الكولونيل شربل بركات/الرئيس بري وحزب الله… ماذا يريد حزب الله من الرئيس بري ولماذا يستهدفه في كل مرة؟

396

الرئيس بري وحزب الله: ماذا يريد حزب الله من الرئيس بري ولماذا يستهدفه في كل مرة؟

الكولونيل شربل بركات/15 كانون الثاني/2023

يعتبر البعض بأن الرئيس نبيه بري الذي يقود حركة أمل منذ تحالفه مع السوريين زمن الوصاية هو من يمثل الزعامة السياسية اليوم للطائفة الشيعية. وقد كانت تركت له إدارة حصة الشيعة في التركيبة الوطنية، وبالتالي رئاسة المجلس النيابي، وهو المنصب الأعلى للطائفة في السلطة، وذلك منذ تخلي المغفور له الرئيس الحسيني ابن البقاع عن هذا المنصب بعد خلافه مع السوريين، على ما يبدو، حول تنفيذ اتفاق الطائف. وقد حسم الرئيس بري سيطرة الحركة على الطائفة، واستبدل الزعامة الشيعية التقليدية، والتي كانت تعتبر الدولة اللبنانية مصدر سلطتها ومنبع الخدمات التي تقدمها لمناصريها. ولكن في نفس الوقت الذي كان الرئيس بري يحاول خلاله إحكام القبضة على الطائفة، كانت مجموعة جديدة، تنتشر بالتوازي مع تعاظم سلطة حركة أمل داخل المجتمع الشيعي، من خارج مؤسسات الدولة ومفاهيم الطائفة، إن من حيث المظهر أو من حيث التطلعات والأهداف الوطنية، وترتكز على دعم الحرس الثوري الإيراني لها، ليس فقط بالسلاح والمال وتفاهمه مع السوريين، ولكن أيضا بتلقي الأوامر وتعلم المبادئ كما التدريبات.

بعد عدة اشتباكات حصلت بين المجموعتين الشيعيتين وتعاظم الخسائر في الطرفين، ومنها القتلى والجرحى، فرض على الرئيس بري من قبل الوصاية ترك الساحة العسكرية للحزب والاكتفاء بإدارة السياسة حيث أطلقت يده في مجالات التوظيف والاستفادة من الأموال العامة، خاصة من خلال مجلس الجنوب والمشاريع الأخرى المرتبطة بإدارة الدولة. بينما تركت الساحة العسكرية للحزب حيث حل تقريبا الجناح العسكري لحركة أمل بينما استفرد الحزب بشعار “المقاومة” وما يتبعه من تعاظم لدور السلاح.

كان الحزب يتلقى كامل مصروفاته من إيران ويركز على حشد الطاقات بحسب الخطة الإيرانية الموضوعة للسيطرة على ثروات المنطقة العربية، خاصة دول النفط، تحت شعار محاربة إسرائيل، ومن هنا بداية التدخل بشؤون هذه الدول. فالخطة الإيرانية للسيطرة على الشاطئ الغربي للخليج حيث يسكن بعض الشيعة العرب هي بتجنيد هؤلاء وحشدهم وتدريبهم لكي يساهموا بالقلاقل التي ستسمح للإيرانيين بالتدخل والسيطرة. وكان وجود عناصر شيعية مدربة ومؤدلجة تتكلم العربية وتحمل جنسية دولة عربية ومقبولة من الكل، مهمة جدا للتحرك وتطويع ما أمكن من الكوادر وتدريبها لتكون أساس أي تحرك في هذه البلاد. ومن هنا تدخل الحزب في البحرين ومن ثم في شرق السعودية (القطيف) وبعدها في اليمن التي لا تزال جرحا ينزف.

بعد القضاء على صدام حسين في العراق من قبل الأميركيين المفترض أن يكونوا حلفاء العرب، خاصة وأن الاتحاد السوفياتي كان على وشك السقوط، أذيل حجر العثرة هذا من أمام توسع السيطرة الإيرانية غربا وتهديد دول الجوار. وبالتحديد يوم نفذ الجيش الأميركي انسحابه السريع من العراق (زمن ألرئيس اوباما)، أصبح الطريق مفتوحا أمام هؤلاء للمضي قدما في تدخلهم بشؤون العراق الذي يعتبر مستودع الشيعة الكبير والدولة النفطية القادرة على تطوير إنتاجها الزراعي والصناعي ليكون لها تأثير أساسي على استقرار المنطقة.
اذا على الصعيد الاستراتيجي كان الحزب في لبنان مشغولا بتحضير الكوادر والمدربين للتدخل في دول المنطقة، ولذا لم يكن له متسعا من الوقت لشؤون لبنان الداخلية التي تركت لإدارة الرئيس بري حيث تنعم الطائفة بالرفاه الذي يعيشه لبنان بدون تحمل أية أعباء من تدخل الحزب بشؤون الدول الأخرى، ما يمنع اختراق الحزب من الداخل بواسطة العناصر الشيعية. وقد ظهر تأثير جهوزية الحزب العسكرية على الصعيد الإقليمي بتدخله في سوريا وقيادته لعمليات السيطرة على بعض المفاتيح المهمة على الأرض، ما أعطي إيران المجال لتغيير الديمغرافيا وتفتيت سوريا وتبسيط عملية السيطرة على الممر البري بين البحر المتوسط ودولة “الولي الفقيه”.
الزعامة السنية في لبنان، خاصة زمن الرئيس الشهيد رفيق الحريري ومن بعده الرئيس السنيورة، تتحمل مسؤولية كبيرة لتعاظم الحزب المسلح وسيطرة إيران على دول الجوار. فبينما كان الرئيس الحريري يحلم بأن تفاهما لا بد أن يتم بين الفلسطينيين وإسرائيل سيربح منه لبنان مزيدا من الاستقرار الاقتصادي وبالتالي تبطل الحاجة لما يسمى “المقاومة” ويزال حاجز السلاح المتفلت من أمامه، وقد دفع حياته ثمن نظريته هذه، جاء الرئيس السنيورة الذي يدّعي بأنه “قومي عربي” ومعه الزعيم الدرزي جنبلاط ليدافعوا عن الحزب ويتبرعوا بحل مشكلة سلاحه داخليا. فلو كان سلاح هذا الحزب قد وجد للدفاع عن لبنان أو حتى عن الشيعة اللبنانيين لكان من المعقول تصوّر حلول داخلية له، إنما هذا السلاح هو سلاح إيراني يسيطر على منفذ المنطقة على البحر المتوسط لصالح الحرس الثوري، وهو لن يترك وسيلة إلا وسيستعملها لإبقاء سيطرته على البلد كونه القاعدة الإيرانية على المتوسط وستبقى مفروضة بالقوة على أبنائه طالما إيران قادرة ولا رأي للبنانيين بمصيره.
من هنا تشدد الحزب بموضوع الشيعة، فقد منعت حركة 14 آذار من محاولة التقارب مع زعامات شيعية وابرازها، حيث دفع الحزب بالرئيس بري لمطالبة صديقه جنبلاط عدم خرق الإجماع الشيعي وبالتالي استفراده بالقرار، ولكن الحزب لم يتركه يسرح وحيدا وها هو يخترع له موضوع تظاهرات “شيعة.. شيعة” لكي يحرجه أكثر ويزيد ابتعاد الشيعة المعتدلين عن التأثير على الأرض. ومن جهة أخرى أطلق الكثير من الإشاعات عن ثروته، وثروة كل المحيطين به لتشكل نقمة عليه فلا يقدر أن يتخلى عن مساندته للحزب. وقد فعل التيار الوطني الحر الكثير لتشويه صورة الرئيس بري وخلق هوة كبيرة بينه وبين بقية اللبنانيين، وذلك بدفع من الحزب كي لا يكون قادر على القبول بحلول تتجاوز الأوامر الإيرانية. ومن ثم منع وزرائه من المثول أمام القاضي في موضوع انفجار المرفأ وأطلق المظاهرة المسلحة التي حاولت الدخول إلى عين الرمانة.
في محاولات الحزب الضغط على “الأستاذ” أيضا تشويه سمعته مع الأمم المتحدة كما أشرنا في مقالات سابقة فهو كلما شعر بتقارب ما أو بمحاولة لضبط سلاحه يثير موضوع “الأهالي” ويخترع مشكل في مناطق محسوبة على جماعة بري. وحتى يوم قرر القاضي عقيقي توقيف المطران الحاج فإن الأوامر صدرت له من قبل الحزب بدون شك لأنه مقرب من الرئيس بري، ولا نريد أن نعيد الكلام على قتل لقمان سليم والجندي الإيرلندي في منطقة قريبة من قصر الرئيس بري في “المصيلح” للمس بسمعته أمام الأمم المتحدة والعالم الحر. واليوم فقد صدرت الأوامر للقاضي حمادة لتوقيف وليم نون بدون وجه حق لكي يلام الرئيس بري وجماعته، ويخرج الحزب بمجتمع مشتت ومتعادي يصبح فيه هو الحل لحماية الشيعة من الآخرين، بدل أن يكون هو تلك النقمة التي تجبرهم على تحمل كل الويلات الناتجة عن التعليمات الإيرانية.
لسنا هنا بمحاولة الدفاع عن الرئيس بري أو حركة أمل ولا عن الوزراء أو الموظفين الفاسدين وغيرهم ممن استباحوا المؤسسات وتعدوا على المال العام، ولكننا نضيء بما تيسر لنا من معلومات وتحاليل على جوانب مهمة من الأزمة اللبنانية. فتصحيح بعض الأخطاء وإعادة تأهيل الذين اعتادوا على مد اليد ليست بالشيء السهل، إنما تبقى أسهل من التصدي لمشاريع ومخططات نظام سرق شعبه، ومن ثم استباح العراق وثرواته ووزعها على مليشياته، وهو يستعد لاحتلال بلاد العرب وإفراغها من ثرواتها وأهاليها كما فعل في سوريا. فهل يستيقظ اللبنانيون من ثباتهم وهل يتعقّل من يدعي قيادة المجموعات السياسية ويفهم بأن الحقد على الجار والذي يؤدي إلى الانتحار الجماعي هو توجيه من قبل المحتل وليس منافسة محلية أو مصالح لا بد منها؟..