المطران الياس عوده في قداس رأس السنة: رسالتنا إرساء السلام وابتغاء العدل وواجبنا العمل على تطوير المجتمع والدولة

356

المطران الياس عوده في قداس رأس السنة: رسالتنا إرساء السلام وابتغاء العدل وواجبنا العمل على تطوير المجتمع والدولة

الخميس 01 كانون الثاني 2015

وطنية – ترأس متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الأرثوذكس المطران الياس عوده قداسا لمناسبة ذكرى ختانة يسوع المسيح بالجسد وتذكار القديس باسيليوس الكبير ورأس السنة في كاتدرائية القديس جاورجيوس في ساحة النجمة، في حضور حشد من المؤمنين.

بعد الإنجيل ألقى عوده عظة قال فيها “اليوم نفتح صفحة جديدة من تاريخ حياتنا وقد طوينا بالأمس الورقة الأخيرة من السنة المنصرمة، التي لم تحمل لنا الكثير من الخيرات والإيجابيات، لكننا نشكر الله دوما وعلى كل شيء ونرفع الدعاء له باستمرار كي يسكن قلوبنا ويبارك حياتنا وينير دربنا، لكي لا نقترف الآثام ونقع في الخطايا. واليوم خاصة وفي نهاية القداس الإلهي سوف نرتل “يا مبدع الخليقة بأسرها يا من وضعت الأوقات والأزمنة بذات سلطانك بارك إكليل السنة بصلاحك يا رب واحفظ بالسلام الحكام ومدينتك بشفاعات والدة الإله وخلصنا”. كما سنسأله أن يؤهلنا “لنجوز هذه السنة المقبلة بسيرة مرضية لعزته الإلهية مرشدا إيانا بصلاحه ومسهلا لنا مناهج الخلاص”. كما سنسأله “أن يوطد روح السلام في العالم أجمع”.

أضاف: “إلهنا إله المحبة والسلام لا إله الحقد والبطش والسيف. قال الرب يسوع “كل الذين يأخذون السيف بالسيف يهلكون” (متى 26 52). لذلك ترى المسيحية أن أي حرب باسم الدين هي حرب ضد الدين. المسيحية دين المحبة والتسامح والإنفتاح وقبول الآخر دين الحرية التي خلق الله الإنسان عليها. نحن بالنعمة مخلصون. الرب افتدانا جميعا لكننا نخلص بملء حريتنا بقبولنا دعوة الله لنا. الدعوة عامة لكن الإستجابة هي التي تجعلنا من المختارين. لذلك يقول الرب إن المدعوين كثيرون والمختارين قليلون”.

وتابع: “لقد سمعنا في إنجيل اليوم أن العذراء والدة الإله ويوسف كانا يفتشان عن يسوع وقد أضاعاه في طريق عودتهما من أورشليم بعد العيد ولما وجداه وقالا له “كنا نطلبك متوجعين قال لهما لماذا تطلبانني. ألم تعلما أنه ينبغي لي أن أكون فيما هو لأبي”. هذا يجب أن يكون جواب كل مسيحي. المسيحي الحق هو أولا وقبل كل شيء تلميذ أمين لمعلمه لإلهه للرب يسوع المسيح الذي أتى ليخلص الخطأة الذين أنا أولهم كما قال بولس الرسول. من وعى هذه الحقيقة ولبس المسيح وحفظ وصاياه يغرق في أنوار هذا السيد الظافر بمحبته ويتخلص من آلامه وبؤسه وخطاياه ويرنو إلى الخلاص المعد لنا سلفا بيسوع المسيح. الله خلق الإنسان كل إنسان على صورته ومثاله. لذلك نحن نؤمن أن البشر متساوون وأن كل إنسان مهما اختلف عنا أو خالفنا الرأي هو أخ لنا من واجبنا محبته واحترامه والمحافظة على كرامته وحريته وحقه في الحياة. لذلك لا تبارك المسيحية العنف والقتل والخطف والتعذيب وكل إساءة تقترف بحق أي إنسان. كما ترفض أي تمييز عنصري أو ديني وتدين إلغاء الآخر أو تهجيره واقتلاعه من بيئته ومجتمعه أو إجباره على فعل ما لا يريد فعله. المسيحية تدعو إلى السلام بين البشر لأن إلهنا إله السلام وقد قال “طوبى لصانعي السلام لأنهم أبناء الله يدعون”.

وقال عوده: “المسيحية دين الحوار أيضا الحوار مع الخالق والحوار مع الآخر. إن كل صلاة ينطق بها المؤمن هي حوار مع الله. أما الحوار مع الإخوة فيلغي المسافات بينهم ويجمعهم في لقاء مبارك إن سادته المحبة التي هي ترياق البشر وإكسير الحياة التغت المسافات وتمت اللقيا. الخطيئة تعيق الأخوة أما المحبة المعاشة بصدق فتتجاوز الحواجز وتبني. المحبة لا تسقط أبدا. هذا يقودني إلى الحديث عن دور الإنسان المسيحي المؤمن في مجتمعه. المؤمن الحقيقي إنسان اقتبل الله في قلبه لذلك يحافظ على طهارة نفسه وجسده لأنهما إناء لله. المؤمن يعي قيمة ذاته أنه هيكل للروح القدس ويعي أن عليه أن يكون نورا للعالم وخميرة صالحة وملحا في الأرض. فمن لا يحترم الله الساكن فيه ولا يحترم قريبه الإنسان ويهتم لكرامته ومن لا يعتمد الصدق والأمانة والنزاهة في علاقته مع الآخر ومن يضمر الحقد والشر والحسد وغيرها من الآفات المدمرة للنفس لا يستحق أن يسمى باسم المسيح”.

أضاف: “بالنسبة لنا الله هو الطريق والحق والحياة وهو يتجلى لنا في الأناجيل التي كتبها الرسل الذين عاينوا الرب يسوع وسمعوه وآمنوا به ونقلوه لنا. ونحن بقدر ما نتعرف على الإنجيل المقدس نتعلم الإنسحاق أمام قدرة الله وعظمته في تواضعه إنما نعي أيضا المسؤولية العظيمة الملقاة على عاتقنا نحن المؤمنين به أن نكون شهودا له أمناء على رسالته. هنا لا بد من التذكير أننا في كل مرة نقرأ فيها نصا إنجيليا تنفتح أمامنا آفاق جديدة وكأن الله يكلمنا. إن قراءة الإنجيل لا تشل العقل وتمنعه عن التفكير بل تحثه على قراءة خصبة للنص على استقراء النص وفهم ما يريد الله قوله لنا. الله يتجلى لنا أيضا في محبيه وفي قديسيه وكل الذين عرفوا طاعته”.

وتابع: “خلاصة القول أن على المسيحي أن يقدس العالم بوجوده فيه. العالم اليوم ينجرف نحو الصراعات الدينية والطائفية ورسالتنا إعطاء النموذج في قبول الآخر ومحبته في محاورته والعيش معه. رسالتنا إرساء السلام ونشر الحق وابتغاء العدل. واجبنا العمل على تطوير المجتمع والدولة. دورنا تقديم نموذج للحداثة والتقدم مع تمسكنا بإيماننا الذي لا يعمي بصائرنا بل يفتح قلوبنا وأذهاننا وعقولنا على الحياة. نقرأ في سفر الرؤيا “ها أنا أصنع كل شيء جديدا” (رؤ 21 5). لتكن بداية هذا العام بداية عهد جديد لنا مع الخالق نعاهده فيه على تنقية ذواتنا ونذر حياتنا للخير والصلاح وعلى الحفاظ على خليقته إنسانا وطبيعة وبيئة وعلى القيام بكل ما يساهم في بنيانها”.

وختم عوده: “على رجاء أن نفي بالعهد أسأله أن يبارككم ويغدق عليكم نعمه السماوية وأن يلهم حكامنا ويؤازرهم في كل عمل صالح وأن يحمي وطننا ويعتقه من كل ما يعيق تقدمه وازدهاره ومن كل من يشاء له الشر والسوء. حماكم الرب من شر الفساد والفاسدين ومن سوء كل من يستهين بحياة الناس ولقمة عيشهم وجشع من يتاجر بصحتهم ونظافة طعامهم. لا تدعوا الخوف يسيطر عليكم. تشبثوا بالأمل لأنه يعطي معنى للحياة وبالرجاء أن الله معكم وإن كان الله معكم فمن عليكم؟”