الياس الزغبي/من “طابور طروادة” إلى الإسخريوطي

83

من “طابور طروادة” إلى الإسخريوطي
الياس الزغبي/فايسبوك/25 تشرين الأول/2022

لم يكن “عهد حزب اللّه” مضطراً للتسرّع بدعسة ناقصة خلال أيامه الأخيرة، في مسألة الترسيم البحري مع سوريا، نزولاً عند تلهّف مستشاريه وورثته في محاولتهم استلحاق “إنجازات” فاتتهم على مدى ٦ سنوات. كان على هذا “العهد” وبطانته أن يدركا سلفاً عمق الرفض المزمن لدى النظام السوري الاعتراف بحدود لبنان كدولة مستقلة، وعقيدته الجامدة في اعتباره محافظة مسلوخة عن “سورياه”، فكيف الحال وهناك محافظات في الشرق والشمال سُلخت منه، وهو يحتاج إلى تعويض وتمدد نحو “الغرب اللبناني”، وفتح الميادين وتوحيدها بدل ترسيم حدودها وضبط فلتانها. وكان عليه أيضاً ألّا يتجاهل مصلحة روسيا في شرق المتوسّط والشاطئ السوري، خصوصاً مع الغضب المكتوم لدى موسكو من مراوغات بعبدا تجاه حرب أوكرانيا ومسايراتها لواشنطن في أكثر من ملف.

كما كان على “العهد” نفسه، وهو يعاني سكرة احتضاره، أن يتنبّه ل”عقيدة” شقّه التوأم في ذاك “التفاهم” السيّء الذكر، والتي ترفض الاعتراف بحدود وسدود داخل “محور الممانعة”، وتخطط لإقامة فرع ل”الجمهورية الإسلامية” في لبنان، وقد تواطأ مع النظام السوري، منذ خروج جيش الاحتلال الإسرائيلي سنة ٢٠٠٠ من الجنوب، على استخدام شمّاعة مزارع شبعا للاحتفاظ بسلاحه، والحفاظ على الحدود اللبنانية البرية غامضة وسائبة، تحت رضى بعبدا وسكوتها وتسليمها المريب. ولا غرابة في هذين السكوت والتسليم، طالما أنها وقّعت في ٦ شباط ٢٠٠٦، وبعيون مفتوحة، على نصّ “يقدّس” سلاح “حزب اللّه”، ويُطلقه في لبنان والمنطقة إلى أمد غير منظور.

وكان على “العهد” مع بطانته أن يدرك حجمه وحدوده لدى راعيَيه الضاحية ودمشق، خصوصاً عشية رحيله وتقلّص قدرته على خدمتهما. ويصحّ هنا نقل جانب من اتصال و”حوار عتب” بين بعبدا وقصر المهاجرين في دمشق، على ذمّة أحد أهل البطانة:
“- لماذا تعاملتم معنا بهذا الشكل وخذلتم وفدنا للترسيم وتحقيق نقطة لمصلحتنا، فهل نسيتم كم بذلنا من أجلكم على مدى ١٧ عاماً، وخسرنا أكثر من نصف شعبيتنا بسبب ارتباطنا بكم؟
– تمام، فعلنا ذلك لأنكم خسرتم شعبيتكم، فبماذا تستطيعون خدمتنا بعد الآن؟
… طلبكم مو مناسب!”
وسواءٌ صحّت هذه التسريبة أو لم تصحّ، فإن بؤس العمل السياسي في الهزيع الأخير ل”العهد” يؤكد مضمون “الاتصال”، ويضاعف انكشافه، ولا تستطيع ستر عريه لا التراسيم ولا المراسيم، ولا الأوسمة الهاطلة بالعشرات على من يستحق ومن لا يستحق.
في الواقع، إنه دائماً مصير المسار الخاطئ والمتعرّج، وإنها خاتمة أي علاقة غير سليمة بين تابع ومتبوع.
هي حقيقة كونية سجّلها تاريخ العلاقات بين الأمم والشعوب، وباتت معروفة تارةً باسم “الطابور الخامس” منذ خدعة حصان طروادة… وتارةً أخرى باسم الإسخريوطية!