الكولونيل شربل بركات/الثلج في كندا والطبيعة المبدعة

103

الثلج في كندا والطبيعة المبدعة

الكولونيل شربل بركات/03 شباط 2022

زارنا الثلج مجددا الليلة الماضية بعد أن كنا أنهينا تنظيف ما تكوم حول مداخل البيوت من الثلجة الماضية التي كانت تعتبر كبيرة بينما كانت هذه “ثلجة مهضومة” نوعا ما ولو أنها لم تنتهي بعد. فقد نزل ما لا يزيد عن 3 انش أي حوالي 8 سنتم من الثلج النفناف الخفيف والذي يسهل تنظيفه ولذا لم يكن هناك داعي لاخراج ماكينة تنظيف الثلج (snow blower) واكتفيت بالرفش المخصص للثلج. وبينما كنت أزيح الثلج لتجميعه قبل رفشه صوب الحديقة لفتني منظر تلك الشجيرات التي تفصل بيني وبين جاري وتزيّن المدخل في الصيف بزهورها البيضاء والبنفسجية الكثيرة والتي تتتالى أفواجا ولكنها لا تدوم كثيرا ولذا فهي تخرج فوجا بعد الآخر ليستمر التلون في سياج الحديقة. وعند حلول الخريف وبدء تساقط الأوراق تبقى هذه الأكواز التي تشبه عفص السرو تقريبا على الأغصان الصغيرة ولا تسقطها حتى رياح تشرين الشديدة والتي تنظف الشجر من أوراقه تحضيرا لقدوم الثلج. وكنت أجد صعوبة بازالتها باليد فهي عالقة ومتمسكة وكأنها ترفض السقوط ما دعاني للتساؤول لماذا تبقى هذه على الأغصان بينما تسقط كل الأوراق؟ وما هو الداعي لعدم سقوطها؟ ولكنني اليوم وأنا أتأملها صامدة بوجه الريح والعاصفة فهمت قدرة الخالق؛ فهذه الأكواز تحمل بذارا في داخلها تعتبر الغذاء الوحيد لعصافير الدوري القليلة التي تمضي الشتاء بيننا وعند تغطية الأرض بالثلج لا يمكنها باي شكل أن تجد ما يقيتها حتى أننا نرمي لها أحيانا فتات خبز أو حبوب قليلة لتتغذى وفهمت سر تعلّق هذه الأكواز بأمها وقدّرت أن السبب الأساسي هو تغذية هذه العصافير من بذارها، فسبحان الخالق الذي نظّم هذه الطبيعة. وقد كان السيد المسيح نبهّنا لعدم الخوف من المستقبل عندما قال أنظروا إلى طيور السماء فإن أبيكم يطعمها بدون أن تشقى أو تتعذب.

أخذتني هذه الأفكار لجانب آخر من قدرة الطبيعة وتنظيمها وتذكرت يوم كنا نهتم بمزرعة الأبقار وقد زرت الكونتوار الزراعي وتحدثت يومها مع الدكتور رياض سعادة الذي شرح لي أهمية زراعة البرسيم كعلف للأبقار الحلوب وقال لي يومها بأن هذه النبتة موجودة بكثرة في أرضنا وتسمونها “نفلة” وورقتها تشبه بالشكل ورقة السباتي أي لها ثلاث أوراق صغيرة وتعتبر رمز أيرلندا، ومن يومها أخذت بالاهتمام بهذه النبتة ومراقبتها وقراءة أبحاث ومواضيع عنها حيث عرفت بأن أحد أنواعها يحمل ثلاثة بذور تنمو الأولى منها في السنة الأولى بعد سقوطها ثم في السنة الثانية تنمو البذرة الثانية وفي السنة الثالثة تنمو البذرة الثالثة وهذا لكي تستمر في العطاء ويستمر النوع كونه إن جاءت سنة لم تثمر فيها الزهور لسبب ما (قحط، حريق، أو أذا ما أكلت قبل البلوغ…) فإن الخالق جعل لها القدرة على النمو مجددا وترك أحتياطا في الأرض يكفي لثلاث سنوات متتالية لكي لا تفنى هذه من الأرض. فهل بعد ذلك من خوف على المصير؟

كانت والدتي عند تحضير المونة تضع زيتا على الفول وتفركه فسالتها لماذا وكان جوابها أن الزيت يمنع السوس من الدخول إلى حبوب الفول، وقد يكون معها حق ولكني مع الخبرة تعلمت بأن السوس يخلق من داخل البذرة ولا يأتي من الخارج، فقد جعل الله لهذه الحبوب نظاما ذاتيا للتدمير (Self destruction) فهي بعد أن تخدم لمدة سنة كاملة إما أن تستعمل وإما أن تموت بالأرض لتعطي نباتا جديدا وإما أن تزول وحدها بواسطة تلك الحشرات الصغيرة التي تأكلها وتنظف الأرض منها. فسبحان من نظّم هذا الكون وصنع هذا التوازن الذي يسهم في الاستمرار والنمو ولكنه لا يقبل بالتكديس والاستغلال. وقد يكون هذا ما جرى حتى مع الأموال المكدسة بالبنوك في لبنان والتي تعاظمت بسبب الفوائد الكبيرة وها هي تزول مع ارتفاع سعر الدولار، فهل هذه أيضا حالة طبيعية لاعادة التوازن في المجتمع؟ ربما، ولو أنها غير مقبولة على أي كان. فهل نفهم سر الوجود ونتعرّف أكثر في يومياتنا على ارادة الخالق ونسعى لتنفيذ مهماتنا على هذه البسيطة بدون تبجح ولا شراهة وبدون طمع أو خوف لأن للطبيعة ومن نظّمها قوانين لا تقبل بالتجبر ولا تسمح باستمرار الاستغلال مهما بلغت القوة. ومن هنا فإن من خاف الله وحفظ قوانينه استطاع الاستمرار أكثر بكثير ممن حاول رفضه أو استعماله لزيادة التسلط بالقوة وهما وجهان لعملة واحدة.

فيا مطعم العصافير وحامي الجياع ومدبر النبات، الحاني على الانسان ومعتبره المساعد الأقرب في تنظيمك لهذا الكون، هلا فتحت عيوننا وألهمت من يحاول تشويه اسمك وصورتك وارادتك، بأن لكل من تصوّر بأنه غير فاني سوس سينهشه من الداخل، وكل من اعتقد بأنه انما يجمع لأولاده، بأن الطبيعة عينها ستأكله إذا لم يتعلم الأهل أولا والأولاد ثانيا كيفية احترام قواعدها واتقاء الله والتعاون مع القريب الذي أعطانا السيد المسيح المثل عنه في كلامه على السامري الصالح. فهل نتعظ؟.. وهل نتعلم؟.. أم أن الغضب الذي يحيطنا اليوم سيبقى قليلا على القصاص المنتظر؟… لا قدّر الله…

ما زلنا موعودين باستمرار موجة الثلج هذه الليلة وقد تستمر ليوم السبت، ومع أن الحرارة ليست متدنية كثيرا اليوم فهي لم تتجاوز ناقص تماني (-8) ولا وجود للرياح التي تزيد البرودة كثيرا وهذا ما يجعل الطرق سالكة ومعجوقة كالعادة لأن الجميع في أعمالهم إلا أن الشتاء يبدو هذه السنة مقبولا كون بداية شباط قليلة البرودة نسبيا والأربعين يوم القادمة بحسب عيد دخول المسيح إلى الهيكل تبدو مثلجة ولكن أدفى من العادة…