غسان حجار/ لو لم أكن كاثوليكياً

432

 لو لم أكن كاثوليكياً…
غسان حجار /النهار

25 كانون الأول 2014

ينقل عن عدد من بطاركة الشرق انهم محبطون ومتعبون من الاوضاع السائدة في المنطقة، ومن احوال كنائسهم الداخلية. لعلهم اليوم يجدون في البابا فرنسيس مثالا للقيام بثورات تعيد الوهج الى عملهم الرسالي الانساني وسنكون معهم حتما .

**

لو لم اكن كاثوليكيا لاخترت ان اتبع البابا فرنسيس فأصير كاثوليكيا، اذ يشكل هذا البابا رمزا للثورة في عالم اليوم، متخطيا بذلك الثوار الذين انطلقوا من واقع فقير ومزر الى رفض واقعهم. لكن البابا فرنسيس يدعونا اليوم الى ثورة جديدة، ولا ينطلق من فقر او حاجة، وهو حاكم اكبر مؤسسة في العالم، اذ يعود اليه مليار ومئتا مليون مؤمن، ويسكن القصور الافخم، وبتصرفه توضع الامكانات الهائلة. لكنه ينطلق من قلب مفعم بالايمان الذي افتقده كثيرون، ومنهم من يحيطون به في الدوائر الفاتيكانية وفي كل كنائس العالم، حيث رجال الدين صاروا طبقة خاصة من الاثرياء وذوي النفوذ.

أعلن البابا في خطاب الميلاد امام الادارة الفاتيكانية عزمه على جعل “الهيكل الكاثوليكي اقرب الى اتباعه” الى الناس العاديين الذين لا تقيم لهم حسابات الكبار حسابا، وندد بكل عنف مرتكب باسم “الكيان الإلهي” (في اشارة الى عنف معنوي يمارسه رجال دين مسيحيون وغير مسيحيين، وعنف جسدي يمارسه ارهابيون وتكفيريون وخصوصا في ظل ما نشهده حاليا مع “الدولة الاسلامية” التي تقتل وتسبي وتغتصب وتصادر باسم الاسلام)، وقال البابا للكهنة والمطارنة والكرادلة الذين يعملون في الإدارة المركزية للكنيسة “إن الوصولية وتدبير المكائد والجشع أصابتكم بمرض الالزهايمر الروحي”.

وصرح في خطاب حاد “تحتاج الإدارة المركزية للكنيسة الكاثوليكية إلى أن تتغير وتتحسن… إن الإدارة التي لا تنتقد ذاتها ولا تعمل على تحديث نفسها ولا تحاول أن تتحسن هي جسد مريض”.

وأشار إلى أن البعض ممن هم في الإدارة يتصرفون وكأنهم “يتمتعون بالحصانة والخلود أو حتى إنه لا يمكن الاستغناء عنهم”. وتحدث عما سماه “مرض الاكتناز” الذى يجعل رجال الدين “يجمعون الأغراض المادية ليس بدافع الحاجة ولكن ليشعروا بالأمان” وهذا ايضا دليل الى فقر الحال الروحي.

لا نهلل لكلام البابا من باب الشماتة برجال الدين، ولا نفرح لتأنيبهم، لان صوته يمكن ان يكون كصوت صارخ في البرية يذهب صداه الى البعيد، من دون ان يرجع الى حيث يجب، لكننا نفرح لأن الكنيسة تجد من يعود بها الى جذورها، الى معلمها الذي طرد التجار من الهيكل ليعيد له قدسيته. نفرح لأن الكنيسة تعمل وفق ما تدعونا، الى مراجعة عملها والنقد الذاتي قبل الانطلاق الى تحديث نفسها لتكون جديرة بالحياة. لقد ركز يوحنا بولس الثاني القديس على الاستمرار برسالته للعبور بالكنيسة الى الالف الثالث، لكن العبور لا يقتصر على الزمن وحده، بل يجب ان يكون في مجمل الامور.

ينقل عن عدد من بطاركة الشرق انهم محبطون ومتعبون من الاوضاع السائدة في المنطقة، ومن احوال كنائسهم الداخلية. لعلهم اليوم يجدون في البابا فرنسيس مثالا للقيام بثورات تعيد الوهج الى عملهم الرسالي الانساني وسنكون معهم حتما .