مواطن ماروني من عبرين: قصة كاهن وحاجّ تحث كل الذين ينشرون خطبًا أو كلامًا مسيئًا لدين الآخرين، أن يفهموا دينهم بعمق، ويمارسوه، فترتفع نفوسهم إلى عمق إنسانيّتهم

80

قصة كاهن وحاجّ… تحث كل الذين ينشرون خطبًا أو كلامًا مسيئًا لدين الآخرين، أن يفهموا دينهم بعمق، ويمارسوه، فترتفع نفوسهم إلى عمق إنسانيّتهم.

مواطن ماروني من عبرين

11 تموز/2022

في عيد الأضحى لهذا العام أرغب أن تكون معايدتي لكم جميعًا مسلمين ومسيحيّين هذا القصّة الواقعيّة التي تجسّد معنى العيد الحقيقي.
أنا من قرية عبرين في منطقة البترون، نحن قرية مارونيّة، وفي جوارنا قرية شيعيّة هي راشكيدا.
كنتُ في الثانية عشرة من عمري تقريبًا، وكان جدّي لأبي يسكن معنا في المنزل نفسه، كنّا في عيد الميلاد، وزارنا على التوالي حوالي أربع عائلات من راشكيدا، فقلت لجدّي هؤلاء مسلمون، لماذا يأتون لمعايدتنا؟ فقال لي، اسمع يا بنيّ: المعايدة تحمل معنيين، معنى اجتماعي إنساني، يشير إلى التضامن مع الآخر، ومعنى ديني تعتقدُ به أنت، ويعترف لك به الآخر عند معايدته لك، وإليك هذه القصّة:
كان في دير كفيفان رئيس دير من عبرين، هو الخوري اغناطيوس خشّان، وهو كاهن ورع وتقيّ، وكان هذا الكاهن يقصد محلًا في طرابلس، صاحبه شيخٌ مسلم، يتبضع منه حاجات الرهبان في الدير، وحدثت المجاعة في لبنان، في الحرب العالمية الأولى، وضاقت حالة الدير كما حالة كلّ اللبنانيين، فقصد أبونا اغناطيوس صديقه الحاج في طرابلس، وقال له:
– أنت تعرف الحالة التي آلت إليها الأوضاع في لبنان، وأنت تعرف أنّني مسؤول عن إطعام العديد من الرهبان، وعن إعالة بعض العائلات الفقيرة في القرية، وأنا اليوم عاجز عن تأمين حاجيّاتهم، لو سمحت تعطيني ما أريد، وأنا أنقدك ثمنه فور جني موسم الزيتون القادم.
– لا عليك يا محترم، تأخذ ما تريد، ولا تكن محرجًا.
أخذ رئيس الدير مونته كاملة، وعاد إلى كيفيان. ومضى نصف عام، وباع الكاهن الزيت، وقصد محلّ صديقه في طرابلس ليفيه دَينَه، دخل المحلّ فلم يجد صاحبه فيه، بل وجد شابًا في العشرين من عمره، لم يكن يعرفه، فارتبك، وخرج، معتقدًا أنًه أخطأ في المحل، وكرّر الدخول والخروج مرتين، فسأله الشاب:
– تفضّل يا محترم، يظهر أنّك أخطأت المكان.
– نعم، فأنا أقصد محل الحاج (فلان).
– وصلت، هذا هو محلّه.
– ومن تكون أنت؟
– أنا ابنه.
– أين أبوك؟
– رحمه الله، وأطال عمرك.
– رحمه الله، خسارتي كبيرة بموته.. يا بُني، لقد اشتريت بعض الحاجات من والدك، ولم أدفع له ثمنها، وهنا أنا الآن جئت أبرّئ ذمّتي.
– شكرًا لك يا محترم، كثّر الله من أمثالك.
وأخرج دفترًا من جارور المكتب، وسأل الكاهن عن تاريخ شرائه البضاعة، وبحث في الدفتر فوجد أن والده لم يدوّن المبلغ، فاعتذر من الكاهن:
– عفوًا يا محترم، فوالدي لم يسجّل المبلغ، وأنا لا أستطيع أن أقبضه منك.
– قد يكون سها عن تسجيله.
– وحتّى في هذه الحالة لا أسمح لنفسي بقبضه.
– يا بنيّ أنتّ لا تتجنّى عليّ، فأنا جئت طوعًا، وأنا أعرف أنّني استدنت من والدك بقيمة هذا المبلغ، وأنا كاهن ولا أستطيع أن أحمله على ضميري، وأعود به إلى الدير.
– مهلًا يا محترم.
ودخل إلى غرفة مجاورة، وجاء بدفتر ثانٍ، وراح يقلّبُ صفحاته، وقال للكاهن:
– صحيح يا محترم، لقد سجّل والدي المبلغ في هذا الدفتر، ولكنّني أيضًا لا أستطيع أن أقبله منك.
– وما الذي يمنعك عن ذلك؟
– هذا دفتر الزكاة، وقد زكّى لكم والدي بهذا المبلغ.
أدمعت عينا الكاهن.. وفي يوم الأحد التالي، كانت كنيسة الدير ملأى بالمؤمنين، قدّم رئيس الدير القدّاس على نيّة صديقه صاحب المتجر، وروى في عظته القصة للمؤمنين.
أضع هذه القصّة بين أيديكم، وأطلب ممن ينشرون خطبًا أو كلامًا مسيئًا لدين الآخرين، أن يفهموا دينهم بعمق، ويمارسوه، فترتفع نفوسهم إلى عمق إنسانيّتهم.