بول ناصيف عكاري: لا انتخابات في ظلّ الاحتلالات

100

لا انتخابات في ظلّ الاحتلالات
بول ناصيف عكاري/الكلمة اولاين/25 آذار/2022

العمليّة الانتخابيّة كشفت عن عورة “اللبنانيّ النمطيّ” بكلّ تجلّياته. هذا اللبنانيّ، الذي بإمكانه، وببراعة فائقة، أن يلعب عدّة أدوار متناقضة في نفس اليوم من دون خجل أو وجل، ومن دون أي رادع أخلاقيّ أو وطنيّ. بعقله النمطيّ هذا، ما المنصب، بالنسبة إليه، إلّا لتكديس الأموال (غير الشرعيّة والمنهوبة) والنفوذ (التسلبط على أهله…) والمقامة الاجتماعيّة الرفيعة (حاشا) والحصانة للهروب من المحاسبة (الارتكاب والفساد). قامت “الثورة” على مفاهيم وطنيّة ل “قبع” “كلّن يعني كلّن” ولاستعادة الدولة منهم ومحاسبة المرتكبين. وإذ بمعظم “الثوار”، وبسحر الانتخابات، تراهم يتشاركون مع “كلّهم” تحت أعذار وأوهام وتمنّيات لا تمتّ إلى المنطق والواقع بصلة. المهم “قوم تا أقعد محلك”، و “الفخار يكسر بعضه” من أجل الوصول إلى ما توفر من مركز سلطويّ! حاليّاً المقعد النيابيّ هو المرتجى. الانتخابات هذه، ما هي إلّا فخّ من أفخاخ المنظومة المافياويّة التي نصبتها “للثوار”، ومنهم الوصوليّين والمنافقين، ووقعوا فيه ساذجين لأنهم أنانيّين مشرذمين وغير موحّدين؛ والأهمّ أنهم فاقدي للرؤية وللمشروع الوطنيّ.

الأوضاع في لبنان لا تبشّر بالخير لأنّ أفعال وسلوكيات من يدعون نفسهم حكّام البلاد، أو النخبة الفاسدة، التي تُوَصَّف بكلّ ثقة بالمنظومة المافياويّة بقيادة عصابة الستّة، أدّت إلى الانهيارات الماليّة والتجاريّة والاقتصاديّة. حاليّاً، نحن قي قلب الانهيار السياسيّ الذي سوف يؤدّي حتماً إلى الانهيار الاجتماعيّ. ما قيمة أي موقع في الدولة في زمن الانهيارات والاحتلالات؟ وما نفع الجلوس معهم على نفس طاولة الخيانة والفساد والصفقات وشرعنة السرقات؟

“التجارة بالأديان هي التجارة الرائجة في المجتمعات التي ينتشر فيها الجهل. فإن أردت التحكم في جاهل، لا عليك إلّا أن تغلف كلّ باطل بغلاف دينيّ” (ابن رشد). وعليه، أصدر رجال الدين آنذاك، فتاواهم بحرق جميع كتبه، خوفاً من تدريسها لما تحتويه، بمفهومهم الحاقد، من مفاسد وكفر وفجور وهرطقة. زحف الجهلة من الناس إلى منزله وحرقوا كتبه حرقاً حقوداً… وهذا ما يمعن في فعله عامل الوليّ الفقيه في لبنان في موطن العلم والفكر والإبداع والثقافة والحياة الهنية. ومن أهداف الحزب الأساسيّة ضرب مفهوم الإنسان والحريّة التي قام عليه لبنان وبالتالي المجتمع الحرّ لأنّ بالحريّة لا يحتفظ “السيّد” بولاء الناس. “سيأتي على الناس زمان مساجد المسلمين عامرةٌ، وهي خرابٌ من الهدى، وفقهاء ذلك الزمان شَرُّ فقهاء تحت ظل السماء، منهم تخرج الفِتَنُ، وإليهم تعود”، كأن الإمام علي كان عالماً بما سيحدث في لبنان وإيران. لقد تمكّن الحزب بعقيدته المجوسيّة من إفقار مخيلة أتباعه من كلّ ما هو جميل بحيث يعتبرون أن الدمار والانهيار والقتل والدم هي الأشياء الجميلة على هذه الأرض.

أسوأ ما يمكن أن يحدث لمجتمع هو أن يسيطر من يدَّعون أنفسهم فقهاء وكهّان على المؤسسة الدينيّة وبواسطتها على جمهورهم. يزعمون، بوكالتهم المزيّفة عن الله، أنّهم أوصياء على العباد والبلاد. فيسخّرون بذلك دينهم لمصالحهم السياسيّة والعسكريّة والماليّة، ولإشباع شهواتهم السلطويّة ونزواتهم الدنيويّة، ويتاجرون بدينهم من أجل السلطة المطلقة وتكديس المال الحرام والإبداع في الجريمة المنظّمة. فبتزوير النصوص الدينيّة بتفاسير وشروح ومفاهيم مزيّفة وفتاوى غب الطلب، يتمّ إخضاع عقل الاتباع والأزلام بحيث يصبحون عبيداً لهم ولمشروعهم الشرّير وليس لله.

هذه الانتخابات هي أيضاً عملية احتياليّة إلهيّة، بمعيّة الوليّ الفقيه، بصبغة دستورية لإضفاء شرعية قانونيّة وضعيّة ل “الثنائيّ الشيعيّ” مضافاً إليه “العونيّة البولانجيّة” ليندمجوا في “الثلاثيّ الممانع”. هذا الأخير، طوعاً أو غصباً، سيعود ويسلم شرعيّاً الدولة والسيادة إلى حزب الله من أجل تحقيق مشاريع وأهداف مشغّله. أفعال وسلوكيّات الحزب تبنى وفقاً لمبدأ التقيّة، والربحيّة المستدامة في استثمار الدين والجهلة من الاتباع والجمهور، وإيصال الأزلام إلى أعلى المراكز بواسطة “البندقيّة الإلهيّة”. هذا التحوير والتزييف، ما هو إلّا المدخل الشرعيّ إلى تحليل الكذب والنفاق والفجور وقتل الخصوم السياسيين والمفكرين غدراً. كذلك هو الحرام المحلّل في حماية الفساد والفاسدين والتحالف الانتخابي معهم ومع الحراميّة والوصوليّين والانتهازيّين. أمّا تغطية سارقي أموال الأرامل والمتقاعدين والشعب الآمن فهو حلال الحلال.  كلّ ذلك، لصالح سلاح المقاومة ومشروعها التدميري الذي ساهم ويستمر في قتل اللبنانيّين أكثر مما قتلت إسرائيل منذ نشأتها، وتدمير البلد على رؤوس أبنائه أكثر مما خرّبت إسرائيل في غزواتها واحتلالاتها. بكلّ بساطة، من يخالف، عن سابق تصور وتصميم، تعاليم الإمام علي ويستنبط إلهاً عجيباً غريباً من أجل مصالح غير مفهومة في الزمان والمكان، يستسهل عليه وبكلّ طمأنينة أن “يغلي الميثاق والدستور” و”يشرِّبنا زومهما” ويبيع ويشتري البلد في السوق الإقليميّ.

“لا انتخابات في ظلّ الاحتلالات”، شعار أطلقناه في خضمّ العملية الانتخابيّة من أجل تبيان واقع الأمور السيئ وما آلت إليه، لإعادة توجيه بوصلة “الثورة” نحو الهدف الصحيح، ومن أجل حثّ “الثوار” على العقلنة والرويّة وحسن التدبير. نعني هنا بالاحتلالات المتمثلة بالاحتلال الإلهيّ للوطن، الذي تمكن من السيطرة على السيادة من ضمنها المعابر كافة، وعلى قرار السلم والحرب، وعلى خيارات المواطنين وعلى القرار الوطنيّ. كذلك، أمعن إمعاناً، وبالتواطؤ مع المنظومة المافياويّة بقيادة عرّابها، “مقسم الأرزاق”، من احتلال الدولة ومؤسساتها، والمجلس النيابيّ ومؤسستي القضاء والأمن، والضمان الاجتماعيّ، والاتحاد العمّاليّ والنقابات، والجامعة اللبنانيّة، ومشاعات الدولة، إضافةً إلى حسابات وأموال المودعين. كما تمكن هذا الحزب من احتلال الوعيّ واللّاوعيّ للجماهير، ترهيباً أو ترغيباً، واحتلال المساحة الثقافيّة والفكريّة والعلميّة. والأخطر من كلّ ذلك، ضرب الهويّة اللبنانيّة لتغييرها بما يتناسب مع عقيدة مشغّله.

التغيّير لا يمكن أن يأتي من الخضوع إلى المنظومة المافياويّة ومشاركتها فتافيت السلطة، لانّ أصحاب هذه المنظومة سوف يستشرسون من أجل الحفاظ على مكتسباتهم وامتيازاتهم المافياويّة والسلطويّة والماليّة. المثال الصارخ هو التحالف الرباعي الذي دمّر ثورة الأرز وأدخل أعضائه، المتعطشين للسلطة والمكاسب، في المنظومة. لذلك، نطلب من “الثوار” الشرفاء وكلّ من نزل إلى ساحات الثورة وخصوصاً في 4 آب الفائت، بدل التلهّي في هذه الانتخابات الفخّ، أن يحزموا أمرهم والعمل على بلورة مشروع وطنيّ إتقاذيّ بإمتياز يأخذ على محمل الجدّ كافة هواجس اللبنانيّين وتطلعاتهم من أجل استعادة الدولة وبنائها بما يتناسب مع آمال الأجيال القادمة. وهذا يتمثل، أولاً وقبل كلّ شيء، بإعلان بطلان العمليّة الانتخابيّة لأنّ القانون الحاليّ هو غير شرعيّ ويناقض مبادئ الدستور وأحكامه ويضرب ميثاق 1943 في الصميم. من ثمّ، رفض وعدم المشاركة، ترشحاً واقتراعاً ومساهمةً، في هذه الانتخابات ولتترك الساحة لأحزاب السلطة الآذاريّين كافّة للتناطح في ما بينهم.

الموقف الوطنيّ يتطلب رجالاً مناضلين وثابتين على وطنيّتهم ومواقفهم من أجل تحقيق المشروع المنشود المفترض أن يكون مبني على روحيّة ومبادئ ميثاق 1943…والرجال قلال…

بول ناصيف عكاري
 #عصابة_الستة
#المنظومة_المافياوية
#حزب_الكرتون
#عهد_الخراب
#متلازمة_الموارنة
#لا_انتخابات_في_ظلّ_الاحتلالات