فارس سعيد/خيار 2015

538

 خيار 2015
فارس سعيد
الأربعاء 24 كانون أول 2014

تفرض الأحداث نفسها علينا جميعاً، ما يدعونا كلبنانيين للتفكير في خيارٍ يجعل من لبنان بلداً قابلاً للحياة، لا بل أكثر من ذلك، بلداً نموذجاً لبلدان المنطقة.

تتلخّص المتغيرات الكبرى اليوم بالنقاط التالية:

• بلورة نظام عالمي جديد بزعامة الولايات المتحدة يرتكز على نظام اقتصادي ومالي وسياسي وعسكري وقضائي في إطار عولمةٍ متسارعة. كما يعيش العالم اليوم ثورة اتصالات وتواصل غير مسبوقة تجعل منه قرية صغيرة على شبكات التواصل الإجتماعي.

• إنهيار النظام العربي القديم الذي أعقب مرحلة الإنتدابات الغربية، ثم نشوء دولة اسرائيل، والذي «تميّز» بقيام أنظمة إستبدادية عسكرية.

• بروز تيارات إسلامية متطرفة، تتراوح ما بين دعوتَيْ دولة ولاية الفقيه ودولة الخلافة، ما ساهم في بروز تيار معادٍ للإسلام في الغرب أو ما يسمى بـ»الإسلاموفوبيا»، وبروز تيار آخر، تكلّم عنه البابا فرنسيس، «الكريستيانوفوبيا» – وهو تيار معادٍ للمسيحية بزعمه أنها حاضنة للنظام العالمي المعادي لقضايا العرب والمسلمين العادلة، مثل قضية فلسطين وقضية الشعب السوري.

• دخول الإسلام كمكوّن إجتماعي وسياسي وانتخابي إلى أوروبا، وهو عاملٌ مؤثّر في ديموقراطيات الغرب. وقد بدأت معالمه تبرز مع الإعتراف المتواتر بدولة فلسطين من البرلمانات الأوروبية بهدف تبريد العلاقات مع مسلمي أوروبا.

• بروز تيار مدني تجلّى في تونس ومصر وسيبرز في سوريا والعراق وبلدانٍ أخرى.

• محاولة قوى إقليمية غير عربية التحكّم بقرار المنطقة: إسرائيل، تركيا وإيران.

• محاولة روسيا الدخول إلى المنطقة من باب الكنيسة الأورثودكسية التي تحاول التمايز عن كنيسة الغرب بوصفها مشرقية وقادرة على التفاعل مع الإسلام ومدافعة عن الأقليات في المنطقة.

• محاولة المملكة العربية السعودية ومجلس التعاون الخليجي الحفاظ على نظام المصلحة العربية بحيث لا يتحول العالم العربي الى ضواحي قوى اقليمية غير عربية.

• عودة الكلام على مسألة الأقليات في المنطقة. من مسيحيين ويهود وإيزيديين وعلويين ودروز وشيعة وغيرهم، والذين بغالبيتهم ينظرون إلى أحداث المنطقة بعين القلق، ويبحثون عن أشكالٍ مختلفة من الحماية. فهناك مَن يطرح «تحالفَ الأقليات» وهناك مَن حاول استجداء حماياتٍ أجنبية.

• «داعش» وتوابعها، التي أسقطت الحدود المرسومة بين الدول وفرضت معادلة العنف مقابل العنف و»الخلافة» في مواجهة «الولاية والدولة» معاً.
والسؤال الذي يطرح نفسه لدى اللبنانيين: ما هو الخيار الذي ينبغي اعتماده والدفاع عنه؟ لأنّ المتغيرات الكبرى لا تهادن المجتمعات المترددة والكيانات المفككة.

لقد صمدت «التجربة اللبنانية»، المرتكزة إلى العيش المشترك، أمام عوامل داخلية وخارجية عمِلت ضدّها وحاولت إبراز لبنان «بلداً ممسوكاً وليس متماسكاً» – كما كان يسمّيه النظام السوري.

في العوامل الداخلية وبعد انتفاضة الاستقلال التي جمعت غالبية اللبنانيين حول حدثٍ من طبيعة وطنية تمثّل باغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، حاول «حزب الله» فرز اللبنانيين طوائفَ ومذاهب من خلال الخطوات التالية:

1- التفرُّد بدعم الجيش السوري في لبنان في لحظة اتهامه من الغالبية الساحقة من اللبنانيين باغتيال زعيمٍ وطني، وإطلاقهم ثورة ديموقراطية سلمية طالبت بانسحابه الفوري من لبنان.

2- الوقوف ضدّ المحكمة الدولية الخاصة بلبنان التي شكّلت لدى غالبية اللبنانيين الفرصة لوضع حدّ نهائي لمنطق التفلّت من العقاب وإنهاء الإغتيال السياسي.

3- العمل على تغليب المصلحة الحزبية على المصلحة الوطنية من خلال التمسّك بجيشٍ حزبي وغير شرعي يأتمر بإيران.

4- محاولة إبراز قدرة الحزب على أنها أكبر من قدرة الدولة. فهو مَن يقرّر السلم والحرب، ومن يحقّ له التفاوض للإفراج عن معتقليه، ويستخدم سلاحه في الداخل…

5- محاولة إقناع طائفته أنها من دونه ستكون عرضة لمحاسبة شرسة وغير عادلة من قبل الطوائف الأخرى.

6- محاولة إقناع اللبنانيين بأنه يمثّل النموذج الناجح في لبنان، وتشجيع الطوائف الأخرى لتحذوَ حذوه عوضاً عن التمسّك بالدولة والقانون والدستور.

أما في العوامل الخارجية فنذكر:

1- الثورة السورية التي تحوّلت بحكم سلوك بشار الأسد إلى ثورة مسلّحة، ما أدّى إلى بروز تيارات متطرّفة أخافت اللبنانيين، فبدأوا ينظرون إليها من مربعاتهم الطائفية بدلاً من مواجهة الأحداث من مساحة وطنية مشترَكة.

2- نفوذ إيران الذي تمدّد بواسطة المجموعات العسكرية من اليمن حتى المتوسط.

3- تخاذل الغرب في وضع حدّ لمأساة الشعب السوري.

لا شكّ أن هذه العوامل الداخلية المتمثّلة بسلوكيات «حزب الله» والخارجية الممتمثّلة بالأحداث الإقليمية قد هزّت أركان الإجتماع اللبناني، إنما من دون أن تنسف الأسس الحقيقية التي اجتمع حولها اللبنانيون.

وإذا كان في داخل الجسم اللبناني مَن يراهن على تفتيت المنطقة إلى دويلات طائفية صافية أو على استمرار الحرب إلى ما لا نهاية أو على بروز
تيارات إسلامية عنفية، فهناك أيضاً مَن يعتبر أنّ لبنان الموحّد والمرتكز على استخلاص الدروس من تجربة الحرب الأهلية وما بعدها يشكّل الجواب الشافي لهذه القراءات الخيالية أو الرهانات.

إنّ مواجهة الأحداث لا يمكن أن تكون من مربعات طائفية كما أنه لا توجد حلول لأزمات الطوائف بمعزلٍ عن حلّ وطني للجميع. وليس هناك من خلاصٍ للسنّة وآخر للشيعة أو للمسيحيين والدروز، فإمّا أن ننجوَ جميعاً وإما نغرق منفردين.

لذا علينا أن نجعل من سنة 2015 سنة التفكير في إنشاء إطارٍ وطني يشارك فيه الجميع حول فكرة لبنان. إنّ هذه التجربة أصبحت رائدة اليوم في كلّ أنحاء العالم الذي يبحث عن سبل العيش بسلام في مجتمعاتٍ متنوّعة.