يوسف حتي: عفواً يا أبو أرز، مبلا، انتها لبنان، والحق على المسيحيين

394

عفواً يا أبو أرز، مبلا، انتها لبنان، والحق على المسيحيين.
يوسف حتي/04 كانون الأول 2022

لَكُل مسيحيّي لبناني في أصقاع الدني:

وطننا الحقيقي والفعلي هو لبنان الصغير ضمن حدود المتصرفية العثمانية. ارتكبت الكنيسة المارونية جريمة بحق شعبها بمطالبة ضمّ المناطق السورية المسلمة (طرابلس والهرمل والبقاع وجبل عامل) وخلق دولة لبنان الكبير المسخة يلّي صاروا المسيحيين فيها أقلية. قالو الفرنساويي للبطرك الماروني شو بدكن بلبنان الكبير للي بتصيروا أقلية فيه، خلّيكن لبنان الصغير ومنعملو محمية فرنسية، بس الطمع والجشع واحتقار المسلم طلع على راس المسيحيي وصار بدن يعيدو مجد الفينيقيي بضم صيدا وصور وطرابلس والبقاع، بس كل هيدا على فراغ معنوي وفكري وحضاري، ومن دون ما يعلّمو ولادهن اللغة السريانية أو يعيدو إحياء التراث الفينيقي خوفاً من الإسلام.

افتكروا المسيحيي أنن بيقدروا يضلّوا مسيطرين على المسلمين، أنو باستيرادن للثقافة الفرنسية رح يضلوا أشطر وأذكى من المسلمين. الشعب الماروني شعب حمار ما بيوضع خطط للمستقبل. كل تحركات القيادات المسيحيي تكتيكية وآنية: كيف فيني أبعص المسيحي التاني ومع أي همجي فارسي أو عربي أو يهودي فيني اتحالف تأربح على منافسي المسيحي. حتى الكنيسة المارونية ما عارفة شو عم تعمل. متل ما هي طالبت بلبنان الكبير لأنو الفرصة كانت مؤاتية (بعد الحرب الكبرى الأولى) ومن دون التفكير بالعواقب المحتملة على المديين المتوسط والطويل، اليوم بيتحفنا البطرك بفكرة الحياد اللي الارجح ارتجلا بعد جاط مجدرة بالديمان، ومرة ثانية من دون التفكير بالمستقبل. هل طرح البطرك على حالو سؤال استعداد المسلمين لفكرة الحياد؟ هل في بالعالم كلّو دولة مسلمة وحدة بتمارس الحياد؟ وشو بيعمل البطرك اذا رفض المسلم اللبناني الحياد؟ عندو خطة “ب”؟

غلطان أبو أرز لما بتقول أنو في فرق بين لبنان الدولي ولبنان الوطن. بعصرنا الحديث ما في فرق بين لبنان الدولي ولبنان الوطن. أنا وطني هو البلد للي بي أمنّلي أبسط مكونات العيش والاحترام لحقوقي الفردية، ومين غير الدولي بيقدر يقوم بهالمهمة؟ أنت قلتها “من شان هيك لازم نبلّش نفكّر نبني دولي جديدي”. يعني بتقصد إذا بنينا دولي جديدة بيرجع الوطن؟ يعني إنت عم تناقض حالك.

وهون بدّي شدد على صفة “الفردية” للحرية، لأنو بلبنان البدائي اللي عايشين فيه ما حداً بيحكي عن الحقوق الإنسانية الفردية للي هي أساس الديموقراطية. نحن بلبنان عنا مفهوم الحرية ما بيتعدى حرية المجموعات والطوائف. المسيحي بلبنان بيفتكر أنو هو حر لأنو بيقدر يدق جرس الكنيسة نهار الأحد كمجموعة مناهضة للمجموعة المسلمة اللي يمكن تمنعو من دق الجرس لو استلمت الحكم. بس هيدي أفكار بدائية ورتناها من العهود الوسطى. اليوم المطلوب هو صون الحرية الفردية للي مش موجودة لا بالمعسكر المسيحي ولا بالمعسكر المسلم. كلمة معسكر أفضل من كلمة مجتمع للتعريف عن حالة الفرد اللبناني للي بيخلق بمعسكرو ويُدجّن ويُغسل دماغو وما إلو أي دور بالقرارات المصيرية اللي بتتخادا قياداتو الدينية والمدنية المفروضة عليه.

يا أبو أرز، ما في بلد بالعالم إلا ما عمرو ألاف السنين، ومرقت عليه أزمات كبيرة وصغيرة، وخضع للاحتلالات المتتالية، وساهم بتقدم البشرية… ما في شي خصوصي بلبنان. يلّي سافر وعاش برّا بيعرف أنو في بلدان أحلى من لبنان وأرفه من لبنان وممدّنة أكتر من لبنان. وين التواضع؟ وين البساطة؟ وين الانحناء أمام تقدم البشرية أجمع؟ لازم نوقف نضحك على حالنا وعلى شعبنا، ونوقف نعبّيلو راسو بعظمة لبنان الغابرة من إيام الفينيقيي، متل ما بيعملو العرب: بيترحّمو على أمجاد الأسلاف وهنّي بالوسخ لرقابهن. خلص بقى. أنا اليوم قضّيت حياتي كلها بالتعتير والحروب والتهجير، بيتي للي خلقت فيه ما عاد موجود، وضيعة أهلي ما بقى أعرفها، وعشت تلات ترباع حياتي بالمهجر-المنفى. شو بعد بدّي من لبنان؟ هل عظمة الفينيقيي بترجّعلي سعادتي وبتبنيلي بلد بينعاش في؟

يا أبو أرز، الحقيقة واضحة متل الشمس: نحن المسيحيي فشلنا بالوقوف صف واحد لما الفلسطيني حاول ياخد لبنان. وبعدنا اليوم منتعاطى مع القيادات المسلمة اللي خانت لبنان وكأنّها هي الفريق الآخر أو الجناح الآخر من هالوطن للي عم نقوم معو بتجربة التعايش والعيش المشترك الفريد. نعم “فريد” لانو التجربة تجربة حمير، فشلت مرة بعد مرة. وهودي القيادات بعدن بالحكم، كل المجرمين والخونة، وبعدو هالشعب الحمار بيصوتلن بالانتخابات. المرض منّا وفينا، وحاجي نلوم الغير. بالمبدا، ليش منتعجّب أنو الغير ضدنا أو بالأحرى مش معنا؟ قالها الرئيس الفرنسي شارل دوغول “البلدان ليس لها أصدقاء، لها مصالح”. المسيحي بلبنان بيفتكر أنو الغرب لازم يكون معو لأنو مسيحي أو لأنو بيحكي فرنساوي وبيتسكع على إجرين الفرنساويي والأمركان تيساعدو، وهني للي خانوا وطعنوا بالضهر … ليش؟ لأنو لبنان ما عندو شي يعطيهن، لا ثقافة ولا علم، بس معتقدات بالية ما إلها نفع، ولأنو الجبال المهرية والبحر الملوّت والطرقات الكلها زبالة ما فيها مصلحة للغرب. لأنو العواطف والتمجّد بالعصور الغابرة ما إلها نفع. لأنو ما في بلبنان ثقافة علمية (scientific literacy). بيرجع المغترب للي اغتنى بالمهجر على بيع التبولة والحمص، وشو أول شي بفكّر في؟ بيبني كنيسة بضيعتو أو شخص لمار شربل على قمم الجبال. بعد ناقصنا قديسين وكنايس وشخوص وشعوذات ودجل؟ كل سنة بيتربّع اللبناني إدّام التلفيزيون ليستمع للمشعوذين والعرّافين والمتنبئين بالمستقبل. بدّنا معاهد أبحاث علمية، بدنا معامل تكنولوجيا، بتنتج وبتبدع لحتى يصير الغرب يشوف فينا مصلحة. الغرب فصل الدين عن الدولة، أما نحن بلبنان فنخرنا دولتنا بالدين واليوم منتسائل ليش حالتنا تعيسة. لازم نعلّم ولادنا احترام العلوم والتفكير العلمي ونتبعد عن المعتقدات القديمة والبالية.

نحن المسيحيين طردنا بالـ 1943 الفرنساويي اللي حميونا، وكنا قبل بعشرين سنة بالـ 1919 عم منترجّاهن يساعدونا. فساعدونا ووضعولنا أساسات الدولة المعاصرة. وبس فلّ الفرنساوي، بلشت الدولة تتهاوى وتوقع بالفساد والهلاك المتبادل ضمن الطائفة الواحدة وبين الطوائف. والدودة للي فينا ما راحت: الجشع وحب المال والتباهي وجنون العظمة وانعدام التضامن بين أفراد البيئة الواحدة… علّاتنا كتيرة وما بعرف من وين بلّش بتعدادها. أنا ماروني هاجرت على فترة 4 عقود، وبالمهجر ساعدني المسلم واليهودي وكل غريب من أصقاع العالم، بس ولا مرة ساعدني واحد ماروني أو منظمة مارونية. لشو هالهوية إذاً؟

نعم إجت الاحتلالت الفلسطينية والسورية والإيرانية والإسرائيلية… وبقيو المسيحيي منقسمين. ولا مرة توحدوا بإرادتن الحرة. فكّر فيها: المرة الوحيدة للي توحّد فيا المسيحيي كانت بالبندقية. ما قدر بشير الجميّل يوحّد المسيحيين إلا بالقتل والدبح والإجرام؟ إذا ما فينا نتحد بالأوقات الصعبة، كيف بدّك يانا نتحد بالأوقات المنيحة؟ شوف شو عيعمل جعجع وباسيل اليوم. نحن شعب بدائي رغم كل العظمات اللي منتباها فيها. مناخد من الغرب كل شي عندو وسخ، وما مناخد الإشيا المنيحة. كيف بدّك الغرب يتعاطف معنا؟

بالأول، خسرنا هويتنا الفينيقية لأنو فرض الاحتلال الروماني الديانة المسيحية علينا وقمنا بتدمير معابدنا وحوّلناها لكنايس، ودمّرنا آلهاتنا وحولناهن إلى قديسين مسيحيين. ومتل ما عملو الرومان، إجو العرب ونجحوا بتعريبنا وبأسلمتنا. خسرنا لغتنا الفينيقية وصرنا نحكي عربي. ليك الشعب الإرلندي: هو شعب سيلتي (celtic) وما زال عندو لغتو ومعتقداتو. إجو الإنجليز الهمج واحتلوون واضطهدوون واستعبدوون. بس بقي الشعب الإرلندي محافظ على لغتو مع أنو أتقن اللغة الإنجليزيي، وبقي محافظ على تقاليدو ومعتقداتو مع أنو أعتنق الديانة المسيحية. بينما نحن بلبنان منبيع حالنا للمحتل أو للّي معو فلوس. بمدارسنا منعلّم اللغة العربية (تنقدر نعمل مصاري مع العرب)، واللغة الفرنساويي (لأنو منتخيّل إنو فرنسا بتحبنا وهي للي صارلها ستين سنة بتبيعنا وبتخوننا) وهلّق عن منتعلّم اللغة الإنجليزيى لحتّا ولادنا يقدرو يهاجرو ويعملو مصاري ويبعتو المصاري علبنان لنشتري سيارات ونقعد بالقهاوي ندخن أرجيلة وننمّر على بعضنا. هويتنا هي التجارة وحب المال. ليش ما بتعلّم الكنيسة المارونية اللغة السريانيي-الفينيقيي بمدارسها، متل ما بتعلم الكنيسة الكاثوليكية بإرلاندا اللغة السلتية؟ بتعرف ليش؟ لأنو ما في منها مصاري وفلوس. نحن شعب تاجر ببيع إمّو إذا سعرها منيح.

لاء، خلص، ما بقى عندي إيمان بلبنان كما هو اليوم. غلطان يا أبو أرز، الوطن مش بالأمجاد الغابرة. الوطن هو بالأفعال بيومنا هيدا. واليوم بعدن مسيحيي لبنان بيتخانقو على مين رح يتسكّع أكتر عند العرب والجرب والغرب والفرس، بدال ما يتحدو ويوضعو للشعب المسيحي رؤية للمستقبل وخطة لتحقيق الرؤية. لنقول الحقيقة للي كل واحد منا بيعرفها: ما بعتقد أنو العيش مع المسلم ممكن. ما زال المسلم بالعالم كلّو بيرفض الخضوع لحاكم غير مسلم. يمكن أنو يماطل أو يتريّث مؤقتاً ويدعي التعايش والقبول بالغير. والبرهان في تاريخ لبنان على المية سني الماضيي. دخل المسلم غصب عنو بلبنان الكبير وبلّش يهدمو من الداخل مع كل فرصة صارتلو: مع الفلسطيني والسعودي والكويتي والسوري والإيراني… ومع كل محاولة، بياخد شي من المسيحي. صار المسيحي اليوم أقلية عم يترجّى المسلم والعرب والغرب… شو ناطرين ما منعلن بصراحة فقدان أملنا بلبنان التعايش والعيش المشترك؟ حاجي نخدّر شعبنا بالشعارات المهلوسة للي ما لها تطبيق في الحياة اليومية. لازم يعلن مسيحيي لبنان بالمشبرح فشل التعايش والعيش المشترك والبدء بالتفكير بخيارات أخرى. يمكن أنو منتخبّا ورا شعارات اللامركزية والفدرالية، بس كل هيدي الأنظمة بعدها بتطلّب موافقة المسلم ونوع من المركزية اللي بيعود ينخرها الفساد والإقطاعية والطائفية وحجج “الميثاقية” الكاذبة.

عمرو ما يكون وطن بيحتقر شعبو متل ما لبنان بدياناتو وطوايفو وشعاراتو البالية وتاريخو الأعرج بيحتقرنا.