د. توفيق هندي: متى يُسحب «بساط السيادة» من تحت «البيوتات السياسية»؟

54

متى يُسحب «بساط السيادة» من تحت «البيوتات السياسية»؟!
د. توفيق هندي/جنوبية/30 تشرين الثاني/2022

بالرغم من بعض مظاهر الحداثة التي يتحلى بها الفرد اللبناني، فان المجتمع اللبناني يعاني من آفات تجعله مشابها” لأكثر المجتمعات تخلفا” في العالم . والمشكلة تكمن في بنيته الاجتماعية-السياسية، وهي مزيج هجين من الإقطاع الآري والقبلية السامية، كما يوصفها اوهانيس باشا كويومجيان، آخر متصرف للبنان، وهي تتمظهر بما يمكن تسميته بالبيوتات السياسية الكبيرة والصغيرة، القديمة والمستحدثة، التي تفرض سيادتها على الحياة السياسية والاجتماعية العامة والخاصة بكل مفاصلها.

وفي واقع الحال، أن هذه البنية متجذرة بأيديولوجيتها وأنماط العلاقات الملازمة لها في الاجتماع والسياسة، بحيث لا تكمن المشكلة فقط في كينونة وتصرفات “زعامات” هذه البيوتات، إنما أيضا” في خضوع الشعب الطيع لها وهو الذي يرتضيها مولاة له، فتحقق له مصالحه خارج المسالك القانونية والنظامية وتحميه من ملاحقة الدولة المركزية ، أيا” تكن السلطة التي تتولاها وأيًا”يكن نظام الدولة، مقابل ولاءه الأعمى واستزلامه البخس لها. فلبنان عبارة عن مجموعة دويلات متناحرة متنافسة فيما بينها تتشكل من البيوتات السياسية، تسعى كل منها على اقتطاع أكبر حصة ممكنة من سلطة الدولة المركزية لحساب سلطة دويلتها الخاصة. فهي بذلك تشبه المافيات التي يتوقف قوة رئيس كل منها ليس على عدد الذين هم على استعداد للموت من أجله بل على عدد الذين هم على استعداد للقتل بأمر منه. فالساحة السياسية اللبنانية يسودها ما يمكن توصيفه بتوازن الرعب فيما بين هذه المافيات. وبعد ذلك، كيف يصح التساؤل حول أسباب ظاهرة “الدولة-المزرعة”، أو عن آفات المحاصصة والرشوة والدكاكين والفساد والإفساد … وهل من سبيل للإصلاح في ظل سيادة البيوتات السياسية على الحياة السياسية اللبنانية؟!

والمشكلة تكمن في أن المنظمات التي طرحت نفسها كقوة تغيير سابقا” وحاليا” لم تتمكن من تكملة الطريق وصولا” إلى تحقيق الهدف المنشود، لا بل تحولت أو هي على طريق التحول من جماعات سياسية تلتف حول مشاريع سياسية وطنية وتغييرية إلى مجموعة أزلام تدين بالولاء البدائي والغددي والأعمى لزعيم بيت سياسي مستجد، يختصر “القضية” بشخصه ويشكل نموذجا” مسخا” عن تلك الزعامات التي طرح نفسه أصلا” بديلا” عنها. هذه حالة الغالبية العظمى للأحزاب اللبنانية: الرئيس هو أبدي سرمدي لا “يرثه” إلا ابنه أو زوجته أو أخوه أو ابن أخيه أو حفيده أو … أقرب الناس إليه بالدم. فالسياسة في لبنان كما في أكثر البلدان تخلفا” لها علاقة وطيدة، ويا للأسف ، بالجينات والسائل المنوي لزعيم البيت السياسي.

من هنا يطرح السؤال المركزي: كيف يمكن كسر الحلقة المفرغة التي يدور فيها التغييريون اللبنانيون؟ كيف يمكن تأمين مستقبل للبنان وهو يرزح تحت حتمية نظام حكم البيوتات السياسية الذي لا يرتضي وجود أي جسم سياسي غريب عنه إلا إذا حوله إلى مثيله، أي إلى بيت سياسي مستجد؟! كيف يمكن إنتاج نخبة سياسية جديدة، طالما أن كارتيل البيوتات السياسية القديمة والمستجدة تهيمن على الحياة الطلابية والشبابية عبر تجهيلها وترؤسها وبالتالي توليد نخبها من رحم هذه البيوتات التي هي المشكلة في الأساس، وطالما أن الإنتلجنسيا اللبنانية تقبل بتسخير نفسها لخدمة هذه البيوتات أو أنها عاجزة عن طرح البدائل المجدية الفاعلة ؟!

ولا بد هنا من التأكيد على أن مشكلة التخلف في لبنان لا تكمن في التكوين الطائفي والمذهبي للمجتمع اللبناني ولا في النظام الديمقراطي اللبناني، إنما بسيادة البيوتات السياسية على الحياة السياسية اللبنانية التي تفسد هذه الحياة وتنتج الممارسات الطائفية الشاذة نتيجة نوعية أدائها السياسي المرتبط بطبيعتها الأنانية وعدم اكتراثها بالمصلحة العامة ومحاولتها الاستئثار بقرار الطائفة والمذهب وجشعها السياسي.

لذا، خلاص لبنان يعتمد:
أولا” ، بتنفيذ القرارات الدولية ، ولا سيما القرار ١٥٥٩ ، لتحرير لبنان من الاحتلال الإيراني الممارس من خلال حزب الله،
وثانيا”، من خلال وضع لبنان تحت الوصاية الدولي المؤقتة ، وفق الفصلين ١٢ و ١٣ من شرعة الأمم المتحدة، ل”تكنيس” وحدات الدولة اللبنانية من نفوذ الطبقة السياسية المارقة القاتلة الفاسدة، وذلك لإعطاء فرصة حقيقية للشباب اللبناني وقوى التغيير، ريثما ينجحوا في إخراج لبنان من مأساته.