رياض قهوجي/كيف سيوثر اكتشاف النّفط والغاز في سياسة إسرائيل الدفاعيّة وحسابات “حزب الله” وأمن المنطقة

103

كيف سيوثر اكتشاف النّفط والغاز في سياسة إسرائيل الدفاعيّة وحسابات “حزب الله” وأمن المنطقة
رياض قهوجي/النهار العربي/29 تشرين الأول/2022

لا شك في أن اكتشاف حقول للنفط والغاز في دول شرق البحر المتوسط سيؤثر تأثيراً كبيراً في السياسات الدفاعية لهذه الدول ويغير نظرة القوى العظمى إليها. فالدول قبل اكتشاف النفط والغاز فيها تكون مقارباتها للأمور العسكرية والأمنية مختلفة عما بعدها، وذلك لسبب بسيط، وهو أن حجم خسائرها في البنية التحتية للنفط والغاز ستشكل عاملاً أساسياً في التحكم بقرارات الحرب والسّلم لديها. فالدول وشركات النفط الدولية ستستثمر الكثير من الأموال والوقت في التنقيب عن النفط والغاز، ومن ثم بناء منصات استخراجها وضخها إلى أماكن التخزين ومرافق الشحن الخاصة بها. وبالتالي سيتم بناء بنية تحتية كاملة بدءاً من الاستخراج وحتى التخزين والشحن، مع إمكان بناء مصاف للتكرير والضخ عبر أنابيب إلى الخارج، وتحديداً إلى أوروبا.
تقود إسرائيل ومصر دول المنطقة في عمليات التنقيب عن الغاز وتليها قبرص، فيما يستعد لبنان للبدء في ذلك في وقت، تنشط تركيا في حجز مكان لها في المناطق الاقتصادية المتنازع عليها، مع قبرص واليونان. ولا معلومات واضحة عن خطط الحكومة السورية في هذا الإطار. إلا أن هناك حماسة كبيرة لجميع دول شرق المتوسط للبحث عن النفط والغاز أمام سواحلها وفي مناطقها الاقتصادية، مع توقع العثور على كميات مهمة ستدعم اقتصادها وتجعلها محل اهتمام القوى العظمى.
تشير الدراسات إلى أن الدول عادة تفضل الحلول السلمية على تلك العسكرية في تقاسم حقول الطاقة الحدودية، إذ إن كلاً من الطرفين يريد الاستفادة الطويلة الأمد، ولا يريد أن يفوّت فرصة تأمين مدخول مالي مهم لخزينة الدولة، بخاصة في ظل أوضاع اقتصادية صعبة دولياً. ورغم أن الدول قد ترسل طائرات وسفناً حربية لترهيب الدول المجاورة عند النزاع الحدودي، إلا أن فور التأكد من وجود حقول للنفط والغاز، فإن المزاج يتغير لمصلحة إيجاد حلول سلمية توفر للطرفين فرصة الاستفادة منها. فالحرب ستكلف أموالاً كثيرة وتثني الشركات عن الاستثمار في أعمال التنقيب، وتؤدي إلى تفويت فرص اقتصادية مهمة.
اكتشاف المزيد من حقول النفط والغاز في إسرائيل سيؤثر تأثيراً كبيراً في سياسة الدفاع للدولة العبرية التي تعتمد استراتيجية ردع قائمة على شن حروب صغيرة بين حملات عسكرية كبيرة. فالحروب الصغيرة والمتمثلة اليوم في الغارات الجوية شبه الأسبوعية على مواقع تابعة للحرس الثوري الإيراني و”حزب الله” في سوريا قد تكون كافية لتحقيق أهداف إسرائيل بمنع هذه القوى من امتلاك أسلحة حديثة ونوعية، من دون الحاجة إلى شن حملة عسكرية كبيرة – أي حرب – تكون فيها منصات التنقيب ومحطات التخزين عرضة لصواريخ “حزب الله” والحرس الثوري ومسيّراتهما. وكلما زاد إنتاج النفط والغاز في إسرائيل سيزيد الدخل لخزينتها، ما يسمح لها بأن تستثمر أكثر في اقتصادها وتسعى أكثر لحل الخلافات مع جيرانها لتجنب الحروب.
طبعاً، التغيير في الذهنية الإسرائيلية مع تحولها أكثر فأكثر إلى دولة منتجة ومصدرة للطاقة لن يحدث بين ليلة وضحاها، بل سيأتي نتيجة ضغوط الدول والشركات الدولية التي ستساهم في الاستثمار في هذه الحقول والاستفادة منها. كما أن لوبي النفط والغاز في إسرائيل سيدعم الأحزاب التي ستسعى إلى الحلول السلمية مع جيرانها وتجنب الحرب، ما سيعزز قوة أحزاب اليسار والوسط. وقد تشعر الحركة الصهيونية بالتهديد من تقدم المصالح الاقتصادية والمالية على البعد العقائدي في السياسة الخارجية والأمنية للدولة العبرية. لذلك، من المرجح أن تشهد الساحة السياسة الإسرائيلية المزيد من الانقسامات والتطورات في المستقبل القريب والمتوسط، مع تزايد اكتشافات النفط والغاز وتحولها مصدر دخل أساسياً للدولة ومصدراً مهماً إلى أوروبا.
يشكل المسعى الفرنسي-الأميركي المشترك لإنجاح اتفاقية ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل مؤشراً إلى مرحلة جديدة ستشهدها المنطقة، يكون للدبلوماسية فيها دور أساسي في التوسط لحل الخلافات الحدودية لتمكين شركات النفط الدولية، وتحديداً العربية والإقليمية، من البحث والتنقيب عن النفط والغاز لتوفير حاجة القارة الأوروبية وتخفيف أو وقف اعتمادها على روسيا. ويبدو أن “حزب الله” الذي بات يستفيد كثيراً من موارد الدولة بعد تنامي نفوذه داخل أروقة السلطة، يجد مصلحة في تسهيل عمليات البحث والتنقيب عن النفط والغاز الذي سيوفر دخلاً للدولة والسلطة الحاكمة سوية، إذ إنه سيخفف من الأعباء الكبيرة على المواطنين ويساهم برفع العزلة التي فرضتها واشنطن على الاقتصاد اللبناني وبعض قياداته المنتمية إلى محور الممانعة. ولا يبدو أن إيران تمانع من أن يستفيد “حزب الله” ولبنان اقتصادياً، بل إنها قد ترى في ذلك وسيلة لجعل لبنان ورقة أكثر أهمية أو أعلى سعراً في يدها.
وستظهر الأشهر المقبلة مدى انفتاح “حزب الله” وتأثر سياساته في تطور الأوضاع في ما يخص التنقيب عن الغاز والنفط أمام السواحل اللبنانية أو على أراضيه من قبل الشركات الأوروبية. فشركات النفط سترسل العشرات من موظفيها للإقامة في لبنان، كما ستقوم ببناء منصات تنقيب واستخراج النفط والغاز فور اكتشافه. ورغم أنها عملية سيتطلب تحقيقها بضع سنوات إلا أنها ستحتاج لمجهود بشري يحتم وجود موظفي هذه الشركات وسفن التنقيب في لبنان ومياهه. توفر الأمن والسلامة شرط أساسي لهذه الشركات للحضور بهذا الشكل في لبنان – براً وبحراً – وهذا سيأتي بضمانات من “حزب الله” ومن تجهيز القوات المسلحة اللبنانية، بما تحتاجه من قطع بحرية وطائرات مروحية لمهام الحماية والبحث والإنقاذ.
قد يبدو تأثير النفط والغاز في مصير لبنان محدوداً اليوم بسبب عدم معرفة ما هو موجود فعلاً في قعر البحر في البلوكات الاثني عشر أمام سواحله. إلا أن الاهتمام الدولي بالتنقيب عنهما (النفط والغاز) نظراً إلى ارتفاع أسعارهما وحاجة أوروبا لهما سيشكل ديناميكية ستؤثر حتماً في الانتخابات الرئاسية وتركيبة الحكومة المقبلة للبنان وأداء “حزب الله” وباقي أحزاب السلطة.
وحتى اللحظة يبدو أن قطر هي أكثر طرف عربي اندفاعاً للعب دور في عملية التنقيب عن الغاز والنفط في لبنان، مع ترقب داخلي لبناني لدور أطراف عربية أخرى مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.
يبقى أمام لبنان تحدي ترسيم حدوده مع سوريا، والذي قد تؤثر فيه الخلافات الأميركية-الروسية. كما ستكون القيادات اللبنانية أمام تحدي كيفية الاستفادة من هذه الثروات عند العثور عليها واستخراجها ليستفيد منها الشعب وتعوضه عما خسره من ودائع في المصارف وتحوله إلى دولة ثرية دون مشكلات اقتصادية. لكن تاريخ هذه القيادات غير مشجع. فهل تضغط القوى الخارجية لظهور قيادات جديدة أكثر كفاءة؟ وهل سيحاول “حزب الله” الاستفادة من هذه الثروات مستقبلاً لتعزيز قدراته العسكرية وتقوية دويلته، أم ستعمل القوى الخارجية على منع ذلك أو الحد منه؟ هل ستؤدي اكتشافات النفط والغاز إلى ظهور لوبي اقتصادي قوي عابر للطوائف يؤدي إلى حل موضوع سلاح “حزب الله” وبناء سياسة دفاعية جيدة للبنان؟ المال يغير الأحوال، فهل تنطبق المقولة على لبنان والمنطقة؟ كل شيء وارد، ولكن حتى حينه تبقى القوى العقائدية المتشددة نشطة لضرب فرص التسوية والاستقرار في لبنان والمنطقة.