أحمد عدنان/موقع لبنان الكبير/الأيادي المدنسة: يوميات “فتح الإسلام” من التآمر إلى النحر

133

الأيادي المدنسة: يوميات “فتح الإسلام” من التآمر إلى النحر
أحمد عدنان/موقع لبنان الكبير/23 كانون الأول/2022

هذه يوميات سجلتها في حينها، قبل 15 سنة، مستعيناً بما نشرته الصحافة عن الحرب التي دارت بين الدولة اللبنانية وبين تنظيم “فتح الإسلام” الإرهابي، وجدت من المناسب أن أنشرها الآن، لتذكير اللبنانيين بمجرياتها وبعض خفاياها مع التركيز على مقدماتها، لعل الذكرى تنفع المؤمنين.

في الأسبوع الأخير من تشرين الثاني/نوفمبر 2006 عقدت القوى الفلسطينية في مخيم عين الحلوة اجتماعاً يبحث في “دخول مجموعات فلسطينية ومن جنسيات عربية إلى مخيمات لبنان عبر الأراضي السورية تحت أسماء (القاعدة) و(الجيش الإسلامي) و(فتح الإسلام) إلى مخيمات برج البراجنة وصبرا وشاتيلا في بيروت، بعدما كانت مجموعات مماثلة وصلت إلى مخيمي البداوي والبارد في الشمال”.

وكان خلال حرب تموز 2006، وفد إلى مخيم نهر البارد في الشمال نحو 70 عنصراً تحت عباءة تنظيم “فتح الانتفاضة” – حليف دمشق المنشق عن حركة “فتح” – ذوي ميول سلفية تكفيرية. أثار الوافدون الجدد حفيظة السكان وحفيظة حاجز الجيش اللبناني، فدهمت القوة الأمنية المشتركة في المخيم – في تشرين الثاني/نوفمبر 2006 – أحد المنازل للتحقيق مع أفراد المجموعة فحدثت اشتباكات أسفرت عن مقتل أحد عناصر “فتح الانتفاضة” هو ماهر عبد الهادي، حينئذ رفع “فتح الانتفاضة” الغطاء عن هذه المجموعة وسلم إلى الجيش اللبناني أبو محمد حسام صيام (سوري الجنسية) ومحمد سالم (سعودي الجنسية)، بعدها سيطرت هذه المجموعة على مراكز “فتح الانتفاضة” في نهر البارد وتسمت بـ “فتح الإسلام”، وانكفأت عناصر “الانتفاضة” في مخيم البداوي.

في 26 تشرين الثاني/نوفمبر 2006 بدأ تنظيم “فتح الإسلام” يسيطر على مخيم نهر البارد بقيادة شاكر العبسي (أحد طياري فتح الانتفاضة)، وبدأ ينتشر في أزقة المخيم مسلحون ملثمون يزعجون السكان.

حققت السلطات اللبنانية مع حسام صيام ومحمد سالم، وصرّح مصدر أمني لصحيفة “الحياة” في 30 تشرين الثاني/نوفمبر 2006: “اعترفا بأنهما قدِما إلى لبنان خلال حرب تموز بجوازات سفر سورية!”.

في 29 تشرين الثاني/نوفمبر 2006 كان أمين سر منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان خالد عارف قد صرّح لوكالة “فرانس برس”: “عدد عناصر (فتح الإسلام) – الآن – هو نحو 200 عنصر بينهم فلسطينيون ولبنانيون ومن جنسيات عربية أخرى، وقد انشقوا عن (فتح الانتفاضة) الموالية لدمشق، وقد قال أحد عناصر (فتح الإسلام) في المخيم إنها كانت تنسق مع المخابرات السورية لإرسال مقاتلين إلى العراق”. وعبر الوكالة وجّه نائب رئيس مجلس النواب اللبناني فريد مكاري دعوة إلى جامعة الدول العربية ومجلس الأمن إلى التحقيق في ملف التنطيم الوليد “فتح الإسلام”: “هؤلاء مجموعة قتلة دفع بها النظام السوري إلى لبنان وكلفها بتصفية 36 شخصية لبنانية بحسب اعترافات بعض العناصر التي اعتقلت منها”.

في 6 كانون الثاني/يناير 2007 نشرت صحيفة “الحياة” اللقاء الأول مع شاكر العبسي زعيم تنظيم “فتح الإسلام”، وقال الصحافي صلاح الأيوبي في مقدمته: “أعلن تنظيم (فتح الإسلام) عن نفسه في الشهر الأخير من السنة الفائتة في مخيم نهر البارد للاجئين الفلسطينيين في شمال لبنان، بصفته انشقاقاً إسلامياً عن حركة (فتح الانتفاضة). وترافق هذا الإعلان مع معلومات تسربت عن وصول ناشطين من تنظيم (القاعدة) من سوريا الى لبنان”. وكانت المعلومات التي تسربت مصدرها صحيفة “لوموند” الفرنسية في كانون الأول/ديسمبر 2006. في اللقاء نفى العبسي أي صلة له بسوريا، لكنه قال: “دخلنا لبنان منذ نحو عام بعد أن اتخذ قرار بسحب السلاح الفلسطيني، أي القرار 1559!”.

كتبت بيسان الشيخ في صحيفة “الحياة” في 13 شباط/ فبراير 2007: “والدخول من باب العلاقات الاجتماعية وإظهار التضامن الإنساني في بيئة تفتقر إلى أدنى مقومات العيش، هو ما يسلكه تنظيم (فتح الإسلام) الذي يعد اليوم نحو 300 فرد بين عناصر منظمة وأفراد عائلات”، في إشارة إلى ازدياد عناصر التنظيم. ولفتت الشيخ في تقريرها إلى توتر العلاقة بين “فتح الإسلام)” و”حماس”.

في 13 آذار/مارس 2007 أعلن جهاز فرع المعلومات – في وزارة الداخلية اللبنانية – عن توقيف 4 سوريين من أصل ستة – خلال أسبوع مضى – شكلوا مجموعة نفذت تفجيرات “عين علق” في 14 شباط/ فبراير 2007. وكان زعيم المجموعة قد أفاد في التحقيقات بأن شاكر العبسي “على اتصال مباشر بالمخابرات السورية”. واتضح – لاحقاً – أن عدد الموقوفين بين 14 شباط/فبراير – 14 آذار/مارس من “فتح الإسلام” هو 13 موقوفاً منهم 5 سوريين و4 سعوديين. والسوري الخامس تم التوصل إليه بعد القبض على عصابة سلب في صيدا قامت بسرقة “بنك جمّال” لحساب “فتح الإسلام”.

أحد الموقوفين السعوديين هو عبد الله البيشي، مطلوب أمنياً في السعودية، كان مقيماً في إيران، وطلب منه الحرس الثوري الإيراني الانتقال إلى لبنان للإفتاء لمجموعة “فتح الإسلام”، وبعد وصوله إلى لبنان اختلف البيشي مع العبسي حول بعض الاجراءات منها سلب المصارف وفرض الأتاوات على سكان مخيم نهر البارد. إثر هذه الخلافات طلب العبسي من العنصر غسان السنكري مرافقة البيشي إلى سوريا، وفي نقطة “العريضة” الحدودية أوقفهما الأمن العام اللبناني اشتباهاً قبل سويعات من تفجيرات “عين علق”. (واللافت أنه لم يتساءل أحد إلى يومنا هذا ماذا يفعل إرهابي سعودي مطلوب في إيران، وبأي سلطان تطلب منه إيران التوجه إلى لبنان؟).

السعوديون الثلاثة الآخرون أوقفوا في مطار بيروت بسبب دخولهم لبنان بصورة غير شرعية، وهم غير مطلوبين أمنياً لا في السعودية ولا لبنان، أوقف اثنان منهم في 1 شباط/فبراير 2007، والثالث في 7 شباط/فبراير، وأكد مصدر أمني لبناني أن السعوديين الأربعة لم يتورطوا في جرائم “فتح الإسلام”، خصوصاً وأن أحدهم كان مخطوفاً من هذا التنظيم لسرقة حوالي ثمانية آلاف دولار، وكان البيشي قد لعب دوراً في إطلاق سراحهم. طالب عبدالعزيز خوجة سفير المملكة في لبنان – آنذاك – باسترداد الموقوفين الأربعة بعد أن ثبت للأجهزة الأمنية اللبنانية عدم ضلوعهم في جرائم “فتح الإسلام” ولم ترد السلطات اللبنانية على طلبه!.

التحقيقات مع السوريين الموقوفين أفادت الأمن اللبناني بمعلومات مهمة: القائد الفعلي لـ “فتح الإسلام” ليس شاكر العبسي، إنما عنصر سوري – لا يزال فارّاً – يكنّى “أبو مدين” وعنصر سوري – آخر – اسمه محمود الأكاسي. لا صلة بين “فتح الإسلام” وتنظيم “القاعدة” وأهدافه تمس الواقع اللبناني – دون غيره – وتحديداً استهداف قوى الرابع عشر من آذار. هناك علاقة عضوية بين “فتح الإسلام” و”فتح الانتفاضة” والانفصال بينهما تمويهي لا أكثر، العناصر العربية – من غير السوريين والفلسطينيين واللبنانيين – تم استدراجهم لأغراض تمويهية.

في 19 آذار/مارس 2007 صرّح عباس زكي ممثل السلطة الفلسطينية في لبنان للصحافة: “(فتح الإسلام) ظاهرة غريبة ومريضة لا علاقة لها بالقضية الفلسطينية”، وفي اليوم نفسه حصلت توترات في مخيم نهر البارد إثر مطالبة السكان بمغادرة عناصر “فتح الإسلام”.

في 21 آذار/مارس 2007 ادعى النائب العام التمييزي القاضي سعيد ميرزا على الموقوفين السوريين – المنتمين الى “فتح الإسلام” – المتهمين في جريمة “عين علق”. (وفي 4 نيسان/أبريل 2007 ادعى مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية في لبنان القاضي جان فهد على ثلاثة موقوفين سوريين جدد – ينتمون أيضاً إلى “فتح الإسلام” – في جريمة تفجير عين علق).

في 23 آذار/مارس 2007 صرّح اللواء أشرف ريفي (المدير العام لقوى الأمن الداخلي) – على هامش زيارة للكويت – نافياً أي صلة بين “فتح الإسلام” وتنظيم “القاعدة”. وفي اليوم نفسه نشر الصحافي حازم الأمين في صحيفة “الحياة” تقريراً عن “فتح الإسلام” بعد زيارة معسكراتها في نهر البارد، لافتاً إلى ملاحظة مهمة: “أغلبهم يرطن الفصحى بلهجة سورية”.

في 13 نيسان/أبريل 2007 صرّح عباس زكي لوكالة “فرانس برس”: “المنظمة ستتخذ إجراءات لعزل (فتح الإسلام) في نهر البارد”، مضيفاً: “هذه الظاهرة جاءت في وقت تبنينا سياسة جديدة في لبنان، وأعادت الى الأذهان أن المخيمات لا تزال ثغرة في جدار الأمن أو مصدر تهديد، ونحن لا نريد أن تكون ملجأ للهاربين من العدالة وبؤراً أمنية. (فتح الاسلام) استطاعت أن تتسلل من خلال قسم من (فتح الانتفاضة) – وهو تنظيم فلسطيني موال لسوريا ومقره في دمشق – واستوطنت مخيم نهر البارد. اننا نتعامل مع (فتح الاسلام) كحالة غريبة غير مقبولة ومدانة”.

في 23 نيسان/ أبريل 2007 استشهد جندي هو ربيع مصطفى إثر إشكال وقع على حاجز الأمن اللبناني عند مدخل مخيم نهر البارد وأصابع الاتهام تتجه نحو “فتح الإسلام”.

بدأت المعركة بين الجيش اللبناني و”فتح الإسلام” في أيار/مايو 2007 في ظل أجواء واضحة جداً: حادثة اغتيال “الزيادين” زياد غندور وزياد قبلان في محاولة لإشعال فتنة سنية – شيعية (وما زال قتلة الزيادين تحت حماية ميليشيا “حزب الله”)، ومحاولة حكومة الرئيس فؤاد السنيورة حسم ملف المحكمة الدولية باستصدار قرار من مجلس الأمن، وقرب استحقاق المنصب الرئاسي حيث ستنتهي ولاية رئيس الجمهورية إميل لحود.

في الأسبوع الأول من أيار/مايو شهد مخيم “عين الحلوة” في جنوب لبنان – أيضاً – توتراً شديداً بعد اغتيال عنصرين من حركة “فتح” برصاص تنظيم “جند الشام” وفشلت اتصالات الأمن اللبناني ومنظمة التحرير الفلسطينية في تسليم القتلة. وأوضحت قيادات “فتح” أن المجموعات التي تطلق على نفسها “جند الشام” و”عصبة النور” و”فتح الاسلام” ما هي إلا أسماء وهمية لجهة واحدة لها ارتباطات مع دولة حدودية (سوريا) تريد توتير الأجواء في المخيمات.

في 19 أيار/مايو 2007 نفذ خمسة مسلحين عملية سطو مسلح على فرع بنك “البحر المتوسط” في قرية أميون (شمال لبنان). (وبسبب هذه الحادثة تتهم قوى الثامن من آذار وحلفاء سوريا وإيران قوى الرابع عشر من آذار بتمويل “فتح الإسلام” لكنها تتغاضى عن عمليات سطو نفذها التنظيم على بنوك أخرى، وتتغاضى عن صلات “فتح الإسلام” بسوريا وإيران، وعن قدوم العناصر الأجنبية فيه إلى لبنان بجوازات سورية!).

وفي اليوم نفسه، أصدر الجيش اللبناني بيانات عدة، أهمها: على إثر قيام مجموعة من قوى الأمن الداخلي بدهم مبنى داخل مدينة طرابلس والاشتباك مع مسلحين، أقدمت عناصر تابعة لحركة “فتح الاسلام” على مهاجمة بعض مراكز الجيش في محيط مخيم نهر البارد والضواحي الشمالية لمدينة طرابلس، كما تعرضت لآليات عسكرية خلال انتقالها في منطقة القلمون، ما أدى إلى وقوع إصابات بين قتيل وجريح في صفوف العسكريين. لا تزال وحدات الجيش في حال اشتباك مع المسلحين.

في 20 أيار/مايو 2007 أعلن أمين سر حركة “فتح” في لبنان سلطان أبو العينين دعمه الجيش اللبناني في معركته ضد “فتح الاسلام”. وأكد أبو العينين ارتباط “فتح الاسلام” بأجندة خارجية، رابطاً بين ارتباط اعتداءات هذه العصابات على الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي وبين إقرار المحكمة الدولية في اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري. كما صرّح اللواء أشرف ريفي لإذاعة “لبنان الحر)” بأن ارتباطات “فتح الإسلام” الخارجية معروفة عند أجهزة الأمن اللبنانية. وتصريح ريفي لم يأتِ من فراغ، بحيث كلفت منظمة التحرير الفلسطينية أحد قيادييها (مصطفى خليل) باحتواء ظاهرة “فتح الإسلام” لكنه عاد إلى الجهات الرسمية معلناً عدم نجاحه “بسبب الدعم الذي تتلقاه (فتح الإسلام) عبر الحدود السورية”.

في 21 أيار/مايو 2007 نجحت البعثة الدولية للصليب الأحمر في نهر البارد في التوصل الى هدنة (مدة ساعتين) بين الجيش اللبناني و”فتح الإسلام”، لكنها لم تصمد أكثر من نصف ساعة بعد أن خرقها الأخير بهجوم مسلح على أحد مواقع الجيش اللبناني الذي رد بقصف صاروخي واستهداف مواقع القناصة.

وفي اليوم نفسه صرّح وزير الخارجية السوري وليد المعلم بأن تشكيل المحكمة ذات الطابع الدولي لمحاكمة المتهمين باغتيال رئيس الحكومة اللبناني السابق رفيق الحريري وفق نظامها الحالي يجعلها “إحدى أدوات السياسية الأميركية للنيل من سوريا ومن موقفها”. وفي مساء اليوم نفسه فجعت بيروت بانفجار في حي الأشرفية تسبب بمقتل مواطنة وإصابة 12 جريحاً.

في 22 أيار/مايو 2007 كشف مصدر أمني رفيع لصحيفة “الحياة” أن لا فلسطينيين بين القتلى والموقوفين من تنظيم “فتح الإسلام”، مشيراً إلى ترجيح مقتل السعودي عبدالرحمن اليحيا (الملقب بطلحة) في اشتباكات جرت في شارعي المئتين والزاهرية بين الجيش اللبناني وعناصر “فتح الإسلام” الذين استخدموا القنابل اليدوية والرشاشات والمسدسات والسلاح الأبيض بغية السيطرة على تلك المنطقة كمقدمة لإسقاط مدينة طرابلس. واعتبر المصدر أن معظم الذين قتلوا أو أوقفوا من “فتح الإسلام” تلقوا تدريبات عسكرية في الخارج: سوريا وايران، فيما يقتصر تواجد التنظيم في مخيم نهر البارد على كوادر عسكريين أساسيين يقودون مجموعات من جنسيات سورية وفلسطينية ولبنانية، ومعظم الفلسطينيين المنتمين إليها هم من مواليد سوريا والأردن. كما صرح للصحيفة مؤسس التيار السلفي في لبنان داعي الإسلام الشهال واصفاً تنظيم “فتح الإسلام” بأن “لا علاقة له بالقاعدة ويتقاطع مع أطراف سورية وفلسطينية”.

بعيداً عن الصحافة، كان المخيم – للمرة الثانية – شهد هدنة بين الجيش اللبناني و”فتح الإسلام” الذي خرقها كالعادة، خصوصاً وأن الجيش تمكن من ضبط مراكز للذخيرة تابعة له والقبض على شخصيات تنتمي اليه (منهم أحمد المرعي الذي يعتبر من قيادات التنظيم والذي يتواجد في سوريا بشكل دوري لعلاقاته بالأجهزة الأمنية هناك)، إضافة إلى السيطرة على المدخل الشمالي للمخيم. وهدد “فتح الإسلام” بتوجيه ضربات إلى لبنان خارج مخيم نهر البارد. (وعلى إثر التهديد، شهدت بيروت – من جهتها – انفجاراً جديداً في شارع فردان).

في 23 أيار/مايو 2007 أدان مجلس الأمن هجوم “فتح الإسلام” على الجيش اللبناني، وأكدت مصادر من داخل المجلس أن مشروع المحكمة سيتقدم قريباً. من جهة أخرى طلبت جامعة الدول العربية من الدول الأعضاء دعم الجيش اللبناني بالسلاح والذخائر (وكانت المملكة العربية السعودية أولَ من دعم الجيش اللبناني بالسلاح والذخيرة لمواجهة (فتح الإسلام)، بل كانت الداعم الأكبر منذ اليوم الأول. على عكس المساعدات السورية – المحدودة جداً – التي تم الإعلان عنها متأخراً جداً بشكل يدعو الى الريبة). وصرح وزير الدفاع اللبناني إلياس المر لقناة “العربية” – في حينه – بأن الجيش اللبناني سيتجه الى الحسم العسكري إلا إذا استسلم تنظيم “فتح الإسلام”. وأكد أن الجيش لم يبدأ بالاشتباك معه بل كان يمارس دوره في حفظ السلم والأمن. وفي ذلك اليوم، عادت التفجيرات إلى المناطق اللبنانية، وتحديداً في عاليه، مسببة سقوط 3 جرحى نقلوا إلى المستشفيات، وأضراراً مادية كبيرة.

وفي مخيم نهر البارد وصل عدد النازحين إلى 18 ألفاً، ورد الناطق باسم “فتح الإسلام” أبو سليم طه على تصريح وزير الدفاع اللبناني قائلاً: “سنقاتل حتى آخر قطرة دم”. حين أطلق أبو سليم تصريحه كان بعض مقاتلي تنظيمه يفرون من المخيم، وقتل الجيش اللبناني اثنين منهم حين رفضا الاستسلام، كما أغرق زورقين فيهما 12 عنصراً من “فتح الإسلام”، وقتل أيضاً أبو مدين السوري القائد الفعلي للتنظيم.

حتى يوم 24 أيار/مايو 2007 كان موقف قوى الثامن آذار من أحداث نهر البارد ملتبساً، فوفق تصريحات سياسيين ينتمون الى هذا الفريق في الصحافة اللبنانية يمكن أن نبلور موقف تلك القوى كما يلي:

– هناك من ورّط الجيش اللبناني لمواجهة “فتح الإسلام”.

– هناك من يستغل الحرب على “فتح الإسلام” للتعجيل في ملف المحكمة الدولية في مجلس الأمن.

– قامت القنوات الفضائية التابعة لقوى الثامن من آذار – أو الموالية لها – بتصوير حرب الجيش على “فتح الإسلام” بأنها حرب على المدنيين الفلسطينيين، ولم تؤيد – أبداً – خيار الحسم العسكري ضده ولم تدن الاعتداء على المؤسسة العسكرية.

– صرح نائب الرئيس السوري فاروق الشرع في 23 أيار/مايو 2007 لوكالات الأنباء: “(فتح الإسلام) لا يظهر إلا في بلد ضعيف ومنقسم، والمطلوب الاستجابة لمطالب المعارضة اللبنانية (8 آذار) لإنهاء حالة الانقسام في لبنان والخروج من هذه الأزمة!”.

في 24 أيار/مايو ضاق الجيش اللبناني ذرعاً بسياسة فضائيات الثامن من آذار، فأصدر بياناً يقول فيه: “نحرص على أرواح المدنيين الأبرياء في مخيم نهر البارد.، ونحمّل مسؤولية ما حصل وقد يحصل لاحقاً الى كل من يحاول الاعتداء على المراكز العسكرية ومن يتخذ من المدنيين دروعاً بشرية. إن وحدات إغاثة الجرحى والمرضى قامت بإدخال المواد الحياتية الى القاطنين في المخيم، وعمدت إلى إخلاء جثث القتلى المنتمين إلى جماعة (فتح الإسلام) التي عثر عليها أمام مراكز الجيش خارج المخيم، في حين تستمر هذه الجماعة بالاعتداء على قوافل المساعدات وسيارات الصليب الأحمر ومصادرتها”. وأضاف البيان: “ما ينقله بعض وسائل الاعلام لجهة حجم الخسائر البشرية في صفوف المدنيين هو أمر مبالغ فيه جداً، يدحضه العدد المحدود نسبياً للضحايا والجرحى المدنيين الذين تم إخلاؤهم بواسطة الصليب الأحمر اللبناني والهلال الفلسطيني، والذي بلغ قتيلاً واحداً و19 جريحاً، على الرغم من الكثافة البشرية والسكنية الكبيرة للمخيم، ما يشير الى استهداف القوى العسكرية مراكز المسلحين فقط، الذين في المقابل استهدفوا الجيش بغدرهم وحقدهم مما أوقع أكثر من ثلاثين شهيداً وعشرات الجرحى في صفوفه، معظمهم من أبناء المنطقة التي استضافت الشعب الفلسطيني وناصرت قضيته العادلة”.