الكولونيل شربل بركات: البغضة بالقرايب والحسد بالجيران

248

“البغضة بالقرايب والحسد بالجيران”
الكولونيل شربل بركات/14 تشرين الأول/2022

ونحنا زغار كانت الأمثال دايما تحكي عن كل شي، ولكل حركة منعملا أو شغلة بتمرق قدامنا في متل حافظينوا الناس وبيرددوه. وواحد من هالامثال هاللي كتير سمعناها بيقول “البغضة بالقرايب والحسد بالجيران”. وإذا كانوا القرايب بيبغضوا بعضن بسبب الأنانية، فالحسد أكيد بيفرخ بين الجيران وبياخد مداه.

بتذكر بكتاب اسمو “احاديث القرية” أو يمكن “أقزام جبابرة” لمارون عبود الكاتب المهضوم بخبرياتو عن الضيعة، وهاللي خلينا نحفظ كتير من الأمور المتعلقة بحياتنا وحياة الضيع وعلاقات ولادها ببعضن، ونفتخر انو نحنا من ضيعة متل ضيعة مارون عبود فيها نفس المشاكل ونفس الأشيا الحلوة. واحدة من هالقصص بالكتاب كانت تحكي عن جارين، مش متذكر اساميهن، كل واحد زارع شجرة بأرضو على الحد بينو بين جارو. ومتل ما منعرف أهمية الأرض عند هالفلاحين، بيعترض واحد منن على جارو انو شجرة جارو عم تفيي على أرضو ومش عم تخلي الخضرا تنمى ولازم يقصها. والجار بيتشبص بحقو، ويمكن بينو وبين نفسو بينبسط أنو شجرتو عم بتضر بهالجار المقت. وبعد محاولات الاقناع، هاللي ما بتخلى من التهديد، بقرر الجار المزعوج من الشجرة انه يبحش بأرضو ويقصلها شروشها بلكي بتوبس، لأنها اكيد عم تاخد غلتها من أرضو. وهيك بيبلش بحش، وشوي وشوي بيوصل لمستوى الجذور. انما بعد ما ينضف حولها بيلاحظ انو في من هالجذور جايي من عند جارو أكيد، انما كمان في منها رايحة من شجرتو لعند الجار. وهالجذور قد مهيي كتيرة ومخلوطة ببعضها ما عاد يعرف مين رايحة على أرض جارو ومين جايي من عندو. وهيك بيوقف حفر وبيروح ينادي على جارو ويفرجيه شو عاملي الجذور تبع شجراتن تحت الأرض وكيف أنن تنينهن عم ياكلوا من أرض الغير بدون مشاكل وعايشين مع بعض ومتداخلة جذورن لدرجة ما فينا نفرقن عن بعض. وبيتأملوا الجارين بهالمنظر وبيقولوا لبعضن شايف كيف لازم يكونوا الجيران متعاونين لخير بعضن ومصالحهن متداخلة. ونحنا اذا شجراتنا بتفهم أكتر منا وين مصلحتها، على القليلة هيك علمونا انو الجيران بدل ما يتقاتلوا ويتنافسوا ويبغضوا بعضن، عندن اشيا كتير يتقاسموها ويتكاملوا بالتعاون بدل المقاتلة.

هالخبرية بتنطبق على الجارين لبنان واسرائيل، قديش ربينا حقد وقديش بعد في مين عم يربي ويزيد، ويتمرجل ويتشاوف بقوتو وبسلاحو. واحد بدو يهجّر الجيران وواحد بدو يدمر العمران، ومش عارف انو السعي للدمار الو وجهين، و”توازن الرعب” ما بيجيب إلا الرعب، والتشاوف بالقوة ما بينتج إلا الخوف والتحسب وزيادة تكديس الأسلحة وتسكير البواب ومنع أي نوع من التعاون. بقولوا انو اسرائيل لما ما عاد في دولة بلبنان جربت تعطي لجيرانها الشيعة، اللي هني أكترية سكان الجنوب، انتصار تيكون الهن دور أكبر بحكم البلد وما يعودوا خايفين على مستقبلهن ودايرين عا كل مين ببين قوي بالمنطقة تيمشوا وراه. وهيك عطيتن انسحاب سنة الألفين بدون ما تسأل، حتى عن حلفائها بهالمنطقة الزغيري، هاللي كانوا جربوا يحافظوا على الجيرة ويمنعوا التعدي من الميلتين. وما اشترطت ولا انتظرت تيصير في دولة مسؤولة تتسلم الحدود. اتكلت على انو هالجماعة، بما انن ولاد المنطقة، لازم يفهموا بالأخير انو مصلحتهن يكونوا جيران يحافظوا على بيت جارهن تيقدروا يبقوا عايشين بكرامتهن ببيوتهن. هل الأمور بهالبساطة؟ والا في غايات تاني ما منعرفها؟.. وشو دور التاريخ العتيق والتفاهمات هاللي مبيني كأنها حروب وهيي ما بتتعدى تقاسم المغانم وتوزيع الحصص؟.. ما فينا نجزم.. خلي الأيام تبقى تفسّر أكتر لأنو بالأخير كل مكتوم بدو يبان.

نفس الموضوع بينطبق على قصة الثروات الطبيعية، أكيد هون منشوف قصة مارون عبود أوضح لأنو عم نحكي عن مصالح مشتركة بين الجيران تحت المي، يعني مش مبيني، متل ما كانت مصالح هالفلاحين هاللي بتقول انو، ولو كانوا بعدن الجيران بعاد عن التعقل والاتزان وتهذيب النفس على العيش مع الآخر بطريقة حبية، انما جذور شجراتن مظبطين حالن وعايشين مع بعض وعم يتعاونوا ويقسموا رزقن بدون جميلة. والهيئة الخير بيضل يكفي للكل.

الاتفاق بين الجيران، يعني دولة الشيعة ودولة اليهود، مش جديد، والظاهر كل المراجل والهوبرة حكي من هونيك ومن هون، والله يستر شو في مخبى. والا شو هاللي مخلي الملالي يحكموا كل هالبلاد وهالعباد ويرجّعوا العالم شي الفين سني لورا، يعني لأيام كسرى أذا ما بدنا نزيد شي سبعمية بعد ونوصل لايام قوروش؟ ما هني اليهود كمان رجعونا لأيام سليمان يعني قبل قوروش بخمسمية، سنة شو الفرق؟ والا العرب أحسن؟ مهني كمان بيوعو كسرى؟.. الأكيد انو الكل خير وبركة؟..

التاريخ مخربط، في طلعات ونزلات، وكل واحد بفرجي هاللي بدو ياه وبيشد على مشدو تيبين أنو الو حق أكتر من غيرو. ويوم هاللي منحلم بايام الماضي ومجد الانتصارات ما منعود نفكر بواقعيي، وهيك بتخرب الأمور وبتضيع الاهداف وبتتشتت الافكار وما حدا بيعود يعرف وين الصح ووين الغلط…

الله يمرق هالايام على خير ويخفف من ظلم الناس. وأهم شي انو ما حدا يحلم انو بعد بهالمرحلة في حقوق للشعوب ومساواة وهيك حكي، لأنو الهيئة هيدي مرحلة أحلام أمبراطورية فيها ظالم ومظلوم، وما حدا بيعرف مين بالآخر بدو يهدي أكتر؛ الظالم هاللي مفتكر حالو راح يبقى منتصر، والا المظلوم هاللي يمكن اذا عرف كيف يمرّق العاصفة بأقل ضرر يقدر يكفي أكتر من غيرو؟..

هون أكيد ما عدتو تفهمو عليي لأنو الظاهر ما حدا فهمان عا حدا بهالمعمعة. المهم انو يبقى في جيران يتعاونوا بدل ما يختلفوا. بالنتيجة ما حدا باقي بقوتو، وكل ما تجبّرنا راح يجي مين هوي متجبّر أكتر منا، وكأنو الشر بيتغذى من بعضو متل ما الخير كمان بيتغذى من الخير.

راح نترككن على أمل أنو شي مَثل بتعرفوه يبقى يفسر حالتنا. شو رايكن بهاللي بيقول: “ما في شجرة وصلت لعند ربها”؟ والا “الظالم سيبلى بأظلم”؟ ما بعرف، كل هاللي فينا نقولوا: الله يمرّق هالايام الصعبة على الكل. ويمكن هاللي بيعزي يكون أنو “الصبر مفتاح الفرج”؟.. ما دامها كلها أمثال بأمثال؟..