رسالة الوزير السابق يوسف سلامه بمناسبة ذكرى الاستقلال: بعد أن أعطيتم إسرائيل الأمن الاقتصادي والحياتي على حدودها معنا، من غير العدل أن لا تطلبوا منها الالتزام بالسلام الكامل الذي وحده يعطي لبنان استقرارا اجتماعيا ويعيد له الأمل بالعودة إلى الزمن الجميل

127

النداء ما قبل الأخير:رسالة الوزير السابق يوسف سلامه بمناسبة ذكرى الاستقلال
أيها السادة، بعد أن أعطيتم إسرائيل الأمن الاقتصادي والحياتي على حدودها معنا، من غير العدل أن لا تطلبوا منها الالتزام بالسلام الكامل الذي وحده يعطي لبنان استقرارا اجتماعيا ويعيد له الأمل بالعودة إلى الزمن الجميل.
22 تشرين الثاني/2022

أيها اللبنانيون في الوطن والمهجر، أتوجه اليكم في ذكرى الاستقلال الذي نعمت بدفئه دولة لبنان الكبير خمسة عشرة عاما قبل أن يتحول إلى ذكرى وحلم ووجع ومحطة تأمل وطموح، وأصارحكم بالحقيقة الكاملة دون التفاف عليها أو تزوير لها، وأضعها في خدمة الطامحين إلى السلطة بعدما أصاب الفراغ كامل مؤسسات الدولة بالشكل أو بالمضمون.
أولا في الواقع،
خلال المئة سنة الأولى من عمر دولة لبنان الكبير فشلت دولتنا في ترسيم الحدود البحرية والبرية مع سوريا وعاشت في صراع خفي معها تلهث وراء سيادة مفقودة وعلاقات ندية حتى شارفت حدود الانهيار الشامل، إزاء هذا الواقع يتوجب على الشعب اللبناني من مختلف الطوائف والمذاهب أن يحسم أمره بالنسبة للفقرة المتعلقة بنهائية الكيان التي أقرتها وثيقة الوفاق الوطني ولم تلتزم بها حكومتا البلدين منذ إقرارها حتى اليوم، وأن يتوحد حول مفهوم واحد للوطن.
في المقابل وبموازاة ذلك، نشأت دولة إسرائيل منتصف القرن الماضي على قسم من أرض فلسطين فالتزم لبنان معها باتفاق هدنة لم يتعامل معه الطرفان بكفاءة ونضج ومسؤولية. نتج عن هذه الخفة في التعامل تخلفنا عن مواكبة المسار الدولي وعن فهمنا العميق للمسار الإقليمي المتحرك، فسقطنا في تجارب تسببت لنا بحروب دامية وأزمات متتالية دمرت ركائز الاقتصاد وأصابت رسالة لبنان وبنيته وكادت أن تقضي على ملامح هويته وكيانه. في هذا الوقت استثمرت إسرائيل في تفعيل الغرائز الطائفية والمذهبية الدفينة واستفادت من مناخ الشرزمة إلى أقصى الحدود، لدرجة أنها لم تكتفي بتثبيت وجودها على خريطة المنطقة فحسب، بل فرضت نفسها قوة مركزية على دول المحيط بعد إنجاز المصالحة مع كل من مصر والمغرب ومعظم دول الخليج والاردن ودولة فلسطين نفسها، أضف إلى ذلك أنها تتبادل علاقات مميزة مع تركيا أكبر دولة إسلامية على ساحل المتوسط، وحلفا استراتيجيا وتاريخيا مع بلاد فارس تجلى في العقود الأخيرة بفضيحة “ايرانغيت” التي أعطت إيران فرصة تفادي هزيمة مدوية كادت أن تطيح بثورتها خلال حرب العراق عليها.
ثانيا في الخطوط الخلفية،
إلى جانب اتفاقات السلام التي أبرمتها إسرائيل مع بعض الدول العربية فإنها أقامت ولا تزال تقيم علاقات سرية مع قادة وأحزاب وشخصيات من دول غير متصالحة معها بعد، منهم من تبوأ ويتبوأ مناصب رفيعة في لبنان ويفاخر بين الحين والآخر بإسقاط اتفاق ١٧ أيار الذي تبين أنه أعطى لبنان أكثر مما أعطاه الترسيم الحالي وأقل مما أعطاه اتفاق الهدنة. وفي هذا الاطار، نؤكد بالفم الملآن أن أي تواصل أو تعاطي سري يقوم بين مسؤول لبناني ومسؤول إسرائيلي، يصب في خانة العمالة ومرفوض من قبلنا احتراما لقدسية القانون ولحرمته، ولكن عندما لا يلبي القانون حاجات العصر، ومتطلبات المصلحة العامة، والمستجد في الداخل والمنطقة والعالم، وبعد موافقة الدولة اللبنانية على ترسيم الحدود البحرية للبنان مع إسرائيل وإبرامها معها اتفاقا رعاه المجتمع الدولي ومع تباري قادتنا في حفل من المزايدات حول مساهمتهم ودورهم في هندسة هذا التفاهم المشبوه أصلا، نرى من واجبنا أن ننبه إلى ضرورة إعادة النظر بقوانيننا لتتجاوب مع حاجة شعبنا بالحصول على الأمن والاستقرار والرخاء الاقتصادي. انطلاقا من هذه الوقائع نرى من غير المستحسن أن تظل السلطة الشرعية في لبنان أسيرة مناخ شعبوي وغوغائي، تتعامى عن الواقع المعاش، وعن موازين القوى الإقليمية والدولية الفاعلة والضاغطة وتختبئ وراء شعارات رنانة وبعيدة كل البعد عن مدرسة فن الممكن في علم السياسة والاجتماع، وتصر على معاداة إسرائيل جهارا والتواصل معها بالخفاء أو بالواسطة. وفي هذا الاطار نسأل بصدق كيف يحق لنا أن نلتزم ضمانة الأمن على حدودنا وحدودها ونحن ننظر إليها نظرة العداء؟
أيها “الشعبويون”
احترموا ذكاءنا، وامتلكوا جرأة الاعتراف بالواقع، واسمعوا صوت الحقيقة وهي تحدثكم، ” إن حروب الاستنزاف ضد إسرائيل بعد خروج مصر ودول الخليج من المواجهة، لن تسمح بتحرير كامل فلسطين يوما ولا حتى مزارع شبعا بل ستقضي على ما تبقى من معالم الدولة في كل من العراق وسوريا ولبنان الكبير”
وأضافت الحقيقة، “إن هذه الدول المصابة منذ نشأتها بمرض التعددية، لن تنجح بتحويل تعدديتها إلى غنى، ولن يسمح لها بالنهوض من جديد ولن تتمكن من الابتعاد عن باب جهنم الذي لامست أطرافه بفضل ثقافة العمالة لدى معظم حكامها ومسؤوليها وبفضل تغييب نخبها وغباء شعوبها، قبل أن تجد إسرائيل متنفسا شرعيا لها مع تلك الشعوب ومع كل المسؤولين على حد سواء”.
إن زمن التواصل السري مع إسرائيل قد خدم حتى الآن مصلحتها من جهة، ومصلحة الحكام والقادة والمسؤولين في هذه الدول من جهة ثانية، ودائما على حساب مصلحة الدولة العليا، لذلك نقترح أن يمتلك المسؤولون اللبنانيون الجرأة ويواجهوا إسرائيل بالسلام الانساني بمساعدة دولية كتلك التي تعاملت معنا في عملية الترسيم الآنفة الذكر، خدمة للوطن ولشعب لبنان.
أيها السادة، بعد أن أعطيتم إسرائيل الأمن الاقتصادي والحياتي على حدودها معنا، من غير العدل أن لا تطلبوا منها الالتزام بالسلام الكامل الذي وحده يعطي لبنان استقرارا اجتماعيا ويعيد له الأمل بالعودة إلى الزمن الجميل.