شارل الياس شرتوني: الفاشيات الشيعية، استهداف السلم الاهلي، وتدمير الحيثيات الدولتية

61

الفاشيات الشيعية، استهداف السلم الاهلي، وتدمير الحيثيات الدولتية
شارل الياس شرتوني/15 كانون الأول/2022

دخلنا في الدورة العاشرة لانتخاب رئيس للجمهورية ولم نزل في دائرة المراوحة، والفراغات المتنامية على كل الصعد التي باتت تنذر بانهيارات بنيوية غير قابلة للترميم: لا مقاربة جدية لمعالجة الأزمات المالية على الرغم من انقضاء ٣ سنوات على انطلاقتها، لا اكتراث للأزمات الاقتصادية والاجتماعية والتربوية والبيئية والقضائية على خطورتها، متابعة سياسة الهدم المنهجي للمؤسسات الدستورية وتحويلها الى مسميات فارغة وغطاءات لسياسات النفوذ بتصريفاتها الخارجية والداخلية، استهداف السلم الاهلي من خلال الابقاء على أجواء التوتر وتحفيز العداوات، واستحضار روايات النزاعات الأهلية، وخطاب الاسلام الاصولي، كما بلورته احداث الاشرفية الأخيرة، الإمعان في استغراق لبنان في عزلته الدولية، واحتباسه داخل دائرة نفوذ النظام الايراني المتهاوي، وتداعيات النزاعات السورية على توازنات لبنان البنيوية، واستعمال الارض اللبنانية منطلقا لنزاعات مع الدولة الاسرائيلية، لازاحة ضغط الثورة المدنية الايرانية، واستنهاض شرعية معدومة لنظام يقتل الشابات والشبان الايرانيين، حفاظا على شرعية ايديولوجية دينية مندثرة، ومصالح اوليغارشية تكونت على حساب مستقبل الشبيبة الايرانية التي تعيش طلاقا ناجزا مع الثورة الاسلامية،كما ظهرته مشهدية العمامات الطائرة عن رؤوس الملالي الذين “عاثوا في الارض فسادا”، والذين يدينون للقتل والعنف المستشري بأسباب بقائهم.

إن المراهنة على الانتخابات الرئاسية كفرصة لإعادة الاعتبار للحياة المؤسسية في البلاد،يقع في دائرة التمني، وسياسة الهروب الى الأمام، كما لو ان المشهد النيابي والوزاري الحاضر غير كاف، لبلورة واقع الفراغ، وصورية الحياة المؤسسية، وانصياعها لاملاءات سياسات النفوذ الشيعية، والمصالح الاوليغارشية، على قاعدة المقايضات المصلحية،والاسقاط غير الموارب للاعتبارات السيادية، وموجبات دولة القانون، والاستهداف المعلن للحركات المعارضة والبرامج الاصلاحية، وما تفترضه من مقاربة تشاركية في مجالات السياسة العامة. السياسات الاصلاحية لم تعد تحتمل التأجيل والتسويف من قبل الائتلاف المصلحي القائم بين المصالح الاوليغارشية، وسياسة انقلاب الفاشيات الشيعية وروافدها الاقليمية والدولية المتهاوية. إن المناخات الانقلابية التي لا تقيم أي شأن للحيثيات السيادية والاصلاحية ،والحؤول دون استغراق البلاد في دوامات نزاعية مفتوحة، ليست بالامر العارض لإنها تقع على خط استوائي يستهدف الكيان الوطني اللبناني، والوجود الموضوعي للدولة اللبنانية، ومرتكزات الاجتماع السياسي اللبناني. إن التداخل بين السياسة الانقلابية الشيعية، والاقفالات الاوليغارشية يتم على اساس مصالح أنية تلتئم على انتفاء وجود التوسط الدولتي، ومفهوم الخير العام، والسلم الاهلي، وموجبات دولة القانون، التي بدونها لا وجود لسياسة اصلاحية فعلية تنهي تركات سياسات النفوذ المدمرة، وواقع الاستلاب الذي كرسته سياسات الاستباحة والنهب المنهجي للثروات الخاصة والعامة على مدى ثلاثة عقود.

لا إمكانية لسياق سيادي واصلاحي مترادف في ظل معادلات انقلابية تدفع بها سياسات النفوذ الشيعية ببعديها الداخلي والاقليمي، واقفالات اوليغارشية متمكنة، وعزلة دولية مطبقة، وتداعيات التهجير السوري المدمرة للتوازنات الكلية في البلاد، وانعدام المبادرات الاصلاحية الهادفة والمبرمجة، لجهة التفاوض مع صندوق الدولي والدول المانحة على قاعدة سياسات اصلاحية شرطية تدور حول اعادة هيكلة النظام المصرفي لجهة عدد المصارف، والثقافة المهنية كما نصت عليها اتفاقيات بازل الثلاث، ودور البنك المركزي، وربط العمل المصرفي بالسياسات الانمائية على تنوع مرتكزاتها، وإنجاز التحقيق المالي الجنائي من أجل تحديد مصادر النهب والهدر، واصدار الاتهامات الجنائية وتفعيل عمل المقاضاة، وإقرار سياسة توزيع الخسائر خارجًا عن دائرة التقدير والاملاءات الاوليغارشية، وتأمين الشروط الموضوعية لعودة الحياة الاقتصادية، انطلاقا من إعادة الاستقرار السياسي، وايجاد المناخات المحفزة للاستثمارات، والاصلاحات الهيكلية لجهة الإصلاحات الإدارية، والقضائية، والتربوية، والتجهيزية، ووضع حد نهائي للسياسات الريعية والزبائنية، وطغيان الاقتصاد المنحرف القائم على الجريمة المنظمة، والتهريب والتلاعب بأسعار صرف العملة، والمضاربات التجارية والعقارية غير السوية ونتائجها المدمرة على مستوى التوازنات المالية الكلية، وبنية الميزان التجاري وميزان المدفوعات، وايجاد فرص العمل، ووقف الهجرة، ورأب التصدعات الاجتماعية، والمناطقية والطوائفية، وادغام المتغيرات الايكولوجية والجندرية في صياغة السياسات العامة.

لا ينبىء السياق السياسي القائم حاليا في البلاد خيرا لأنه قائم بالتعريف على أسس انقلابية ، ومصالح اوليغارشية منافية لمفاهيم السيادة، والخير العام، والمشاركة الديموقراطية، والسياسات الاصلاحية كما تدلل عليها المداولات الانتخابية الراهنة، وصورية دور المجلس النيابي، وتقاسم الادوار بين نبيه بري، ونجيب ميقاتي، وتغطية وليد جنبلاط، وتحكيم حسن نصرالله،كومپارسات الفساد واستحالة وجود الدولة، الذي يحكم هذه الجمهورية المتداعية. لا خلاص ما لم تنته هذه اللعبة السيئة، وتتوقف المراهنات على مخارج لا أفق لها.