د.مكرم رباح: حزب الله وفعل التلصّص/Voyeurism

109

حزب الله” وفعل “التلصّص” Voyeurism”
د.مكرم رباح/النهار العربي/02 آب/2022

خرج “حزب الله” نهار الأحد الفائت على العامة بتسجيل صادر عن إعلامه “الحربي”، يدّعي توثيق العمل الجاري في الحقل النفطي الإسرائيلي “كاريش” المتنازع عليه مع لبنان، يظهر إحداثيات منصة عائمة وسفن حفر وتنقيب، كما يظهر في الفيديو صاروخ ـ أو بالأحرى جزء منه ـ يزعم أنه قادر على استهداف عمليات التنقيب. مسرحية الحزب “الجهادية”، ليست بجدية أو حتى جديدة، بل هي جزء من ثقافة “البروباغندا” والدعاية لمنظومة الممانعة، من كوريا الشمالية وروسيا، مروراً بكوبا وفنزويلا ونظام الأسد، منظومة تستعمل الشائعة والخداع والكذب للتعتيم على ضحالة مشاريعها وغياب التكنولوجيا والتطور عن منظومتها العسكرية، كما كشفت الحرب الأوكرانية الأخيرة. في واقع الحال، أراد “حزب الله” وأمينه العام حسن نصر الله بنشر الفيديو إظهاره رسالة تهديد إلى إسرائيل والمبعوث الأميركي آموس هوكشتاين الذي تزامن وصوله مع نشر البدعة الإيرانية المتلفزة، كمحاولة من “حزب الله” ومنظومته للتغطية على تنازلهما عن الخط 29 وقبولهما بالصفقة التي لعب حليفهما جبران باسيل دور “سمسارها”. المهم أن اللافت في شريط “حزب الله” الدعائي هو النزعة، أو بالأحرى عقدة التلصص السياسي والعسكري الذي يسيطر على عقلية الفرع اللبناني لـ”الحرس الثوري الإيراني”.

افتعال “Voyeurism”
التلصص أو Voyeurism هو مصطلح علمي لفعل التجسس على عملية جماع جنسي، لاكتساب المتعة الجنسية من مشاهدة الآخرين عندما يكونون عراة أو يمارسون نشاطاً جنسياً. وكما يبدو، فإن هذا المصطلح العلمي يمكن “إلباسه” لـ”حزب الله”، فهو منذ حرب تموز (يوليو) 2006 توقف عن الفعل المباشر الذي يحاول ادعاءه، وحوّل استعمال سلاحه إلى الداخل اللبناني، مستقوياً بالتحالف مع ميشال عون وصهره جبران باسيل للتمترس خلف الدولة اللبنانية واختلاس مواردها، وترتيب أمورها بما يناسب سياسات “الحرس الثوري”. عقدة التلصص تلك تتمثل أيضاً بالمغالاة في إظهار نصرة الشعب الفلسطيني والحديث عن تحرير القدس، ولكن عبر طرقها المستجدة من اليمن إلى سوريا والعراق، والأهم التهديد الدائم بتدمير إسرائيل، والامتناع عن ذلك عند قيام الأخيرة بإعلان القدس عاصمة لها، والاكتفاء بالطلب من “المجاهدين الزراعيين” الغضب عبر وسائل التواصل، كما فعل نصر الله في السابق. التغني برصد عمليات التنقيب من الشاطئ اللبناني أو حتى من المياه الإقليمية باستعمال مناظير يمكن شراؤها عبر الإنترنت، وتحديد إحداثيات سفن تجارية مسجلة عالمياً ليس بعمل جبار، بل هو شيء يمكن القيام به عبر تطبيقات مجانية أو عبر شركات مساحة وتخطيط تنجز العمل مقابل بعض النقود. أما عرض صواريخ ومسيرات ـ تستعمل بالمجمل لتصوير حفلات الأعراس ـ في الوقت الذي يتقاتل فيه الشعب اللبناني على رغيف الخبز، فيمكن اعتباره قمة من الوقاحة وتأكيداً للغياب المطلق للعقل والمنطق.

تلصص “حزب الله” يأخذ أشكالاً عديدة، منها العراضة التي قام بها عبر مجموعة من ذوي القمصان السود يتنزهون على الحدود الجنوبية للبنان مع فلسطين المحتلة صباح الأحد، وهي رسالة تبدو موجهة للجيش اللبناني أكثر مما تعتبر تهديداً للعدو الإسرائيلي. الأعمال العسكرية التلصصية لـ”حزب الله” ليست سوى مجرد فعل ميليشيوي، لا ترفع فعل القتل والموت، بعيدة من النضوج السياسي والأخلاقي، الذي يجب أن يتمتع به حزب جاوز الأربعين من العمر، فتغيب حماية لبنان في ظل المسار الانتحاري الذي انتهجته الميليشيات منذ اغتيالها الرئيس رفيق الحريري، وكذلك زج لبنان في حرب مع إسرائيل لتأمين موقع تفاوضي أفضل للإيرانيين في المحادثات مع الولايات المتحدة.

بنظرة إلى شريط الفيديو المزعوم، يمكن رؤية “المتلصص” يشهد التقدم الذي قامت به إسرائيل في عملية التنقيب، فيما لا يزال لبنان يقبع في الظلمة والجوع والانهيار الاقتصادي التي ولدتها الطبقة الفاسدة التي تحتمي بسلاح “حزب الله”. إن كان “حزب الله” قادراً على مراقبة مواقع إسرائيلية بعيدة أكثر من 90 كلم في البحر، لعل الأجدر به أن يبلغ اللبنانيين من خزّن مادة “نترات الأمونيوم” في مرفأ بيروت، أو من قتل لقمان سليم في الجنوب اللبناني على بعد بضعة أميال من الحدود مع فلسطين المحتلة، ومن يصنع ويهرب الكبتاغون عبر الحدود الشرقية محولاً لبنان إلى دولة “كارتلات مخدرات”. في خطابه الأخير قال نصر الله لمستمعيه إنه مكلف من الله حماية لبنان، وهو واجب ديني وأخلاقي يلتزم به الحزب؛ خطاب متوقع من جماعة تتشوق لوقوع يوم القيامة ونهاية الكون. ولكن العبرة في العمل وليست في القول؛ فيأتي سقوط ادعاء القدسية والتعفف مساء الأحد عندما انهار القسم الشمالي من إهراءات مرفأ بيروت، معيداً التذكير بأن التلصص واللصوصية والإجرام هي ثقافة “مدّعي المقاومة”. في آخر المطاف، يصدق دوماً المثل الذي قال: “المي بتكذب الغطاس”.