المحامي عبد الحميد الأحدب: إنتخابات الرئاسة مهزلة… المطلوب 22 يوماً من الأيام التي تَلَت انتخاب بشير الجميل

115

إنتخابات الرئاسة مهزلة… المطلوب 22 يوماً من الأيام التي تَلَت انتخاب بشير الجميل…
المحامي عبد الحميد الأحدب/16 أيلول/2022

من يقلب الطاولة قبل الآخر؟ …
لبنان آخر دولة سقطت في هوّة التخلف والاستبداد والفقر والمخابرات والعسكر (الميليشيا) لاحقة كل الدول العربية بلا استثناء. بعد خروج العثمانيين دخل الغرب على الدول العربية، فأخذت تتحرر من المخلفات العثمانية وأخذ يشرق نور الحضارة والثقافة والحرية والعدل وكرامة الإنسان، أخذت كلها تشرق على الدول العربية التي أخذت تتقارب وتتفاهم وتتعاون الى ان أسست “جامعة الدول العربية”. بالطبع الانتداب الفرنسي والإنكليزي لم ينقلا حضارتهما وثقافتهما الى الدول العربية كرمى لعيون الدول العربية، ولكن بحثتا عن مصالحهما وكان للدول العربية فائدة رغم ان الغرب كان يُرسِّخ مصالحه في المنطقة العربية، لهذا تقدمت الدول العربية، ويمكن القول انها تقدمت اربعمائة سنة، هي سنوات الحكم العثماني الضائعة في التاريخ العربي!!

الى ان جاءت قضية فلسطين سنة 1948 فسقطت مسيرة الدول العربية التي كانت على درب الرخاء والعدل والكرامة والثقافة والحرية المأخوذة من الغرب، وانقلبت الأنظمة الديمقراطية وجاء العسكر، صارت كل الأنظمة العربية تحكمها جيوشها ومخابراتها وهي جيوش متخلفة من الفقراء والفلاحين الذين هم كلّهم أمّيين، لم تكسب أي حرب مع إسرائيل! وسقطت الدول العربية المحكومة كلها، أقول كلها، من العسكر والمخابرات الآتية من الأرياف، كلها حقد على الطبقة المتوسطة، وعلى الحضارة والثقافة العصرية، يستفحل بها الجهل والتخلف، فنزل مستوى التعليم وصارت المخابرات هي أساس الحياة السياسية، وتدنى مستوى الاستشفاء، وسقط مستوى الثقافة الى أدنى مستوى، واستفحل الفقر لأن الطبقة الحاكمة الأمية، من المخابرات الريفية والعسكر لا تعرف بالاقتصاد والاستثمار! وصارت الدول العربية كلها تدور حول القضية الفلسطينية وحدها دون سواها من هموم الحياة الإنسانية، والأهم الأهم ان النظام الأخلاقي قد سقط سقوطاً مريعاً على يد التخلف والفلاحين الأميين الذين حكموا بالإذلال والجهل والإرهاب. وسقط الاجتهاد الديني، فصار الإسلام لا علاقة له بالإسلام الحقيقي، صار داعش وقتْلٌ ونَهْبٌ ومجازر!

ولكن حدثت هزّة ارضية إذ استفاقت ثلاثة ارباع الدول العربية على هذا الواقع المرير الذي يربط الحياة بالقضية الفلسطينية وقررت ان تتحرر من هذا التخلف وهذه الأسطورة الفلسطينية لتدخل الحياة العصرية التي تليق بكرامة الإنسان، فتمت مصالحة وثم تطبيع بين الدول العربية بأكثريتها مع إسرائيل ليعودوا بشراً همومهم الانسان، وعلقوا قضية فلسطين على الرف، والدول العربية هي: مصر، الأردن، الإمارات، البحرين، السودان، قطر و… و… وبقيت سوريا ولبنان والعراق على الطريق، ريثما ينتهي حكم الملالي في إيران!

لبنان كان آخر دولة عربية سقطت، طبعاً في مقلب “قضية فلسطين” وتحرير فلسطين. هكذا كانت مسلمين ومسيحيين، كانت لقاء الإسلام بالمسيحية ولقاء الشرق بالغرب، فلمّا دخلت القضية الفلسطينية باتفاق القاهرة وما تلاه، أصبح صراعاً بين السّنَّة والشيعة والمسيحيين، وضعف المسيحيون كثيراً، وقفز الى الصدارة المسيحية أسفل السافلين لديهم، ففي حين كانت نخبتهم في الصدارة من فؤاد شهاب الى ريمون اده الى حميد فرنجية الى كميل شمعون الخ… أصبحت الصدارة كلها “زعران”، بكل معنى الكلمة، يحميهم حزب تحرير فلسطين، اي حزب الله، وهم ينهبون خزائن الدولة.

فلسطين، يا فلسطين، بدأت قضية فلسطين في لبنان باتفاق القاهرة، فكانت الحرب الأهلية التي صار لبنان يُحكم فيها من صبرا وشاتيلا من “جُزَم” الفلسطينيين ومن المخابرات العلوية السورية بإسم تحرير فلسطين.

ونجح بشير الجميل في قلب الطاولة 22 يوماً وإعادة لبنان الى ماضيه والى ما كان عليه من عزٍّ وكرامة! ولكنهم نجحوا في اغتياله وقُلبت الطاولة مجدداً! فجرى توقيع “اتفاقية مار مخايل” التي هي شبيهة باتفاق القاهرة مع تغيير بالفرقاء! وهكذا صارت الميليشيا الإيرانية التي شعارها تحرير فلسطين هي الحاكمة، وصارت طبقة فساد وطغيان من نفس طبقات البلاد العربية، صارت هي حاكمة محمية من حزب الله: الدستور وجهة نظر، والقوانين اوراق لا تُطبَّق، والخزينة نُهبت عن بكرة أبيها، وسقطت المدارس، وأُقفلت المستشفيات، وانقطعت الكهرباء، وصار لبنان عربياً، يقاتل من اجل القضية الفلسطينية، وصار تحرير فلسطين يمر بجونيه وعيون السيمان، وصار طريق الهجرة مفتوحاً على مصراعيه.

وصرنا نقرأ في الأدب العربي: “لا بدَّ من أن أسافر الى الخارج بسرعة، لأنّ هذه الفرصة لو ضاعت فلن تعود. من حسن الحظ أنه كانت لديّ فيزا الى إنكلترا لمدة خمس سنوات استخرجتها منذ عامين لأزور خالي الذي يقيم بلندن. دفعت أسمهان ثمن تذكرة على الخطوط البريطانية، وجاء معي كريم وأسمهان الى المطار… تصوَّرْ أنني سافرت ووجهي ما زال متورماً من أثر الضرب، وذراعي اليمنى في الجبس وأمشي بصعوبة… كل مكان في جسدي كان يؤلمني، كنت مُنهكة ومشتّتة الذهن تماماً الى درجة أنني عندما أتذكر نفسي في مطار القاهرة أحسّ بأنني كنت أحلم. هاجمتني الآلام في الطائرة، وأخذت حبوباً مسكنة كانت معي. تصوّر أنني بمجرد وصولي بهذه الحالة الى لندن قامت المضيفة الإنكليزية بإبلاغ إدارة مطار هيثرو، فقاموا بإحضار كرسي متحرك وطبيب ليفحصني، وجاءت معي مضيفة لمساعدتي على إنهاء إجراءات الوصول. لم أطلب منهم أي شيء. لمجرد أنهم لاحظوا أنني مصابة وأتألم، قدموا إليّ المساعدة فوراً. تصوّر أن الطبيب الإنكليزي وهو يفحصني، ابتسم وقال:- ستكونين على ما يرام، وستكون هذه آخر حادثة تتعرضين لها.
قال ذلك مداعباً ليخفف عني، لكنني انفجرت بالبكاء. نعم، بكيت… هذا ما فعله بي بلدي الذي أحببته كما لم أحب شيئاً في الدنيا. بلدي الذي واجهت الموت من أجله، فلم أخف ولم أتردد لحظة. نعم، بلدي هو الذي انتهكني وأهانني وأذلني. صدقني، أنا لم أسافر خوفاً من القضية الكبيرة التي سيلفِّقونها لنا. لقد سافرت لأنني عرفت الحقيقة؛ لأن الضابط الذي انتهكني مع جنوده، قال لي في النهاية:
– عرفت يا أسماء أنك ولا حاجة؟
هذه الحقيقة، أنا فعلاً “ولا حاجة”، وانت “ولا حاجة”، وكل شباب الثورة “ولا حاجة”. لقد فعلوا بنا وسيفعلون بنا ما يشاؤون. سيقتلوننا ويهتكون أعراضنا ويصفّون عيوننا بالخرطوش، ولن يحاكمهم أحد ولن يحاسبهم أحد… عارف ليه؟ لأننا “ولا حاجة”. لقد سافرت لأنني لن أقبل بأن أعيش في بلد أُعامَل فيه على أنني “ولا حاجة”. أنا في لندن إنسانة لي كرامة ولي حقوق. لن ينتهكني أحد ولن يتهمني أحد بالخيانة، ولا يستطيع أحد أن يجبرني على خلع ثيابي ليعبث في جسدي. أكتشف الآن أنني حيث كنت أعيش، عمري ما كنت إنسانة، كنت “ولا حاجة”. الضابط الذي انتهكني عرّفني بالحقيقة. أقمت بلندن أسبوعين في منزل خالي ثم انتقلت.
– إسْمع كلام الأستاذ عصام وسافِر بمجرد الإفراج عنك. هذا ليس هروباً من المعركة أبداً. لقد خسرنا المعركة، ليس لقلة شجاعتنا، ولكن لأن المصريين خذلونا وتخلوا عنا. المصريون الذين ثرنا من أجلهم. ومات الآلاف منا وفقدوا عيونهم دفاعاً عن حقوقهم. هؤلاء المصريون رأونا ونحن نُعتقل ونُقتل ونُنتهك، فصفقوا في فرح وشجعوا المذبحة بحماسة. لن أضحي بعد الآن دفاعاً عن هؤلاء الناس لسبب بسيط: لأنهم لا يستحقون التضحية. هم يحبون عصا الديكتاتور، ولا يفهمون أي طريقة أخرى في التعامل معهم”. هذا الكلام هو الذي نقرأه في الأدب العربي هذه الأيام.

اذا استطاع لبنان ان يصمد لحين سقوط “ملالي” إيران، او حدثت احداث قلبت الطاولة كما في الـ 22 يوماً من ايام بشير الجميل التي جاءت بعد انتخابه!!! اذاً استطاع لبنان ان يخرج من “قطوع” تحرير فلسطين والقضية الفلسطينية، اذ ذاك عدنا الى الـ 22 يوماً من ايام بشير الجميل وعاد لبنان بعلاقاته العربية، لاسيما مع الدول التي طبَّعت مع اسرائيل، وعاد الى ايام زمان دولة ديمقراطية اساسها العدل والثقافة وحرية وكرامة الإنسان، وجرت محاكمة الطبقة الفاسدة المحمية من حزب تحرير فلسطين، اذا صمد لبنان، وانتخابات الرئاسة مهزلة، لأن الذين يحكمون، يحكمون برئيس ظلّ الى أن تُقلب الطاولة، ونعود الى الطائف الذي لم يطبَّق اي حرف منه، ولا يعود الإنسان اللبناني “ولا حاجة”، بل يعود الإنسان اللبناني قيمة انسانية ويعيد لبنان جوهرة في شرق تحرر من العسكر والمخابرات والفلاحين والأميين والمتعصبين.
يعود لبنان بلد الحرية!