بول ناصيف عكاري/إذا بدكن ياني احكي…سكتو

116

“إذا بدكن ياني احكي…سكتو”

بول ناصيف عكاري/الكلمة أونلاين/11 أيار/2022

عذراً فخامة الرئيس، ها قد سكتنا… تفضّل احك…ها نحن قد صمتنا! احك لنا عن الانتخابات في ظلّ الاحتلالات وعن القانون المافياويّ المسخ، الذي صُنع لحماية الفاسدين ولضرب مفهومية العيش المشترك، وعن العدد الهائل من المقترعين قسراً في المهجر… احك لنا عن عهدك، وما أدراك ما هو العهد… احك لنا عن الدستور والقوانين والأيْمان والأشمل… احك لنا عن الدولة الفاشلة وعن لبنان الحاضر، الذي أضحى مزيج من إيران واليمن وسورية والعراق، وقريباً تضاف إليه فينزويلا. احك لنا عن أي مفرق اتخذته الكرامة والعزّة والطمأنيّة وراحة البال… احك لنا عن الفقر والبطالة والظلم والمحارم…احك لنا عن الحريّة والسيادة والاستقلال…أخبرنا يا رئيس “لبنان الممانع” لماذا معظم اللبنانيّين ينعتون زمنك بعهد الخراب والذلّ والدمار والفساد…احك لنا عن الاصلاح والتغيّير…

أخبرنا عن تجليطة “ما خلّونا”…أهو بري أم حلفائك في تسوية الكراسي؟ أو إسرائيل؟ أو الحرب الكونيّة؟ “ما خلّونا” هي “تعويذة إلهيّة” تستعمل في معرض الهروب من المسؤوليّة ولتؤكد على حالة النكران التي تتخبطون فيها. بكلّ بساطة، أنكم غير قادرين على اتخاذ أي قرار وطني أو إنسانيّ لأن “الكرسي” لا يسمح بذلك، ولأن القرار هو أصلاً خارج القصر. وبنهاية المطاف، طلعوا “يلي ما خلّونا” القوات والكتائب والمردة والأحرار. أمّا الباقون فهم أبرياء لأن ما فيك إلّا على “خيّك” ولا حول ولا قوة لك على البقية. من يتجرأ أن يقارع حافظ الأسد، ألا يمكنه لي ذراع النبيه؟ ولكن، الانبطاح أمام سيّد المجلس النيابيّ، وبالتالي أمام “الثنائي”، ما هو إلّا الحاجة إلى ذاك النصاب، الذي بيديه، من أجل “جبرانك”… كرمال جبران كلّه بهون…

أمّا بعد، حان دورنا كي نحكي…رجاءً اصغ لنا…

حضرة الجنرال، الدولة التي لكم شرف رئاستها هي دولة مافياويّة بقيادة عصابة الستة، وعمودها الفقريّ “الثنائيّ الشيعيّ” الذي التحقت به “العونيّة البولانجيّة” ليندمجوا في “الثلاثيّ الممانع”. هذه المنظومة المافياويّة تتحمل كامل المسؤوليّة الإنسانيّة والوطنيّة والمدنيّة والجزائيّة عن الخراب والدمار والسرقات والمصائب التي حلّت على لبنان وشعبه ومجتمعه، والتي ما زالت مستمرّة بفضل أفعالهم وسلوكيّاتهم. كما تتحمل هذه المنظومة كامل المسؤوليّة عن سرقة أموال اللبنانيّين، ونهب الدولة، وانهيار الاقتصاد، وتهجير الآلاف المؤلفة من المواطنين العزّل. بالإضافة، فهي تتحمل أيضاً كامل المسؤوليّة عن مجزرة تفجير المرفأ ونكبة بيروت والتي تعتبر إبادة إنسانيّة لمجتمع بكامله وجريمة موصوفة ضد الإنسانيّة، إضافةً إلى جميع الجرائم السياسيّة والماليّة واغتيالات رجالات الوطن.

فخامتكم، يعتبر البنك الدوليّ أنّ “كساد الاقتصاد اللبنانيّ هو من تدبير قيادات النخبة (والنعم) التي تسيطر منذ وقت طويل على مقاليد الدولة وتستأثر بمنافعها الاقتصاديّة. هذه المنظومة المافياويّة مع حكوماتها (مجلس إدارتها) المتعاقبة، التي لكم الشرف ترؤس قسم منها والمشاركة فيها جميعاً منذ سنة 2008، تتحمل كامل المسؤوليّة عن ما آلت إليه الأوضاع الاقتصاديّة والماليّة والنقديّة والمعيشيّة والمجتمعيّة.

سيدي الرئيس، هل يمكنك أن تفيدنا عن وضع السيادة ومن يتحكم بالمنافذ البرّية والجويّة والبرّية، ومن يتحكم بالقضاء والأمن الذين هما عماد هيبة الدولة. هل يمكنك أن تخبرنا عن الانهيارين المالي (انهيار المصارف وتراجع قيمة العملة الوطنيّة) والتجاري (تعطّل الدورة الاقتصادية) الذين حصلا خلال حكمك، وكما نشهد حاليّاً الانهيار السياسيّ (عجز الحكومة عن توفير الأساسيّات لمواطنيها) ليدخلنا في الانهيار المجتمعيّ (تبدأ أشكال من حكم الواقع المحليّ بالنشوء تلقائياً لملء الفراغ، وفي معظم الأحيان بالشراكة الوثيقة مع مافيات الجريمة المنظّمة).

فخامتكم، لأخذ العلم، الانتقال إلى درجة الانهيار الاجتماعي قد يجعلان احتمال التعافي، الذي تتوهمونه، حلماً صعب المنال. يمضي المجتمع بعدها في اتجاه واحد قدماً نحو الهاوية التي قد تتضمّن حرباً أهليّة أو صراعات محليّة متكررة على الموارد القليلة المتبقّية. عندئذٍ، يصبح التشرذم والتقسيم واقعاً معاشاً حتى داخل الحيّ أو المدينة الواحدة أو المنطقة ولا يسهل رتقه. ومن المرجح أن يحصل هذا في نهاية عهدك. وهذا هو المدخل إلى تغيير هوية البلد الذي يسعى إليه حليفكم الأساسيّ.

الانتقال إلى الدرجة الخامسة والأخيرة، التي يحدث فيها الانهيار الثقافي عندما تبدأ العائلات الصغيرة بالتفكّك، وتغلب الأنانيّة الفرديّة حتى بين أفراد الأسرة الواحدة، ويقتتل الناس من أجل أساسيّات العيش، وتفقد الآداب والفنون والموسيقى مبررات وجودها، ويدفع كل متمسّك بالقيم الإنسانيّة ثمناً غالياً قد يكلّفه حياته في بعض الأحيان. وهذا ما يبتغيه الذي أوصلك إلى كرسي أحلامك عبر بندقيته والذي يرتجي ثقافة الموت.

وأخيراً، هل يمكنك أن تفيدنا، وأنت المؤتمن على الدستور، عن إنجازاتك في حمايته وتطبيقه ولا سيّما مقدمته بكامل مندرجاتها…ناهيك عن تطبيق القوانين اعتباطيّاً… فخامتكم، الكلام لم يعد ينفع والنتيجة هي التي تتكلم. البلد طار وعلى أمل “قبع” المنظومة المافياويّة… وقبل أن ترحل، احك الحقيقة المجردة، ولمرّة واحدة فقط، من أجل لبنان واللبنانيّين علّها تُشفي غليلهم. التاريخ لا يرحم ومن يكتبه هو المنتصر…انتصر للشعب اللبنانيّ قبل فوات الأوان.