شارل الياس شرتوني: حروب التكليف وادعاء العصمة الإلهية

70

حروب التكليف وادعاء العصمة الإلهية
شارل الياس شرتوني/02 آب/2022

عندما يتحول الخطاب السياسي الى تكليف إلهي يدعي من خلاله المتكلم العصمة الإلهية، ندخل في متاهات خطرة خاصة بكل الايديولوجيات التوتاليتارية التي تستمد شرعيتها من مصدر مخارج وغير قابل للمساءلة ( الالوهة مع الاسلاميين، الشعب والامة مع الايديولوجيات النازية والفاشية والقومية، الطبقة العاملة مع الشيوعية …) ينأى عن كل تفكيك ونقد يظهر مفارقاته. هذا النوع من الشرعيات المخارجة يطرح اشكاليات كبرى في الإطار الديموقراطي لأنه يضع حامله، بادئ ذي بدء، في موقع الاطلاق وخارجا عن نسبية الفعل السياسي وحدود احكامه ومفارقاته، فما بين الادعاء والواقع، تزوير إرادي للوقائع، وعنف معنوي وجسدي، وأفعال شر متراكمة، وفساد عميم، يتحول معها الفعل السياسي الى فعل شيطاني، والمطلقات المستدعاة الى ملكوت الشر.

الديموقراطية  في هكذا أحوال غير قادرة على التأقلم مع هكذا ادعاءات، ولا النقاش السياسي بنسبيته قادر على التأقلم مع هكذا فرضيات يتأسس عليها منطق الاستباحات بكل أشكالها، وما يلازمه من اجتهاد وتشريع وممارسات مطبعة. كلام حسن نصرالله هو كلام مناف ليس فقط  للديموقراطية، بل لامكانية اي اجتماع إنساني قائم على التعددية في الرؤى واختلاف التجارب الانسانية  والتاريخية،  وما تستدعيه من تسويات تنشأ عن النقاش العقلاني.

من ثم، خطورة هذا الادعاء الذي يستند الى خلفية دينية تستوجب التفكيك والنقد التاريخي، تحيلنا الى رصيد من العمل الإرهابي والاجرامي والفساد والاستباحات المحللة شرعا، التي تجعل من هكذا كلام اسنادا لممارسات تنافي التعايش الانساني بتعبيراته الاخلاقية الاولية[ لا تفعل للآخرين ما لا تريد أن يفعله الآخرون لك].

لا إمكانية لتسوية سياسية واقعية في بلادنا تخرجنا من كل ما نعاين من ظلم وافتئات لحقوقنا وتنكر للعدالة، كما تؤشر الازمات المالية منذ ثلاث سنوات من التمنع الارادي عن إيجاد حلول تقنية فعلية متوافرة، والتصرف السياسي بالعدالة من أجل إسقاط جريمة المرفأ الإرهابية وما رافقها من ملابسات وجرائم تستتر وراء خطاب العصمة الالهية والجماعة المصطفاة.

هذه العصمة ليست بالالهية كما تدعي، هذه غطاء رث لواقع انقلابي دمر البلاد بشكل استنسابي، على وقع أعمال إرهابية واجرامية وفساد لم يبق شيئا من حيثيات الاجتماع السياسي والمدني الراقي، وما يفترضه من تبادل بين عاقلين يحترمون انسانية بعضهم، مقولات من نوع ” ليش انت  انسان” مرفوضة يا حسن نصرالله.

 إن الخطاب الاستعلائي والكذب السافر والاستباحة بكل أشكالها، التي أسست لها الفاشيات والمافيات في الأوساط الشيعية، قد حول مجموعة دينية، من مجموعة حاملة لقيم معنوية الى مجموعة تستعمل مفارقات النص الديني والقراءة غير النقدية والروحية له، الى مصدر للعنف والكراهية والهمجية المنافية لابسط القواعد الاخلاقية وموجبها الاولي، المعاملة بالمثل.

إن المناخات المطبقة في الأوساط الشيعية هي مداخل لتثبيت العنف والدخول في متاهات نهيلية لا أفق لها، تأكل المجتمعات الإسلامية وتبقيها أسيرة انفصاماتها القاتلة.

هذا الخطاب وما يلازمه من استعدادات نفسية وممارسات ليس بجديد،  لكنه نذير لما يكتنف هذه المجموعة البشرية من انطواءات ذهنية، وعدوانية وعصمة تجعل منها مشروعا لنزاعات مفتوحة تحكمها السياسة الانقلابية الشيعية التي يديرها النظام الايراني ومضاداته في المدى السني.

مبدأ ” الازمات المتناسلة” ليس بعارض بل  توصيف لحالة ذهنية واداءات فعلية وكل ما تستدعيه في الواقع، هذه الاستعدادات الذهنية وما يلازمها من اداءات، نذير شؤم يحيلنا الى وهامات مجموعة بشرية ومفارقاتها القاتلة.