الكولونيل شربل بركات: لبنان الحضارة يعود إلى الساحة العالمية مع فرقة ميّاس

437

لبنان الحضارة يعود إلى الساحة العالمية مع فرقة ميّاس
الكولونيل شربل بركات/15 أيلول/2022

امس شهد العالم فوز فرقة رقص لبنانية بجائزة عالمية يصوت لها الأميركيون وقد أدهشت هذه الراقصات الجميلات اللواتي تمايلن مع الموسيقى والأضواء وابداعات نديم شرفان في رسم صور ومعاني جعلت العالم كله ينظر بدهشة إلى ما يقومون به لا بل يصوّت لهم ملايين الأميركيين ومنهم لبنانيون مقيمون هناك.

لبنان في أدنى السلّم الحضاري اليوم من ناحية الطغمة الفاسدة التي تحكمه وتلك التي تتحكم به وبمستقبل أبنائه ولكن النبوغ اللبناني ينطلق مثل طائر الفينيق ليأخذ مداه على وسع الكرة الأرضية. وقد تزامن هذا الحلم المتحقق مع ذكرى انطفاء حلم بقيامة لبنان من مشاكله كان وأده الأعداء منذ اربعين عاما وفي نفس اليوم الرابع عشر من أيلول عيد الصليب بتفجير بيت الكتائب في الأشرفية حيث كان الرئيس بشير الجميل يودع العاملين فيه. ومنذ ذلك اليوم حمل لبنان مجددا صليب الظلم والياس، صليب الفاقة والعوذ والعودة إلى ساحات القتال والتفسخ، لا بل الرجعية التي عمّقت الهاوية ولم تبقي لها قعرا يقف عنده التدهور.

وكما مع الرحابنة في جبال الصوان حيث قهر “فاتك” المتسلط حماة تلك الجبال التي يستظلها الأحرار وقتل “مدلج” الذي قدره وسلالته الدفاع عنها، وكان حلّ رفاقه منه يوم دخل الخوف عليهم وجابه وحده المعتدين فسقط على “البوابة” ليسود الظلم والخوف بعده، ولكن الأمل عاد مع “البنت”، “غربة”، التي عادت بكل ضعفها لتتحدى الظلم وتحرر الأهل من قيود المتسلط بشجاعتها واصرارها، وهي قالت لفاتك عندما واجهته وحدها بكل عنفوان: ارحل أنت… لأنك ولو قتلتني كآخر سلالة مدلج فوراء كل صخر سيولد طفل جديد لمدلج ولن تقدر أن تتسلط على جبال الصوان…”

وقفت هذه الأجساد العارية والتي تتكلم لغة الفن المفهومة من كل العالم ولا تحتاج لأية ترجمة أو تفسير في جميع بقاع الأرض، وقفت لتحكي قصة لبنان وتعيد انطلاقة طائر الفينيق من رماده. بدون سلاح وبدون عضلات وبدون حتى أي رجل يشارك في لوحاتها، وحدها جميلات لبنان، اللواتي لا تقدر أن ترجمهن بوردة، نال أداءهن تصفيق العالم الذي يتحضر للحروب ويتنافس على الدمار. وحيث يتسلل الشر إلى لبنان من جديد، وفي ظل تعامي ما يسمى بالدولة والمسؤولين فيها، عن وصول مئات المقاتلين الغرباء لينفذوا سياسات التهجير والتخريب التي مارسوها في سوريا ويخططون لممارستها في بلاد الأرز.

يوم قتلوا البشير اعتقدوا بأنهم قتلوا الحلم، ولكن هذه الأرض تنتج الحالمين والعظماء من كل الأنواع، ولن يقدر الشر على خنق روح الحرية فيها، ولا على طرد حراس الهيكل، مهما فعل ومهما حاول، وهو الذي لا بد سيرحل في النهاية مذلولا مع كل سواد مظهره ونفسيته، ومع أحقاده ومشاريعه لخنق الأصوات الحرة ولطمس روح الابداع التي صدّرها لبنان للعالم منذ أن سافرت سفن فينيقيا تجوب البحار وتنشر ثقافة الانفتاح حوله.

إن النجاح الذي تحقق اليوم على المستوى العالمي لن ينسينا الحقد الذي يزرعون، ومحاولتهم تهديد الآمنين في بيوتهم باسلحتهم. ولسوف يعمّ سلام من قلب الليل الحالك فينتشر كالنور عند الصباح، ولن تقدر عيونهم التي تعودت على الظلمة أن تنفتح بوجهه. وسوف يعود للبنان عزّه ومجده وينشر حضارة السلام في عالم أصبح بحاجة ماسة إليها.

مبروك لمياس ومبروك للبنان حلم جديد ومواظبة على العمل المبدع في سبيل الحرية وكرامة الانسان. وصلاتنا للباري أن يلتفت إلى هيكله ويحميه من الانانية البغيضة، التي أغلقت المدارس؛ تلك التي أنارت يوما الشرق والغرب، والمستشفيات التي خلصت الكثيرين من أوجاعهم، وأفقدت الناس ثقتها بالمؤسسات والمصارف عماد التقدم والتنظيم، وأضاعت روح القوانين وفعالية الحكم، فافسدت كل شيء لتهجّر العقل النير والقلب المحب والذهن المتفتح.

فهل لنا من قيامة جديدة وانطلاقة مبدعة في عالم أصبح صغيرا على اتساع مداركنا وانتشار ابنائنا ومساهمتهم بكل جميل وبكل ما هو خير للبشرية جمعاء؟
لبنان باقٍ وروح الابداع فيه ستملأ الأرض وتتعاون مع المحيط وتوقف موجات التسلط والحقد، وإن يوما جديدا ونهارا ساطعة شمسه آتيان ولا بد. فلنصمد بكل فخر وبكل ايمان لأن المحبة ستنتصر والعهر سيذول والعزة لحماة بلاد الأرز هيكل الله ومنبت حضارة النور هي التي ستسود…