الكولونيل شربل بركات: البلد بين انتخاب رئيس والسيادة الحقيقية…ما نخشاه أن يتسرّع اللبنانيون اليوم، كما فعلوا سنة 2016، ويستدرجوا لانتخاب أي كان ارضاءً لحزب الملالي، واعطائه نفسا للاستمرار حتى ما بعد سقوط النظام في طهران

391

البلد بين انتخاب رئيس والسيادة الحقيقية
ما نخشاه أن يتسرّع اللبنانيون اليوم، كما فعلوا سنة 2016، ويستدرجوا لانتخاب أي كان ارضاءً لحزب الملالي، واعطائه نفسا للاستمرار حتى ما بعد سقوط النظام في طهران

الكولونيل شربل بركات/28 تشرين الثاني/2022

عودنا الاحتلال السوري ومن ثم الإيراني من بعده أن يسمي الرؤساء، وعند كل مفصل يتدخل لوقف العملية الديمقراطية بشتى أشكال الضغط لمنع الانتخاب إذا لم يقدر على التسمية أو التعيين. ما ينتج عنه تعطيل البلد ووقف العمل في مؤسساته بسبب الفراغ الناجم عن غياب رموز السلطة التي يجب أن تتحمل المسؤولية. وقد استغل امساكه بالمجلس النيابي معتمدا على ترويض الرئيس بري لخدمة مشاريعه وبالتالي فرضه مرشحا وحيدا دائما لرئاسة المجلس بدون منافس. ومجلس النواب هو رمز أساسي في العملية الديمقراطية لأن النواب ينتخبون مباشرة من الشعب وهم من يفترض أن ينتخب الرئيس ويعطي الثقة للحكومة.

يوم انتهت فترة رئاسة لحود، الممدد له من قبل السوريين خلافا للقرار الدولي 1559 الذي طلب عدم تدخلهم بانتخاب الرئيس، قام حزب إيران بعملية عسكرية (القمصان السود) أدت إلى احتلال معقل السنة في بيروت، واخافة الدروز بالهجوم على الجبل، وتحييد الموارنة بالتهديد بالانقسام بينهم. وهكذا قضي على مفاعيل ثورة الأرز المليونية، وفرض الحزب المدعوم من سوريا وإيران مبدأ الثلث المعطل في اتفاق الدوحة، الذي جاء بالرئيس سليمان “ممودرا” فترة رئاسته، التي أطاحت بالحريرية السياسية وبالأكثرية البرلمانية وبالحياد بين دول المنطقة، ليستفرد الحزب بمساندة النظام السوري عسكريا، بالرغم من اتفاق بعبدا الذي نقضه، كما كان فعل بطاولة الحوار يوم أعلن حرب 2006 .

وقبل انتهاء رئاسة سليمان، التي تململ اللبنانيون منها وقرروا انتخاب رئيس لا يقبل بسيطرة الحزب الإيراني على البلد، لم يسمح “الثلث المعطل” والرئيس بري باجراء انتخاب لرئيس جديد وعطلوا الانتخاب مدة سنتين. ولكنهم وقبل أن تجري الانتخابات الأميركية التي أتت بالرئيس ترامب، المناوئ لسياسة إيران التوسعية، قاموا بتمرير “اتفاق معراب” الذي أوصل الرئيس عون إلى سدة الحكم. والكل يعلم كم كانت مساوئ هذا الخيار الذي أوصل البلد إلى الحضيض وقضى على أموال اللبنانيين وأحلامهم. ولو أن اللبنانيين ترووا مدة شهرين بدون رئيس، كان يمكنهم الاستعانة بضغوط ترامب على إيران، ربما، لكي يتحرروا من سياسة القضم التي يتبعها حزب إيران ويطالبوا بتنفيذ القرارات الدولية، وخاصة 1559 التي تحررهم من هذه التبعية.

اليوم يقف العالم كله مشهدوها أمام تحرك الشارع الإيراني، وينتظر الكل أن ينهي الإيرانيون سيطرة الملالي على الحكم في البلاد والانتقال إلى نظام جديد يشبه أنظمة دول العالم يكف يد المتدخلين بشؤون الدول الأخرى، خاصة العراق ولبنان وسوريا واليمن، ويستعد للعودة إلى الحظيرة الدولية حيث يسعى لتطوير سبل العيش في بلده بدل صرف كل الطاقات لتنفيذ أحلام التوسع البائدة. في ظل هذا الحلم يسعى حزب الملالي في لبنان لتأخير انتخاب رئيس جديد لا يلتزم بقراراته، ويعمل على عودة لبنان إلى سكة التقدم والاصلاح والتحرر من قيود الفئوية والحروب الاقليمية والمذهبية والحقد والسلاح الذي يفرض عليه، ما يمنعه من الاستقرار والبناء.

ما نخشاه أن يتسرّع اللبنانيون اليوم، كما فعلوا سنة 2016، ويستدرجوا لانتخاب أي كان ارضاءً لحزب الملالي، واعطائه نفسا للاستمرار حتى ما بعد سقوط النظام في طهران. فاللغة التي يجاهر بها بعض الرموز الوطنية تحاول التخفيف من ولاء الحزب الإيراني للملالي وجعله مركب لبناني. وبدل الثورة عليه وعلى أسياده ومساندة الشعب الإيراني في ثورته ضدهم، وتأييد كل المناضلين لقلب الموازين واستعادة الاستقرار لبلدان الشرق الأوسط، لا بل اقامة السلام الدائم المرتكز على حق لبنان بسيادته واستقلاله وتنفيذ القرارات الدولية التي تحميه، ومطالبة دول العالم والمحيط بتبني حياد لبنان لكي نتخلص مرة واحدة من كل الآفات التي يصدّرها اي بلد مجاور أو بعيد يحاول أن يستغل سياسة الحرية في لبنان ليسعى بأي شكل لضرب استقراره ومنع شعبه من اللحاق بالركب العالمي، يحاولون اخراج نوع من الاتفاق الجديد الذي يعتبرونه حلاً وحيدا في هذه الظروف لتجنب الفراغ. وكأن ملء الفراغ هو هاجس اللبنانيين وليس الوضع المهترئ الذي أوصلنا إليه غياب السلطة وتفرد حزب إيران بالهيمنة عليها وحماية كل الفاسدين لتسقط الدولة ويسهل قيادتها بالرعاع بعد أن يهجرها أبناؤها البررة.

فيا ايها اللبنانيون خاصة النواب والاحزاب والكتل السياسية ورؤساء الطوائف وقادة الراي، لا تستعجلوا انتخاب رئيس “كيف ما كان”. فالمهم ليس المنصب ولا الكرسي، المهم هو البلد وحريته واستقراره وسيادته الكاملة على كل أراضيه وكل أبنائه. فلا تستغل فئة ولا شخص لاضعاف الاستقرار ومنع التطور ووقف الهدر تحت أية شعارات أو مبادئ… من انتظر ميشال عون ست سنوات يمكنه أن ينتظر ستة أشهر يسعى خلالها الكل لكسب تأييد العالم لتنفيذ القرارات الدولية ومنع استخدام لبنان كقاعدة للتخريب الداخلي والخارجي… ألفوا الوفود ودوروا على دول العالم.. دقوا الأبواب وطالبوا بمؤتمرات دولية لمساندة حرية لبنان واستقلاله وحياده.. فالعالم ينتظركم، والمستقبل الزاهر لن يكون بصفقة أخرى بين المحتل وفئة تعتقد بأن مصلحة البلد تتلخص بمصالحها الخاصة.. فلنكن على قدر المسؤولية، ولننطلق بكل قوة وتنظيم وتكامل مع الاغتراب صوب بلاد العالم الحر لكسب التأييد وتنفيذ القرارات التي تعيد الاستقلال وتمنحنا السيادة الكاملة. فبدون سيادة ووحدة السلطة لا مجال لقيام البلد، بل سيكون واحة أخرى للتخريب ومزبلة لدول المنطقة تلقى فيها كل المشاكل والعاهات ولا يشتهي أحد أن يزورها حتى ولا أبنائها.