مهى عون/ملف العسكريين المخطوفين من لبناني إلى إقليمي

312

ملف العسكريين المخطوفين من لبناني إلى إقليمي

مهى عون/السياسة 31.12.14

ما زالت قضية العسكريين اللبنانيين المخطوفين تراوح مكانها وتتفاعل ببطء بين أخذ ورد ومشاورات وزيارات ونصائح من غير فائدة تذكر. ولعل التعتيم الإعلامي والتكتم حول كل ما يمت لهذا الموضوع بصلة, والذي دعا إليه أكثر من مسؤول سياسي في لبنان, كان آخرهم الرئيس تمام سلام, هو الذي ساهم في انخفاض حدة التصعيد الإعلامي حول الموضوع من جهة, ومن جهة أخرى زاد من الضبابية التي تغلفه منذ البداية. لكن رغم إفلاح التعتيم والتكتم هذا في خلق جو من التبريد المصطنع حول هذا الملف العالق, يظل الأمر غير المؤكد وغير القابل للاستشراف هو نوعية ردة الفعل على هذا التبريد المفتعل عند الجهات الخاطفة من ناحية, التي حملتهم على تخفيض حدة خطابهم وتهديداتهم المتواصلة. وفيما لا يستبعد بعض المراقبين تحول هذا الملف تفجيرياً للساحة الداخلية في لبنان في حال تم تنفيذ المسلحين أي إعدام آخر, لا تزال الأطراف الخارجية المعنية بقضايا الشرق الأوسط عموما , مثل تركيا وقطر وغيرهما, تلتزم جانب النأي بالنفس عن التدخل الإيجابي لدرء حصول تطورات درامية قد يكون لها وقع سلبي على هيكلية الكيان اللبناني كلاً, وهي -أي هذه الدول التي مارست دور الوساطة في بداية هذا الحدث وعادت عنه اليوم- تفعل ذلك على خلفية يقينها بأن الملف لم يعد في عهدة الدولة اللبنانية, كما لم يعد في يد المسلحين أنفسهم, الذين باتوا هم أيضاً رهينة التطورات الإقليمية. قد لا يعني ذلك أن الأمور أصبحت في مهب الريح بالكامل, لكن الأمر الأكيد هو أنها ممسوكة جيداً ومسيطر عليها جيداً من قبل أطراف لها علاقة مباشرة بالبازارات والمزايدات الإقليمية. ولكن, وبما أن “الجمرة لا تكوي سوى مطرحها (مكانها)” ـ كما يقال- فإن أهالي المخطوفين ليسوا معنيين بكل هذه الخلفيات الإقليمية التي باتت تختطف ملف أولادهم, لذا رأيناهم يحاولون جاهدين طرْق أبواب كل الزعامات اللبنانية لتوسل تدخلهم بطريقة ما والمساهمة في حل قضيتهم. لكن الملفت يبقى تحفُّظهم عن زيارة الطرف الوحيد الذي تمكن من استرجاع أحد محتجزيه لدى المسلحين, أي “حزب الله” رغم موقفه الممانع حيال مبدأ المقايضة بالمطلق, كل هذا في ظل صمت الدولة اللبنانية وعدم تقديمها حتى الساعة أي أعذار أو مبررات بخصوص تلكؤها وتأخرها عن تحريك أو تسريع آلية محاكمة الموقوفين في سجن رومية, الذين طال مكوثهم لفترة تتجاوز 12 سنة, ولا أيضاً بخصوص إطلاق سراح زوجات القياديين في جبهة النصرة و”داعش”, وهو الشرط الذي يطالب به هؤلاء قبل بدء أي مفاوضات. يبقى أنه وفقا لمصادر رسمية لبنانية, لا يمكن للحكومة أن تقايض المخطوفين بموقوفين بتهم الإرهاب, أو تقع تحت هذا الضغط الذي قد تستغله مجموعات إرهابية أخرى في المستقبل في تعمدها خطف عسكريين جدد لمقايضتهم بموقوفين في السجون اللبنانية.

والجدير بالذكر هو أنه وبعد انسحاب هيئة علماء المسلمين من التفاوض, ازداد الملف تعقيداً, علماً أن أفراداً من الهيئة لا يزالون مستمرين في المفاوضات ولكن بصفة شخصية. في كل الأحوال لا بد من طرح السؤال حول الجهات المستفيدة من شل عملية التفاوض وصولاً لجعل هذا الملف عالقاً. ومما لا شك فيه أن الجواب هو في حوزة كل طرف يريد نسف النظام اللبناني عن بكرة أبيه, فكل مماطلة وتسويف وتأخير في إحراز أي تقدم في هذا الملف يشرع الأبواب أمام حمل المسلحين على ارتكاب جريمة إضافية في حق عسكريين جدد, ما قد يساهم في زعزعة ودك ركائز النظام اللبناني المتهاوي أصلاً من كثرة تفاعل عوامل الفساد في داخله, وذلك على الرغم من محاولات الوزير أبو فاعور الحثيثة لتدعيمه, على خلفية سعيه لإظهاره بمظهر النظام المتكامل والقائم على رعاية شؤون المواطنين وشجونهم ومكافحة الفساد والتلوث الغذائي وسواه. وفيما يذكر بعض المصادر أن مطالب “داعش” لا تزال كما هي, أي كل جندي مخطوف بـ10 سجناء من رومية, فكل المؤشرات باتت تدل اليوم على أن قرار الحكومة اللبنانية لم يعد في يدها, من حيث إطلاق أو عدم إطلاق سراح المسجونين في سياق أي عملية للمقايضة, بسبب تحولها مجرد لاعب ثانوي أو كومبارس في هذه العملية الشائكة. وقد لا يكون مستبعداً تحول هذا الملف برمته ورقةً في عملية التفاوض على قضايا إقليمية يأتي في مقدمها عملية التجاذب القائمة حالياً حول مصير النظام السوري, ففي حال ذهب “داعش” للإفراج عن المخطوفين, فذلك قد يأتي على خلفية احتمالين: إما من طريق المثول لإرادة الدولة التي تمولها, ما سوف يترجم على الساحة اللبنانية بقبول الدولة اللبنانية مبدأ المقايضة, بمعنى رفع حظر “حزب الله” عن هذا الأمر, أو ربما يكون ذلك في سياق الرضوخ لتدخل عسكري من قبل النظام السوري في جرود عرسال. لكن الجدير بالذكر هو أنه في كلتا الحالتين, فإن ذلك سوف يؤدي إلى النتيجة ذاتها, أي تعزيز حظوظ “حزب الله” في السيطرة والهيمنة الإضافية على الداخل اللبناني, فهو إن قبل بعملية التفاوض أو ساهم في تسهيل تدخل النظام السوري في جرود عرسال, سوف يكسب رضى أهالي المخطوفين وتأييدهم, وبالتالي رضى معظم شرائح الشعب اللبناني المجندة والمتعاطفة مع قضية هؤلاء الأهالي.

ولكن يبقى التساؤل حول نسبة حظوظ الترجمة الفعلية الميدانية لأحد من هذين السيناريوين, ربطاً بالنوايا الإقليمية وتزكية دور “حزب الله” في لبنان. بالمختصر, يمكن القول إنه في غياب قدرة الدولة اللبنانية وأجهزتها على التحكم والبت بمصير هذا الملف, وبما أنها تحولت مجرد مراقب, أو مطابقة للتوصيف الذي أطلقه رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع أمام أهالي المخطوفين عن عندما زاروه في قوله إن الدولة اللبنانية هي “أسيرة” هذا الملف أسوة بالعسكريين المخطوفين وأهاليهم, فهذا الشلل والعجز قد يحملان على الظن أنه ربما هكذا يُراد لها أن تكون هكذا إلى حين تتغير المعطيات الخارجية أو نضوج الطبخة الدولية- الإقليمية, كأن يتم لي ذراع موسكو لحملها على القبول بالتخلي عن نظام بشار الحليف. وإذا كانت لبعض الدول العربية حساباتها الخاصة في عدم ترك قضية أهل السنة في مهب الريح في لبنان, فلـ”حزب الله” حساباته الإقليمية أيضاً التي تديرها موسكو إلى حد بعيد. ونعود إلى نقطة الصفر وإلى نوعية التجاذبات والصراعات المعهودة ذاتها على الساحة اللبنانية, التي ما فتئت تقدم الأرض الخصبة لنمو واستحكام هذا النوع من النزاعات, إن لم نقل تصفية الحسابات. كاتبة لبنانية