مصيدة الحرس الثوري الإيراني في العراق/داود البصري

348

مصيدة الحرس الثوري الإيراني في العراق

السياسة/داود البصري/01.01.15/

دون أدنى شك, فإن تطور العمليات العسكرية الإيرانية في العراق, ودخول الحرس الثوري المباشر, والتورط الإيراني في عمق حالة إدارة الصراع الداخلي في العراق, وبأقوى من وتيرة التدخل العسكري في قمع الثورة السورية قد فرض معطيات ووقائع جديدة على ميادين وآفاق الصراع الإقليمي الشرس في الشرق, وبات معيارا واضحا على تآكل القدرات العسكرية الإيرانية وخضوعها بالكامل لحالة استنزاف دموية واقتصادية مرعبة, ومكلفة في العراق ستترك تأثيراتها المباشرة من دون شك على تداعيات الوضع الإيراني الداخلي. فبعد مصرع طيار الحرس الثوري في سامراء (مرجاني) قبل شهور, سقط في نفس الساحة قائد ميداني حرسي مهم لعمليات رمضان الشهيرة التي خاضت صفحات مهمة وستراتيجية في مرحلة الحرب العراقية – الإيرانية (1980/1988) المدعو العميد حميد تقوي, ومجموعة كبيرة أخرى من عناصر الحرس الثوري يرافقهم أيضا المستشار العسكري لزعيم عصابة بدر الطائفية الإرهابية هادي العامري والمدعو اللواء عباس حسن المحمداوي.

استمرار النزف العسكري الإيراني والطائفي في معارك العراق قد أبرز حقيقة توسع التورط الإيراني المباشر في حمامات الدم العراقية, كما يعمق بشكل فاعل ومثير للدهشة من حجم الأزمة الداخلية الإيرانية بعد تساقط جثث الجنرالات الإيرانيين في حرب الهيمنة الإيرانية المباشرة ليس على العراق فقط بل على منطقة الخليج العربي خصوصاً, وعلى حجم النفوذ والتطلع الإيراني في الشرق وهو الذي يواجه اليوم حقائق ميدانية صعبة وواقعية أبرزها ان النظام الإيراني أوهن كثيرا من أن يتمكن من تحقيق تطلعاته وأطماعه لوقائع ملموسة, فحصيلة السنوات الأربع الأخيرة من عمر الصراع الذي ابتدأ بشكل واضح وملموس مع انطلاقة الثورة السورية قبل أربعة أعوام كانت دامية جدا ومكلفة كثيرا لأقطاب النظام الإيراني ولحلفاء المشروع الإيراني الطموح في الشرق القديم. ف¯”حزب الله” مثلا قد فقد هالته ونجوميته بين شعوب المنطقة بعد أن تحول من تيار مقاوم للسياسة الإسرائيلية لمخلب قط لعمائم إيران يحركونه كيفما شاؤوا لدعم أنظمة القتل والإرهاب والجريمة الحليفة لطهران بعيدا عن أي مقاربات إنسانية أو عقائدية محضة, حتى انهار “حزب الله” ليتحول لمجرد عصابة للقتل ولبندقية للإيجار, كما أن الجماعات الطائفية العراقية المرتبطة بالمشروع الإيراني ارتباط السوار بالمعصم قد ظهر وجهها الطائفي العدواني القبيح من خلال المجازر المروعة التي تقترفها ضد أهل السنة الأبرياء في العراق, وسعيها الى تغيير الواقع الديموغرافي والتشكيلة الطائفية, وهمجيتها وفاشيتها الطائفية السوداء وعبر المساندة الإيرانية الميدانية التي أظهرت قدرا كبيرا من التوحش والهمجية, ما جعل من حالة الحرب الأهلية الطائفية القائمة في العراق حاليا خيارا ستراتيجيا لتكم العصابات التي لا تمتلك أصلا سوى هذا المشروع السقيم الذي أفقدهم الكثير من قواهم الخائرة. الإيرانيون مع إطلالة عام جديد من الصراع العراقي الداخلي الطائفي الشرس في مواجهة حالة هزيمة وانكسار واستنزاف دامي لم يروه في تاريخهم المعاصر, فتساقط عناصرهم القيادية أو عملاؤهم بات من الأمور التي تؤرق مضاجع النظام, فالانسحاب من العراق حاليا والهروب بالجلد يعتبر هزيمة إيرانية كاملة سترتد نتائجها داخليا وهو احتمال مرعب للنظام بكل المقاييس.

كما أن البقاء ومحاولة الحفاظ على ماء الوجه ودعم حلفائها في العراق أمر مكلف جدا وخطير في تداعياته ولكنه يحاول حماية ما تحقق من مصالح لا يبدو ان استمرارها يصب في مصلحة النظام الإيراني, فجميع الخيارات في العراق صعبة ومريرة ومدمرة للقدرات العسكرية والاقتصادية وحتى النفسية الإيرانية. لقد تحول العراق بشكل واضح لما يمكن أن نسميه “مصيدة للفئران الإيرانية المتسللة”! كما أن التجارب اليومية أثبتت ان أهل السنة في العراق لقمة مستحيلة الابتلاع, ولا أتردد عن القول أبدا بأن التورط الإيراني الراهن في العراق مشابه بالكامل وبالحرفيات للتدخل السوفياتي في أفغانستان العام 1978 والذي أدى في نهاية المطاف لانهيار العملاق السوفياتي بسبب الاستنزاف, علما بأن نظام إيران رغم مكابرته وصلفه وغروره المريض لا يمكن أن تقاس إمكانياته وقدراته المحدودة بالقدرات السوفياتية الراحلة. مصيدة فئران عراقية قاتلة لغرور القوة الإيرانية ستجعل النظام الإيراني في نهاية المطاف مجرد “دمعة” في تاريخ المنطقة! فتأملوا وتابعوا واحصوا حجم الخسائر الإيرانية الثقيلة في العراق المستحيل الابتلاع فضلا عن الهضم! لقد تورطوا بدموية في أوهام القوة الزائفة!