د. منى فياض: لبنان.. هل يفتح مقتل الجندي الإيرلندي باب جهم يصعب إغلاقه؟

61
Lebanese army members stand near of what witnesses stated to be the UNIFIL vehicle that was carrying the Irish soldier who was killed on a U.N. peacekeeping Patrol, in Al-Aqbieh, south Lebanon December 15, 2022. REUTERS/Aziz Taher

لبنان.. هل يفتح مقتل الجندي الإيرلندي باب جهم يصعب إغلاقه؟

د. منى فياض/الحرة/21 كانون الأول/2022

تثير الأوضاع المضطربة في إيران أسئلة كثيرة حول مآلاتها وانعكاساتها. ويظل السؤال، هل سيتمكن النظام من قمع الثورة أم من احتوائها؟ هل سيتنازل لبعض مطالبها؟

يبدو أنه، أمام شرعيته المهددة، سيعتمد التصعيد. في الداخل، الإعدام عقاب التظاهر السلمي. في الخارج أيضا، يحاول النظام الإيراني تصدير مشكلته. قصف مناطق الأكراد في العراق، بذريعة وجود معارضة إيرانية فيها، وحرك الحوثيين فرفضوا الهدنة. ناهيك عن تحريك بعض الزوارق في الخليج وتحريك قطاع غزة من وقت لآخر.

تتصاعد في نفس الوقت المواقف الدولية ضده. يهدد الاتحاد الأوروبي بالعقوبات بسبب قمع المتظاهرين وبسبب تدخله في أوكرانيا. مؤخرا تم طرد إيران من لجنة حقوق المرأة في الأمم المتحدة. أما المحادثات بشأن الاتفاق النووي فدخلت ثلاجة يصعب أن تخرج منها. حتى السيد مالي، المعروف بميله نحو إيران، بدأ يشير إلى احتمال رد عسكري على نشاطات إيران غير الشرعية. ما جعل قائد الحرس الثوري يقر بخطورة الوضع في إيران.

في التوقيت
في لبنان يستمر الفراغ الرئاسي. يُسأل حزب الله عن استعصاء انتخاب رئيس بديل للمنتهية ولايته، لأنه غير قادر على فرض الرئيس الذي يريد. لذا يتصاعد الحديث عن وجود تهديدات أمنية للمرحلة المقبلة.  وبعد تمارين متفرقة، آخرها غزوة مصغرة للأشرفية بحجة الاحتفال بالفريق الرياضي المغربي، جاءت المفاجأة من الجنوب. يوم الخميس الفائت في عملية هجوم مباشرة وغير مسبوقة، ضد القوات الدولية لحفظ السلام قتل أحد أفراد دورية لليونيفل الإيرلندي شون رووني. قيل لنا أن الأهالي قاموا بذلك. وقيل ايضاً أن علينا عدم حشر حزب الله بما حصل! مع أننا نعلم أن الأهالي “الحقيقيين” في الجنوب هم كالسمن على العسل مع قوات اليونيفيل. مع ذلك اعتدنا في مناسبات عدة على تحركات “لأهالي” غاضبين في كل مرة لا يريد فيها حزب الله ان يكون في الواجهة. وشهدنا غزوات “للأهالي” صغيرة وكبيرة في الأشرفية وعين الرمانة وغيرهما. ولقد اعتدنا على تحركاتهم ضد عمل دوريات اليونيفيل من حين لآخر وفي مناسبات مختلفة، لوضع حد لنشاطهم “المشبوه”!! تنفيذا للقرار 1701 الذي ناضل لبنان لإقراره!

لكنها المرة الأولى التي يحصل فيها مثل هذا التعدي المباشر على دورية تابعة لليونيفل وإطلاق النار عليها مباشرة. سرعان ما طالب حزب الله، على لسان وفيق صفا، بعدم إقحامه في الحادثة. وسارع إلى تقديم التعازي لقوات اليونيفل. على غير عادته، بحسب الإعلام الممانع، الذي يقرر أيضاً “انه حادث عابر وابن ساعته”.  لكن الشيخ صادق النابلسي، القريب من الحزب، يبرّر العملية بقوله:” إن بعض الدول المشاركة في اليونيفل تعمل وكيل أمن إسرائيل، ويعرفون الطرق والزواريب في لبنان كما يعرفون أبناءهم، لم يكونوا تائهين في هذا المكان ولم يكن غرضهم الخروج إلى شارع “مونو” لاحتساءالكحول. الخروج عن جدول الأعمال وتجاوز الجيش اللبناني مرارا وتكرارا ليس بريئاً”. “الأهالي” والشيخ النابلسي، هم الأدرى بنوايا وجدول أعمال دوريات اليونيفيل.

أما لماذا علينا أن نصدق مزاعم براءة الحزب، بحسب الإعلام الممانع؟ فلأنه ليس بمقدور أي كان :” إثبات أي ضلوع للحزب في الحادث كونه وقع في منطقة “محظور” عليه النشاط الواسع والعسكري فيها”!! لأن الحزب اشتهر، على ما يبدو، باحترامه لكافة أنواع الحدود والمعاهدات!! لكن وزير الداخلية اللبنانية في حديث إلى العربية الحدث، أعلن بوضوح أن هذا الاعتداء جريمة. وأن الذريعة التي تقول إنه حادثة ومن فعل الأهالي غير مقبول. التحقيقات تشير إلى اعتراض سيارة جنود حفظ السلام في موقعين… ويخلص إلى أن التحقيق يجب أن يكون جديا”. ما يشغل صحيفة ممانعة على صفحتها الأولى، متابعة أخبار باسيل الذي “يعوّل على الدوحة للوصول إلى صفقة رئاسية تضمن نفوذه والوطني الحر”.

أما الصحف الأخرى فعكست هموم وأسئلة اللبنانيين تجاه الحادثة: “هل تصعّد إيران في الخارج لِتُلهي الداخل؟” وحول التحقيق “لا معلومات ولا توقيفات”.. بالمقابل أعلن وزير خارجية آيرلندا رفضه نفي «حزب الله» علاقته بالاعتداء على القوة الدولية! السؤال، هل يتحمل لبنان أعباء هكذا أعمال؟ أم أن نتائج هذه الجريمة ستدخله مرحلة جديدة شديدة الخطورة؟ كيف سيوجه الشعب اللبناني هذه الجرائم الموصوفة، التي ستزيد من وتيرة الانهيار والتدهور المعيشي بشكل يهدد بأن يصبح لبنان غير قابل للإصلاح؟ هل لحزب الله مصلحة بحصول ذلك؟ هل يحق للشعب اللبناني أن يستنتج الآن: كان يعلم!

نصرالله بعيون إسرائيلية
في الوقت الذي ينشغل فيه اللبنانيون بالحادثة، تنشغل صحيفة الأخبار بصورة المقاومة عند العدو، فتعنون بأن “تهديدات المقاومة تَشغل العدو”. بما أن الممانعين يهتمون كثيراً برأي العدو بهم، فلقد أحببت لفت نظرهم لما جاء في مقال كتبه يواف ليمور، وهو صحفي إسرائيلي مخضرم ومحلل في الشؤون العسكرية، في مطلع حزيران الماضي، أي قبل ترسيم الحدود البحرية مع العدو إياه، وعنوانه: “نصرالله يمكن ردعه، لكن لم يحن الوقت بعد للقضاء عليه”.

ويخلص إلى القول أن: نصرالله، الذي مضى عليه 30 عامًا كزعيم لحزب الله، لم يعد هو نفسه القائد الذي كانه: لقد ذهبت الكاريزما، وفي مكانها، هناك قدر كبير من البطن والعرق، وحقيبة كبيرة من الهموم والأشياء التي يجب القيام بها، والمشاكل التي لا يمكن حلها بالخطب الحماسية. لقد بدأ ثوريًا وانتهى زعيمًا لبنانيًا إقطاعيًا آخر، منشغلًا طوال الوقت في تعزيز مكانته كراعٍ للشيعة داخل النظام السياسي اللبناني الداخلي.

ماذا عن عيون اللبنانيين؟
لكن السؤال الأهم يبقى: هل يهتم نصرالله وحزبه بصورته “بعيون لبنانية”؟ أما عن ما يعتبر “معارضة”، فها نحن بانتظار مواقفهم ومصير الشعارات السيادية والتغييرية!