اكاديمية بشير الجميل: نص وفيديو/قراءة تاريخية في ذكرى مجزرة الدامور

203

اكاديمية بشير الجميل: نص وفيديو/قراءة تاريخية في ذكرى مجزرة الدامور
20 كانون الثاني/2014/Bachir Gemayel Academy

بعد تحرير الكرنتينا، قال الأسد:”طمأنت السيد عرفات وقلت له: “اطمئن … لن يزحفوا الى المنطقة الغربيّة (الكتائب والأحرار) ونحن سنتدبر الأمر…” فتدبر الأمر وكانت مجزرة الدامور
الدامور، تلك المدينة الشوفية الساحلية الرابضة عند مدخل الشوف والجنوب، بوابة بيروت الجنوبية ومركز التجمع المسيحي الكبير، أرادوها شهيدة مسيحيّة في حرب سوريا ومنظمة التحرير على لبنان وشعبه. مجزرتها لا تزال ماثلة في ضمير لبنان لتكون بذبيحتها عبرة لمن اعتبر، لتقول للأغراب وللغزاة وللإرهابيّين الّذين هاجموها ذات شتاء أنها باقية الى الأبد بلدة مسيحية لبنانية مقاومة منفتحة للجميع وأمام الجميع.
أحداث المعركة:
في 9 كانون الثاني 1976 حاصرت الفصائل الفلسطينيّة مدينة الدامور. وقد كانت مؤلفة بشكل أساسيّ من كتائب جيش التحرير الفلسطينيّ وقوات الصاعقة، وهما مواليتان لسوريا، بالإضافة إلى حركة فتح، الجبهة الشعبية والجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين. أما من الجانب اللبنانيّ، فقد شاركت قوى الحركة الوطنيّة المؤلفة من الحزب الشيوعيّ، المرابطون، الحزب التقدميّ الاشتراكي والحزب القوميّ السوريّ. وكان قائد الهجوم المعيّن من قبل فتح ومنظمة التحرير سعيد المراغة الملقب بأبي موسى، وهو قائد بارز انشق لاحقًا عن فتح وأسّس فتح الانتفاضة المواليّة لسوريا. أما على الصعيد الفعلي على الأرض فكان زهير محسن زعيم الصاعقة السوريّة، المعروف “بجزار الدامور”. وكانوا قد تلقوا أوامر واضحة من القيادة السوريّة بارتكاب مجازر وحشيّة.
يخبر الاب منصور لبكي كاهن رعية الدامور تفاصيل المجزرة كما يلي: “مع بداية الهجوم اتصل بقيادات الحركة الوطنية في المنطقة وقد اعلمته انها غير قادرة على فعل شيء. بدأ الهجوم من الجنوب والشرق من جهة الجبل ومن الشمال من جهة بيروت ولم يبق سوى البحر للأهالي. اختبأ الأهالي في الأقبية والطبقات السفليّة إذ إن البيوت لم تكن مجهزة بالملاجئ ومنهم من اختبأ في زرائب المواشي. الألاف اِخْتَبَأُوا في 200 منزل. كانوا ينتظرون وقف إطلاق النار ليتفقدوا الجرحى والأطفال والمسنين ويدفنوا الشهداء. الليلة الأولى سُمع صراخ المسلحين يشنون هجومات على المنازل ويعدمون الأهالي رميًّا بالرصاص. صمت الأموات كان مدويًّا كما صراخ الأطفال والمسنين. ويخبر أيضًا عن عائلة كنعان الّتي قضى الأب والأم والابن مع زوجته وأولاده الثلاثة وقد تمكن ولدهم سمير من الهرب وأعلم الاهالي بما حدث. وقد بقوا ثلاثة أيام في أرضهم إذ لم يجرؤ أحد على سحبهم ودفنهم بسبب كثافة القصف. عائلة كنعان الّتي قتلت، كانت قد استقبلت يوم تهجر الفلسطينيون سنة 1948 عائلة فلسطينيّة آوتها في بيتها، فهل هكذا يُرد الجميل؟
12 يوم من الحصار من دون ماء ولا كهرباء، حتى الصليب الأحمر منعوه من الدخول وسحب الجرحى. قصف عنيف ومكثف على البلدة، والأهالي بأسلحة الصيد يدافعون. في اليوم الأخير طُلب من الأهالي التجمع في كنيستي مار الياس والسيدة (21 ك2 ) . كان الأب منصور مع الأهالي مختبئين في كنيسة مار الياس وقد دعاهم إلى المغفرة لمن سيقتلونهم. وإذ هم محاصرون يدخل عليهم المدافعون عن البلدة ويخبرونهم أن الأهالي المحتجزين في كنيسة السيدة قد تم إعدامهم جميعًا. تحت وابل رصاص الأهالي، تمكنوا من الانسحاب نحو السعديات حيث نقلتهم الزوارق ومن ثم الباخرة نحو جونية والنبعة. كان منظر الهروب منظرًا مأساويًّا، ألافٌ من رجالٍ ونساءٍ وأطفالٍ شبه عراة في شتاء بارد وصقيع وتحت وابل القصف يتركون أرضهم وبيوتهم”.
لا بد من الإشارة أنه مع بداية الهجوم، طالب وزير الدفاع الرئيس كميل شمعون، من القوات الجويّة دعم المدينة ولكن رئيس الحكومة رشيد كرامي ألغى العمليّة بناءً على ضغط سوري.
أسقطت سوريا مدينة الدامور مع جارتها الجية، وشردت وهجرت أهلها نحو استراليا، وقتلت حوالي 600 شهيد داموري ما عدا الاسرى. رافق اجرامها تقطيع الجثث (وكان لا بد من عد الرؤوس لإحصاء الموتى) وتدمير المقبرة المسيحية القديمة وتدنيس القبور وتدمير البيوت، والاعتداء على النساء والأطفال.
لم تكن الدامور ردًا على الكرنتينا ولم تكن لفتح طريق الجنوب، بل كانت مؤامرة ومجزرة سورية بامتياز ذات اهداف عدة. الهدف الأول اخافة المسيحيّين والاظهار لهم انهم بحاجة لحماية سورية والا سيكون مصيرهم مثل مصير اهل الدامور. الهدف الثاني الاظهار للرأي العام العربي والعالمي ان الحرب اللبنانيّة هي حرب طائفيّة، وأن المسيحيّين والمسلمين والفلسطينيّين على حد سواء في خطر، وسيكون لهذه الحرب تداعيات كبيرة على مفاوضات السلام السوريّة-الاسرائيليّة، مما يحتّم ضرورة تدخلها في لبنان. أمّا الهدف الثالث والأساسي لما فعلتّه فكان الإمساك بالورقتين الفلسطينيّة والمسيحيّة لتحسين شروط تفاوضها مع اميركا وإسرائيل وهذا ما سيؤدي لاحقا بعد أربعة أشهر الى إتمام صفقة دخولها لبنان، في 31 ايار 1976، بالاتفاق مع إسرائيل عبر اميركا من خلال الرسالة السريّة التي بعثها إيغال آلون الى حافظ الأسد عبر جوزيف سيسكو.
لن ننسى الدامور وستبقى في ذاكرة اللبنانيّين عامةً والمسيحيّين خاصة، لكي تنير لنا طريق المقاومة الفعلية وتعلمنا ان نتفادى أمثالها في المستقبل.
#مجزرة_الدامور
#المقاومة_اللبنانية
#بشير_الجميل
#اكاديمية_بشير_الجميل