المسيحي أن يتشبث بالمسيح ويسعى مثل زكا والكنعانية إلى التوبة وإعلان الإيمان بالمخلص، وأن يتعلم منهما التواضع الذي سنعاينه الأسبوع المقبل مع العشار، حتى يكون مستحقا لفرح القيامة ويظهر أهلا للعرس السماوي، وإلا فإن الصوم الآتي لن ينفع قلبا متحجرا مغلقا على الإنسان الآخر. المسيح تجسد ليخلص الجميع، ولن ينال الخلاص إلا من تشبث به مثل زكا والكنعانية”.
وقال: “خلاص بلدنا يكون على أيدي أبنائه إن هم نبذوا الحقد والتعالي والإستقواء والإدانة والإقصاء. بلدنا يحتضر. لا رأس للدولة، والحكومة مستقيلة، والمجلس النيابي مشرذم ومشلول، لم يتوصل بعد إحدى عشرة جلسة إلى انتخاب رئيس، يكون الخطوة الأولى في مسيرة انتظام عمل المؤسسات. والمؤسف أن الإنهيار في لبنان لم يقتصر على النواحي السياسية والمالية والإقتصادية والإجتماعية بل تسرب إلى القضاء، وما شهدناه من تخبط وانقسام وصراعات وفوضى ينذر بتهاوي الملجأ الأمين لكل مستضعف ومقهور ومظلوم، والحصن المنيع الذي يحمي الدولة والمواطنين ويرسي العدالة على أساس الحق”.
أضاف: “العدالة أساس الملك، وهي لا تجزأ وليست إنتقائية أو كيدية، وتمقت ازدواجية المعايير. لقد سميت بيروت منذ القديم أم الشرائع لتمسكها بالقانون، ومدرسة الحقوق الرومانية فيها لم تكن علامتها الوحيدة المضيئة إذ عرفت على مر الأزمنة رجال قانون لامعين، لم يدينوا إلا بالحق وما طأطأوا الرأس إلا أمام الله والحقيقة. لكن الحقيقة ضاعت في جريمة تفجير المرفأ وقسم من بيروت وأبنائها، أو هناك من شاء تضييعها لأسباب نجهلها ويعرفها المعطلون. ما نعرفه وما هو منطقي أن على كل مطلوب الذهاب إلى التحقيق حفظا لكرامته وإثباتا لبراءته. أما التعنت وعدم المثول أمام المحقق فيشكلان إدانة واضحة لمن يتمسك بهما. عندما يخضع الجميع للقانون ويحترمونه تستقيم الأمور، وعندما يغيب العدل تعم الفوضى، ويصبح صاحب الحق مقهورا أو مدانا، والمجرم المطلوب للعدالة متفرجا مستقويا بمن يحميه. لقد أصبحت المواجهة بين القضاة، عوض أن تكون بين القضاء والمذنبين الذين فجروا العاصمة وها هم يفجرون القضاء. هذا الوضع لم نشهد له مثيلا في تاريخ لبنان، ولم يعهده قصر العدل. وعوض التمسك باستقلالية القضاء دخلت السياسة والطائفية إلى القضاء. لقد أدت السياسة المعتمدة عندنا إلى تحلل الدولة وانهيارها، لذلك على ذوي الضمائر الحية الساهرة على البلد عدم ترك السياسة تقضي على القضاء. لذا نتوقع من أولي الأمر مواقف على قدر جسامة الوضع، لا تصاريح فارغة لم تعد تجدي”.
وختم: “الإستهتار بأرواح الناس وحياتهم حرام، ومن حق كل متضرر معرفة الحقيقة، ومهما كبر غلو السلطة لا بد للحقيقة أن تظهر. نحن نعيش في أدغال سياسية واقتصادية وقضائية بسبب عدم كفاءة السياسيين وقلة مسؤوليتهم. متى ينقضي هذا الكابوس عن حياة اللبنانيين؟ بيروت الحزينة على أبنائها تنتظر استكمال التحقيق وجلاء الحقيقة. ولبنان كله حزين على وضعه وينتظر انجلاء الليل القاتم وبزوغ فجر النهوض. عسى ألا يكون الإنتظار طويلا”.