د. ميشال الشماعي: في لبنان تحرير الدّولة يبدأ من بكركي

86

لبنان: تحرير الدّولة يبدأ من بكركي
د. ميشال الشماعي/موقع جسور/11 كمانون الثاني/2023

يبدو أنّ الزيارة التي قام بها وفد من منظمة حزب الله إلى بكركي الأسبوع الفائت لم تمرّ في الشارع المسيحي مرور الكرام. فبعضهم لم يتقبّل كيف للبطريرك الراعي أن يستقبل من قال عنه “بطريرك العملاء” على خلفيّة الحادثة التي تمّ افتعالها مع راعي أبرشية حيفا النائب العام البطريركي على القدس والأراضي المقدّسة وعمان وأراضي المملكة الاردنية الهاشمية، المطران موسى الحاج، عند بوابة الناقورة في 18 تموز/يوليو 2022، أو حتّى كيف يمكن لغبطته بعد أن طالب اللبنانيّين بألّا يسكتوا عمَّن يملك السلاح غير الشرعي في 27 شباط/فبراير 2021، أن يفتح أبواب الصرح أمام حملة هذا السلاح.
فهل لهذه الزيارة تداعيات سياسيّة، أم أنّها تندرج في السياق البروتوكولي تحت مظلّة الحوار المزعوم الذي تتبنّاه منظمة حزب الله وتسوّق له في هذه الآونة بدلاً من لغة المسيّرات والصواريخ ورمي العدوّ الإسرائيلي في البحر؟

في حديث لأمين عام الجبهة المسيحيّة ورئيس حزب الاتّحاد السرياني إبراهيم مراد مع موقع جسور عربيّة أفاد بأنّ غبطة البطريرك الرّاعي قد اطّلع منه شخصيًّا على وثيقة الجبهة المسيحيّة التي أيّدها من دون أيّ اعتراض على ما ورد فيها، ولا حتّى على خطّة العمل، وذلك في زيارة وفد من الجبهة لغبطته الأسبوع الماضي قبل مغادرة غبطته للقيام في جولة دوليّة. وأردف مراد إلى أنّ غبطته يدعم اتّفاق الأحزاب المسيحيّة بعضها مع بعض على مشروع استراتيجيّ واحد يخدم لبنان الكيان والدّولة والجمهوريّة. ونقل مراد عن غبطته دعمه لأيّ اتّفاق مسيحيّ –مسيحيّ في خدمة لبنان.

وقال مراد: “شهدنا صلابة لا مثيل لها في مواقف غبطته الذي أكّد أنّنا كمسيحيّين نحن بناة الكيان اللبناني ومؤسّسيه، فضلاً عن أنّ الثقافة والحضارة المسيحيّة لها الفضل الكبير في النّهضة العربيّة.” ويشير مراد إلى أنّه ” استذكر مع غبطته دور الرهبان السريان بوجه خاص والمسيحيين بوجه عام في هذه النّهضة، لا سيّما من حيث الحفاظ على التراث العربي الثقافي والأدبي الذي نحترمه ونقدّره كثيراً مع إصرارنا الدائم وعملنا الدؤوب في الحفاظ على تراثنا وهوّيتنا الحضاريّة التعدّديّة.” ويلفت مراد لجسور إلى أنّه أثار مع غبطته دور الأهالي في كلّ من لاسا ورميش حيث يرى أنّ “وقوفهم بوجه الاعتداءات التي ترتكبها منظّمة حزب الله على أراضيهم قد ثبّت حضورهم القائم على التفاعل الحرّ مع محيطهم. هذا الحضور الذي يتجاوز بحدوده مجرّد فعل الوجود فقط.”
أمّا في الموضوع الرئاسي فيلفت مراد إلى أنّ غبطته يؤكّد أنّ “التعطيل الذي تمارسه منظمة حزب الله هو انطلاقًا من أجندتها غير اللبنانيّة، أمّا الفرقاء الباقين المعطِّلين فتعطيلهم ينمّ عن مطامع شخصيّة وفئويّة إن استمرّت ستكون تداعياتها كارثيّة على لبنان كلّه.”

ويكمل مراد حديثه لجسور أنّهم كجبهة مسيحيّة وحزب اتّحاد سرياني يرون “أنّ محاولة لبننة حزب الله ستفشل حتمًا لأنّه ينفّذ الأجندة الإيرانيّة انطلاقًا من الفكر الذي يحمله والمرتبط بنشر عقيدة ولاية الفقيه في الدّول التي يتواجد فيها. وما نشره لثقافة الإفقار والفساد إلا بهدف تمكينه من السيطرة المطلقة على الأرض.” ويصرّح مراد جهارةً أنّ “المواجهة لا يمكن أن تكون إلا عسكريّة على أن يتمّ محاصرة منظمة حزب الله من قبل الشعب اللبناني كلّه في مناطق تواجدها.” ولا يرى مراد أنّ “هذه حربًا أهليّة لأنّها بين اللبنانيّين كلّهم وحزب إيراني.”

ويكمل مراد حديثه مؤكّدًا أنّه إضافة إلى مطالبة المجتمع الدّولي بدعم بكركي في طرحها للمؤتمر الدّولي “تبرز ضرورة مطالبة صنّاع هذا القرار الدّولي بتنفيذ القرارات الدّوليّة تحت البند السابع” ، وإلا بحسب رأيه “ستكمل منظمة حزب الله بسياسة تفكيك الدّولة والسيطرة على أراضي المسيحيّين لتهجير النخب منهم، والسيطرة على من تبقى بالترهيب أو بالترغيب.”

ويلفت مراد إلى أنّهم كحزب اتّحاد سرياني “في طليعة المقاومين، ونحثّ النّاس في مختلف المناطق اللبنانيّة على تشكيل ألوية أمنية للحراسة إلى جانب الدّولة بتضافر الجهود كلّها بين مختلف أطياف الشعب اللبناني، لأنّ منّظمة حزب الله تحمل مشروعًا اكبر من الدولة بكثير.”

ويلفت مراد في موضوع رئاسة جمهوريّة إلى أنّهم لا يريدونها “منّة من حزب الله أو غيره. فبالانتخاب وحده نريد رئيسًا سياديًّا إنقاذيًّا إصلاحيًّا. “ويختم حديثه مراد لجسور قائلاً: “إذا لم يكن ذلك، فلتتفكّك الدّولة ومؤسّساتها عندها، ولنذهب لعقد اجتماعي جديد على أسس فدراليّة أو حتّى تقسيميّة، ولا نبقى بهذه الحالة لأنّ المستفيد بهذه الحالة هو حزب الله فقط، والخاسر هو الشعب اللبناني بطوائفه كلّها خارج منظومة هذه المنظّمة الإرهابيّة ومشروعها.”

وفي وجهة نظر هادئة أكثر يرى العلّامة السيّد علي الأمين في حديث لجسور أنّ “بكركي مرجعيّة وطنية، ومواقفها واضحة وصريحة من قضايا الوطن وسيادة الدولة وحدها على أرضه وشعبه”. ولا يبدي أيّ تخوّف من تزعزع موقف بكركي في القضايا السياديّة الوطنيّة الكيانيّة. وفي موضوع رئاسة الجمهوريّة يعتقد السيّد الأمين” بضرورة العودة إلى الدستور لإنهاء الشغور الرئاسي” وبرأيه ” لا يمكن للقوى السياسية أن تتجاوز هذه المرجعية التي تعبّر عن آراء معظم اللبنانيين في مواقفها الوطنية”، وفي هذا الإطار يضع السيّد الأمين زيارة وفد حزب الله وغيره من القوى السياسية إلى بكركي. فهذه الزيارة وغيرها بالنسبة إلى السيّد الأمين لا تعدو كونها زيارات بروتوكوليّة لا أكثر.

‌ختامًا، لا يمكن في لبنان أن نفقد الأمل لأنّ انطفاء هذه الشعلة يعني زوال الوطن. وأيّ تداعيات لأيّ تواصل تبقى وطأتها اخفّ بكثير من تداعيات القطيعة بين اللبنانيين. ولعلّ مقاربة بكركي تأتي في هذا السياق. ولكن الحكم لن يكون على النيّات بل على ترجمة هذه النيّات أفعالاً على أرض الواقع. فهل تجرؤ هذه المنظمة المسلّحة المتحكّمة بالبلاد وببعض العباد على تحرير مؤسّسة رئاسة الجمهوريّة أولاً، لتكون مدخلاً إلى تحرير الوطن انطلاقاً من بوّابة بكركي؟