دنيز عطالله/الفاتيكان حاضر في التفاصيل اللبنانية والاصلاح يشمل كنائس لبنان

91

الفاتيكان حاضر في التفاصيل اللبنانية والاصلاح يشمل كنائس لبنان
دنيز عطالله/موقع المدن/08 تشرين الأول/2022

يتناسى كثر من اللبنانيين عند الحديث عن الفاتيكان بأنها كنيسة ودولة. يتعاطى كاثوليك لبنان معها وكأنهم محور اهتمامها الوحيد، في حين أنها ككنيسة مسؤولة عن أكثر من مليار كاثوليكي في العالم. لا يتعارض ذلك مع مكانة خاصة للكنائس الشرقية عموما، والكنيسة المارونية خصوصاً، في “الوجدان” الفاتيكاني. لذلك أسبابه المتعددة؛ منها ما يغور عميقاً في التاريخ، ومنها ما يتصل بمستقبل الكنيسة وحضورها في الشرق والعالم. تتابع الفاتيكان أوضاع لبنان عن كثب، ليس فقط من خلال السفارة البابوية والكنائس والرهبانيات الذين يزودونها بالتفاصيل بشكل شبه يومي، إنما أيضاً، من خلال شبكة علاقات لبنانية ودولية واسعة.

سفير يعرف لبنان
ياتي تعيين المونسنيور باولو بورجيا (56 عاما) سفيراً بابوياً للبنان خلفاً للمونسنيور جوزف سبيتيري، في سياق حرص البابا فرنسيس على أن يكون السفير الجديد على معرفة جيدة بلبنان. فبورجيا سبق ان خدم في لبنان الى جانب السفير البابوي السابق غابريال كاتشيا كمستشار أول في السفارة البابوية منذ العام 2010 حتى 2013. فالظروف لا تتيح فترة سماح للتعرف والإكتساب. اضافة إلى معرفته لبنان ، يعرف بورجيا الفاتيكان جيدا ويعرف ان مساراً شاقا من “الاصلاح” يحاول البابا فرنسيس تكريسه ويترجم “في الشفافية المالية والادارية وفي كشف ومحاسبة كل التجاوزات والارتكابات التي تسيء إلى الكنيسة “، وفق ما يؤكد أحد المسؤولين الكنسيين. يضيف جازما “الكنيسة، وهي المؤسسة الأقدم في العالم، لا تحبذ الانقلابات. تعمل بهدي الروح القدس على التغيير والتحسين ومعالجة الأخطاء ووضع قوانين صارمة لعدم تكرارها، بعد محاسبة مرتكبيها”. يأتي بورجيا إلى لبنانَ مختلفٍ عن الذي غادره عام 2013. فالبلد الصغير يرزح اليوم تحت ثقل أزمة اقتصادية، اجتماعية ومالية غير مسبوقة دفعت بكثير من شبابه إلى الهجرة. وهذه كلها “تحديات كبيرة أمام الكنائس المحلية وأمام الفاتيكان الذي،على عادته، يعمل كل ما في وسعه لمدّ يد العون”.

كاريتاس والفقراء الجدد
يؤكد رئيس رابطة كاريتاس الأب ميشال عبود لـ “المدن” أن “الفاتيكان يتابع بدقة الواقع اللبناني وهو جنّد طاقاته للمساعدة العملية منذ الأيام الأولى لبدء الانهيار. وفي لفتة استثنائية خصص البابا في الاول من تموز 2021 يوماً بكامله للبنان في لقاء جمع كل رؤساء الكنائس الكاثوليكية والأرثوذكسية. وقد وجه يومها نداء إلى كل المؤسسات الكنسية في العالم طالباً منها مساعدة المؤسسات الكنسية في لبنان لتبقى إلى جانب شعبها”. ويشير عبود إلى أن “التفاعل مع هذا النداء كان كبيراً. تلقينا إثره مليون يورو من مجلس الأساقفة في ايطاليا، كما تلقينا مساعدات من عدّة كنائس في العالم، إضافة طبعا إلى مساعدات من الكاريتاسات-الشقيقة في العالم.” يكشف عبود أن “المساعدات التي تتلقاها كاريتاس قد زادت ولكنها لم تعد تكفي بعد أن ارتفع معدل الفقر في لبنان وصار لدينا فقراء جدد نبقى عاجزين عن مساعدتهم”.

تقدم كاريتاس، وفق عبود، “ما بين 900 الف إلى مليون خدمة سنويا. تتوزع هذه “الخدمات على الطبابة، الأدوية، مساعدات غذائية، مساعدة في ترميم منزل، مساعدة مالية وغيرها”. عام 2020 دفعت كاريتاس 34 مليون دولار، ذهب قسم كبير منها للمساعدة في إعادة ترميم المنازل بعد انفجار المرفأ. عام 2021 دفعت 22 مليون دولار”ومع ذلك نبقى مقصّرين وعاجزين ولدينا 400 الف طلب مساعدة لم نستطع تلبيتها”، يقول عبود. وهل كاريتاس -وهي الذراع الاجتماعية للكنيسة والبابا يرأس شخصيا كاريتاس العالمية- هي الجهة الوحيدة التي تتلقى المساعدة من الفاتيكان؟ يجيب عبود بالنفي مؤكدا”ان مساعدات الفاتيكان متنوعة ومن خلال قنوات كنسية متعددة منها المدارس والمستشفيات والكنائس وغيرها”.

البابا يتبرع
في هذا السياق لا بد من التذكير بمبادرة للبابا فرنسيس لها رمزيتها. فعام 2020 أعلن المكتب الاعلامي للكرسي الرسولي عن إرسال البابا مبلغ 200 ألف دولار أميركي، من صندوقه الخاص، الى السفارة البابوية، من أجل دعم 400 منحة دراسية”. يقول أحد المسؤولين الكنسيين المقيم في روما، “ان هذا التبرع والاعلان عنه له دلالاته. أراد البابا من خلاله أن يدعو جميع رؤساء الكنائس والمؤسسات الكنسية إلى حذو خطوته. وهو ما لم يحصل مع الأسف”.

ملاحظات الفاتيكان
إلى أي مدى اثّر ذلك على نظرة الفاتيكان إلى الكنائس في لبنان؟ يجيب المسؤول”لا ترتبط هذه النظرة بفعل واحد . هي تراكم تاريخي في العلاقة مبني على مشتركات إيمانية كثيرة. أما الملاحظات فهي من باب الحرص على إزالة كل الشوائب عن جسد الكنيسة. فالفاتيكان مثلا، خصوصاً مع البابا فرنسيس، له بعض الملاحظات على مظاهر البحبوحة، وحتى البذخ، لدى عدد من الاكليروس. كما له ملاحظات على الشفافية في بعض المؤسسات الكنسية، وهو يدفع في اتجاه الشفافية المطلقة على كل المستويات. وبالتالي توقعاته وانتظاراته دائما اكبر مما هو سائد”.

مساعدات بأرقام كبيرة
لا ينفي مسؤول كنسي “وجود بعض الملاحظات على اداء الكنيسة وحجم مساعداتها. في النهاية الكنيسة مؤلفة من مجموعة أفراد ، اكليروس وعلمانيين، وهم بشر ويخطئون. تعتبر الكنيسة ان من واجبها الوقوف إلى جانب شعبها من دون الإعلان لان ذلك من صلب دورها. ونحن نتفهم أن الحاجات اليوم أكبر من القدرات وبالتالي تزداد شكاوى الناس”. يضيف “من باب العلم فقط ، عام 2020 ساعدت الكنيسة المارونية وحدها 33.456 شخصا بقيمة مالية تقدر بـ 71 مليارا و 585 مليون ل.ل. أي حوالي 47.2 مليون دولار أميركي ، بحسب سعر الصرف الرسمي يومها. وهي تؤمن فرص عمل في مؤسساتها لـ 18.870 عائلة يتقاضون سنويا 430 مليارا و73 مليون ل.ل. أي 283.8 مليون دولار أميركي، بمعدل الراتب 1253 دولارا شهريا”. يؤكد المسؤول أن “ان الكنيسة المحلية تحرص على مبدا الشفافية في كل أعمالها وهو، بالتأكيد مطلب فاتيكاني، لكنه قبل ذلك واجب ضميري وأخلاقي وقناعة إيمانية”

يسوع ومريم كانا لاجئين
اضافة إلى كل التحديات التي تعيشها الكنائس اليوم ، جاء عبء النزوح وازماته ليضيف تحديات جديدة. فموقف البابا فرنسيس حاسم في هذا المجال في الدفاع عن اللاجئين والفقراء ووجوب تشريع الأبواب لهم في كل العالم. وقد بذلت الكنائس المحلية، تحديدا المارونية، جهداً كبيراً لتوضيح “العبء الذي يشكله النزوح السوري على لبنان واقتصاده وديموغرافيته ومستقبله. وبعد جهد كبير لقي موقفها تفهما لدى الفاتيكان”. ذلك لا يمنع أن تكون كاريتاس إحدى المؤسسات التي تهتم بمساعدة اللاجئين على اختلاف جنسياتهم.

يقول الاب عبود “نحن صلة وصل بين جمعيات أممية تثق بنا، وبين اللاجئين. نساعدهم من منطلق إنساني إيماني أولا. فيسوع ومريم ويوسف كانوا لاجئين إلى مصر لـ 12 عاما. ابناؤنا لاجئون في كل دول العالم. ثم أن مساعدتهم تحمي من التفلت الامني والاجتماعي. فلن يبقى كل الآباء مسالمون إذا جاع أبناؤهم”. يضيف “ينتقدنا كثر ممن نعجز عن مساعدتهم ويعيروننا بأننا نساعد الغرباء، لكنهم لا يعرفون أننا نلتزم واحدة من أعلى معايير الشفافية بالالتزام بتقديم المساعدات المحددة الأهداف من الجهات المانحة. وقد طالبنا الامم بتخصيص مساعدات الى اللبنانيين أيضا”. لا يمكن اختصار العلاقة بين لبنان والفاتيكان وبينها وبين كنائسه بالمساعدات المالية فقط. فالبلد الوحيد في العالم الذي خصصه البابا ب “ارشاد رسولي”- تحتفل الكنيسة في هذه الفترة بالذكرى الثلاثين على اعلانه- ليس مساحة جغرافية بالنسبة الى الكنيسة. “هو مختبر ائتمن على “رسالة” لا يريد الفاتيكان أن يخسرها أو يفشل في الحفاظ عليها. وهذا الكلام خارج الترداد الببغائي الذي أفرغ الرسالة من مضامينها النبيلة والعميقة والمحورية في عالم اليوم”، على ما يقول المسؤول الكنسي المقيم في الفاتيكان.