حسام عيتاني/تصورات خاطئة عن أهل السنّة

267

تصورات خاطئة عن أهل السنّة
حسام عيتاني/الحياة/02.01.15

تسود مفاهيم يقال إنها بمثابة نقاط إجماع عند أهل السنة وهي ليست كذلك. منها:

– الخلافة: لم تكن في يوم موضع اجماع وتعود الاقتراحات الى تقسيمها وإلغائها الى العصر العباسي. ولم تثر ثائرة الفقهاء، مثلاً، عندما تزامنت ثلاث خلافات: في القاهرة الفاطمية وبغداد العباسية وقرطبة الأموية. كانت علاقات الخلافات الثلاث ببعضهابعضاً علاقات صراع لكنها لم تصل يوماً الى درجة التكفير والإخراج من الملّة. ومن دعاة عدم ايلاء الخلافة الاهتمام المبالغ فيه وصولاً الى الموافقة الضمنية على اهمالها كشأن سياسي وديني، الغزالي والجويني وابن تيمية. ولم يظهر التمسك المفرط بفكرة الخلافة إلا بعد إلغائها عام 1924 ومحاولة ربط الفوات التاريخي العربي- الإسلامي باختفاء الخلافة. وشكّل ذلك رافعة الإسلام السياسي الحديث من حزب التحرير الى “داعش”.

– أهل السنة هم الأمة: مفهوم الأمة الذي تحدث عنه الفقهاء في العصر الكلاسيكي لا يقابله المفهوم الحديث المستند الى المصطلحات الغربية. وإذا كانت الأمة هي أهل السنة وفق ما يُفهم من الأدبيات القديمة، فقد انطوى ذلك على حصر الانتماء الى الدولة والمجتمع بالمسلمين عموماً او “أهل القبلة”. المسيحيون واليهود وغيرهم لم يُعتبروا من ابناء الأمة اصلاً وهذا ما لم يعد مقبولاً في عالم اليوم المؤلف من مجتمعات سمتها الأولى التعدّد بكل أوجهه. يضاف إلى ذلك أن ثمة فارقاً بين “الأمة” وبين “الجماعة” في المصطلح الإسلامي. وعندما يقال “أهل السنة والجماعة” يتعين الانتباه الى أن “الجماعة” هي عقل أهل السنة وهي التي “بإجماعها” تحمي الأمة من الضلال. أضف الى ذلك أن اختزال الأمة بأهل السنة، بعد إقصاء بقية المكونات الدينية، يطرح السؤال عن كيفية اختيار “الأمة” لقيادتها وعن آلية ارتقاء الجماعة المحصّنة ضد الانحراف ما دام الإسلام لم ينشئ مؤسسات سياسية وما دامت تجربة الشورى لم تعمر سوى فترة جداً وجيزة في عهد الخلافة الراشدة. وهذا طريق أكيد الى الاستبداد.

– الرأي الإسلامي مستقر في الشأن السياسي على حاله منذ القدم: ربما تكون حالات الصعود والهبوط في الفكر السياسي الإسلامي وخصوصاً السنّي منه في الشؤون كافة المتعلقة بالمؤمنين نموذجاً مدرسياً على حالات المد والجزر والتردّد والبحث عن حلول لمعضلات عبر تجسير هوّات غير قابلة للتجسير والانتقال من التشاؤم التاريخي الى التفاؤل والعكس. الفكر الإسلامي بمعناه السياسي اضطرب كثيراً في مسألة العلاقة بين إدارة الشأن اليومي- السياسي وبين الحفاظ على المضمون الإسلامي للحياة العامة.

– الفكر الأشعري هو الغالب على التسنن: الى جانب رفض المذهب الحنبلي لكل الطروحات الرئيسة عند الأشاعرة، اتخذ عدد من المدارس موقف النأي بالنفس من الطروحات الأشعرية وبحث عن ملجأ في الماتريدية وغيرها. الأشاعرة ليسوا ممثلي التسنّن الحصريين. والجمود في الفقه السني عموماً لا يتحمل هؤلاء مسؤوليته وحدهم، على ما استسهل القول عدد من الكتاب المعاصرين كمحمد عابد الجابري الذي أسند الى الأشاعرة دوراً اكبر من قدرتهم في اغلاق الباب امام التطور العقلاني للحضارة العربية الإسلامية. بل الأقرب الى الصواب البحث عن اسباب الجمود في المعطى الاجتماعي والسياسي وليس العكس.

– هامشية “داعش” في السياق التاريخي الإسلامي: حتى الآن لم تظهر ردود مفصلة تقول بانحراف “داعش” عن خط الإسلام القويم والعام. ونقصد بها ردود تفنّد الأحاديث المسندة والآيات القرآنية التي يرفق “داعش” بياناته بها وهي تحتاج الى نقد فقهي مؤصل وليس فقط الى موقف سياسي. الصمت العام، دليل انتماء “داعش” الى ما هو أقرب من اطراف الإسلام وهوامشه.