المحامي عبد الحميد الأحدب/الأموال ليست في المصارف، كلها هُرِّبت للخارج، المودعون مدعوّون الى التصويب على المكان الصحيح

143

الأموال ليست في المصارف، كلها هُرِّبت للخارج، المودعون مدعوّون الى التصويب على المكان الصحيح
المحامي عبد الحميد الأحدب/22 أيلول 2022

قبل أن يغادر إدمون نعيم حاكمية المصرف المركزي حصل حادث عجيب غريب. اتصل به وزير الداخلية الياس الخازن وقتها، وهو نائب كسروان ومن المؤيدين للوصاية السورية، وطلب منه تحويل 500 مليون دولار لوزارة الداخلية لأسباب أمنية. فرفض الحاكم إدمون نعيم رفضاً قاطعاً لأن ذلك مخالف للقانون، ولكن الوزير الياس خازن أصرّ، ثم هدّد الحاكم بأنه اذا لم يرسل المبلغ فإن الوزير سيرسل اليه فرقة امنية للقبض عليه! وأصر ادمون نعيم على موقفه، فأرسل وزير الداخلية الياس الخازن في ذلك الوقت فرقة من قوى الأمن للقبض على حاكم البنك المركزي ادمون نعيم وسَوْقه الى وزارة الداخلية، فوصلت الفرقة المسلحة الى البنك المركزي فإلى مكتب الحاكم وألقت القبض على الحاكم وكبّلته وسارت به للخروج من البنك المركزي الى وزارة الداخلية، وفجأة تنبّه الضباط وقوى الأمن المرافقون وحراس حاكم البنك المركزي الذين كانوا في الطابق الأرضي من مبنى البنك المركزي الى منظر الحاكم مكبّلاً بالقيود، مُساقاً من فرقة من قوى الأمن!!! وكان بين هذه الفرقة ضابط بعلبكي من الأشاوس ليس كباقي الضباط، وينفرد بشجاعة وشهامة مشهودة له! فوقف للحظات أمام هذا المنظر الغريب وصرخ بجنون صرخة دوّت في شارع الحمراء وأمرهم ان يجتمعوا وحمل رشاشه وانقضّ على فرقة الياس الخازن التي تلقي القبض على الحاكم ادمون نعيم، فجرّدهم من سلاحهم وألقى القبض عليهم وجردهم مع رفاقه من اسلحتهم وحرر الحاكم ادمون نعيم من القيود واعاده الى مكتبه معززاً مكرماً وألقى القبض على فرقة وزير المال الياس الخازن ووضعهم في غرفة مغلقة.

بعد أن ترك ادمون نعيم الحاكمية لتقاعده، عيّن رفيق الحريري مستشاره رياض سلامة حاكماً للمصرف، فطمأن المستشار سلامة اللبنانيين الى ان الليرة اللبنانية بألف خير، ووضع خطة عجيبة غريبة للنهب والإحتيال برفع الفائدة 20% واستفاد من رفع فوائد المودعين وصار يلبي بدقائق اوامر الوزراء “اللياس خازنيين” ولاسيما وزراء حكومات عون وجبران باسيل، فيحول لهم المليارات التي يطلبونها ثم جُردت الحكومة وعُدلت القوانين فشُلّت مؤسسات الرقابة: ديوان المحاسبة ومجلس الخدمة المدنية والتفتيش المركزي وهيئة مناقصات الدولة الخ…

اضافة الى ذلك عيّن الوزراء الذين لم تعد عليهم اي رقابة، 31 الف موظف في الوزارات لا حاجة لخدماتهم ولا أماكن لعملهم، فصاروا يقبضون رواتبهم وهم في منازلهم! وما زالوا حتى اليوم هكذا! ولكنهم يصوّتون مع المنظومة الحاكمة. فما هي مسؤولية المصارف؟ واصحاب الودائع يعتقدون ان اموالهم هي في المصارف، وفي الحقيقة أن اموالهم صارت في أوروبا وأميركا! كيف؟ المصارف ملزمة بالخضوع لتعليمات البنك المركزي حين يأمر بإيداع ودائعها لدى المصرف المركزي وبالفعل أودعت المصارف ودائع المودعين لدى البنك المركزي الذي رفع الفائدة الى 20%، فكان المودعون سعيدين جداً بالفائدة المرتفعة اذ ان الفائدة في العالم هي 1% (واحد بالمئة).

وصار كل وزير هو رئيس جمهورية وزارته، والمدير العام هو رئيس وزارة الوزارة، ومع الوزير والمدير العام اخوتهم واعمامهم وانصارهم، وتكونت جمعيات المقاولين التابعين للوزير وللمدير العام ثم الأنصار، وويل للمفتش من التفتيش المركزي اذ دخل الوزارة والخطوط مقطوعة مع ديوان المحاسبة ومع هيئة مناقصات الدولة وغيرها من مؤسسات الرقابة التي فقدت صلاحياتها. فصار كل وزير، وكل مدير عام “الياس الخازن” جديد وكان الجسر هو رياض سلامة هذا “الملاك القديس” الذي يؤمّن انتقال الودائع الى البنك المركزي ثم الى الوزارات والمؤسسات الحكومية ومنها يأمر “رئيس جمهورية” الوزارة “ورئيس وزارتها” بالإنفاق والتحويل بلا رقيب ولا حسيب، حتى جيمس بوند لم يصل به الخيال الى هذا الحد!!!

وبأمر الوزير والمدير تُحَوَّل الأموال التي كانت للمودعين والتي يتقاضى عليها المودعون 20% وهم سعيدون بهذه النعمة بينما اموالهم تُحَوَّل الى الخارج وصناديق البنك المركزي كريمة مع اصحاب المعالي!!! والمدراء العامين!! وكان كل وزير ومدير مع الحاشية ينفذون كل سنة من المشاريع اكثر مما نُفِّذ من المشاريع منذ الإستقلال، ولكن على الورق، يستلمون قيمة المشروع الوارد في الموازنة فيحولون قيمته الى مصرفهم في الخارج ويبقى المشروع على الورق. وكانت وزارة الطاقة جيمس بوندية الى اقصى الحدود، منها العجز بلغ 40 مليار دولار ولا كهرباء في لبنان! ليست حكاية “الف ليلة وليلة” بل حكاية جيمس بوند وستُكتب عنها المؤلفات وربما حصلت على جائزة نوبل في “نهب اموال المودعين”. المودعون يجب ان يتجهوا ويصوبوا على المكان الذي صدرت منه الأوامر بتحويل اموالهم.

الواشنطن بوست تقول بالأمس ان الأموال المهربة هي 800 مليار دولار، اي كل الخزينة اللبنانية، ولا تستطيع ولا تقدر ولا تقبل هذه الطبقة الحاكمة اعادة ما نُهب، هي تشجع المودعين على مهاجمة المصارف وكأن الأموال في المصارف.

لا ريب ان الشمس ستشرق وسيظهر بشير الجميل آخر، ريمون اده آخر، فؤاد شهاب آخر! اذ ذاك يُعاد تشكيل القضاء من اساسه ويستبدل القضاة ومعظمهم على شكل غادة عون التي قتلت المكتف ولم تتمكن من إظهار اي مخالفة بعد ان دققت في كل دفاتره وآلاته الإلكترونية، تجري محاكمة الطبقة التي هربت الأموال بقيادة رياض سلامة بالتعاون مع رئيس الجمهورية الى رئيس الوزراء الى رئيس مجلس النواب الى كل الوزراء خلال عشرين سنة. ويعين قاضي مثل عبد الباسط غندور فيفتح دفاتر المحاسبة ويفتح ابواب السجون، وقضاء لبنان من معدن عبد الباسط غندور مع قضاء اوروبي يتعاونان على اعادة الأموال المهربة والمنهوبة التي هي 800 مليار دولار.

المودعون يصوبون خطأ، ودائعهم ليست في المصارف، والمصارف تلقت امراً من رياض سلامة الذي تلقى اوامر من الرؤساء الثلاثة ووزرائهم بأن يأمر المصارف بتحويل الودائع وفقاً لمنطقه التي أُعجب بها الرؤساء الثلاثة برفع الفائدة الى 20%.

الحل قضائي، بمعنى القضاء، لأن القضاء صار سياسة ومشاركة للسياسيين، القضاء مسيس. مطلوب استقلال للقضاء وقضاة مثل عبد الباسط الغندور يفتحون الدفاتر ويقومون بالتحقيق الجنائي ثم يتعاونون مع قضاة الدول التي هُرِّبت اليها 800 مليار دولار. يفتحون الدفاتر ويفتحون ابواب السجون ويستعيدون الـ 800 مليار دولار ويعلقون المشانق. كفى ضحكاً على المودعين وكفى توجيههم الى المكان الخاطئ. الأموال نُهبت وهُرِّبت للخارج وبالإمكان استعادتها عن طريق قضاء نزيه ومستقل عن الذين نهبوا! خارج هذا الإطار، سنظل ندور في حلقة مفرغة وتبقى الـ 800 مليار دولار في الخارج وفي جيب النصابين. قليل من الوعي وكثير من الجرأة وأكثر بكثير من الإضاءة على الطريق الصحيح.