شارل الياس شرتوني/لا حل داخليا بعد اليوم، التدويل هو الحل

101

لا حل داخليا بعد اليوم، التدويل هو الحل
شارل الياس شرتوني/13 كانون الثاني/2022

تحيلنا المشاهدة الأولية للأوضاع العامة في البلاد الى استنتاجات حاسمة لجهة المناخات الانقلابية التي تديرها الفاشيات الشيعية والتي تتمظهر من خلال التعطيل الاستنسابي للعمل الحكومي،والتواري التام من قبل الحكومة الصورية عن معالجة الأزمات المالية المتوالية وذيولها الاقتصادية والاجتماعية والتربوية والصحية المدمرة، والتحصن داخل الاقفالات الاوليغارشية والدوائر السياسية المغلقة، وتجاهل الحراكات المدنية والاجتماعية والسعي الى نسفها من الداخل من قبل الاتحاد العمالي العام، الذي شكل منذ بداية التسعينات رافعة أساسية لسياسة السيطرة السورية، والذي يعتبر حاضرا أداة من أدوات المافيات التي يديرها الثنائي الشيعي. ناهيك عن الملابسات التي تحيط الاستحقاق الانتخابي القادم التي تتدرج بين امكانية اجرائها، وما سوف ينتج في حال عدم اجرائها، خاصة وأن خريطة التحالفات الانتخابية المحتملة لا تزال قائمة على التخوم التي ارستها الاوليغارشيات منذ بداية التسعينات، مع هوامش طرفية للمعارضات السياسية والمدنية، يضاف اليها إسقاط الطرح الاصلاحي لحساب المشاريع السلطوية وتقاطعاتها الداخلية والاقليمية. تودي بنا هذه الملاحظات الى استنتاج سوسيولوجي عميم يظهره الانفصال التام بين المجتمع المدني والمشاكل الحياتية المميتة التي يعيشها اللبنانيون، ودوائر العمل السياسي التي تحولت الى نطاقات اوليغارشية مغلقة تتحرك انطلاقا من حساباتها الخاصة، ومن التبعيات الاقليمية التي تحكم مفكراتها واداءاتها على تعدد موضوعاتها.

نحن أمام نهج سياسي تحكمه السياسة الانقلابية التي تديرها الفاشيات الشيعية،ومصالح الاوليغارشيات السياسية-المالية التي تعمل على حماية سياسات النهب التي أدارتها منذ بداية التسعينات، وفي كلا الحالين نحن أمام مخارجات نافية للسيادة الوطنية والأولويات الاصلاحية التي تحكم إمكانية خروج البلاد من سياسة “الازمات المتناسلة”، وأزمات الحوكمة كما بلورتها التموضعات الارادية على خط النزاعات الشيعية-السنية إقليميًا، وسياسة الاستنكاف غير المواربة عن معالجة الأزمة المالية ومترتباتها الكارثية. نحن أمام فعل جرمي إرادي نشأ عن سياسة نهب طوعية ومخطط لها من قبل أطراف الاوليغارشيات المتحالفة منذ ٣٢ سنة، وسياسة عدم الفعل كما يؤشر له نهج الاستكانة والتجاهل والصمت حيال واقع الانهيارات البنيوية التي تستهدف قدرة التعافي البنيوية ومستقبل الكيان اللبناني، نحن كما قال وزير الخارجية الفرنسي جان ايڤ لودريان” أمام جريمة الانكفاء عن مساعدة شعب في حالة خطر مميت”، من قبل اوليغارشيات سياسية حاكمة تضع مصالحها ومصالح محاور النفوذ الاقليمية التي تتبعها فوق كل الاعتبارات. لم نعد في دائرة التخمين والاحتمال، نحن أمام نهج سياسي ثابت، ومصالح مالية، واداءات انقلابية، ومحاور نزاعية مترابطة، تسعى ليس فقط لحماية مكاسب ومواقع نفوذ، بل الى تثبيت واقع التسيب الاخلاقي والانومية والانهيارات، تمهيدا لتبدلات جيو-پوليتيكية تنهي الارث الوطني اللبناني، وتضرب الاسس الديموقراطية والليبرالية للاجتماع السياسي اللبناني.

تقع المراهنة على الانتخابات النيابية القادمة في دائرة التمني، وليس في سياق التقدير الواقعي للمسار السياسي والنزاعي في البلاد، مما يعني انه لا وجود للتداول الديموقراطي للسلطة في ظل مناخات انقلابية تسعى الى تغيير المعادلات الوطنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والسكانية الناظمة، واقفالات اوليغارشية محكمة لن تترك مجالا للمشاركة الديموقراطية، وواقع الأزمات المالية المفتوحة والافقار التصاعدي الذي دمر القطاعات الاقتصادية والذخر الاجتماعي اللبناني، وأودى الى موجات الهجرة الجماعية التي تطال أساسًا الشباب والكفاءات المهنية. لم يعد هنالك من سبيل سوى اللجوء الى التحكيم الدولي من خلال شرعة الامم المتحدة (الفصول ٩،٨،٧) من أجل ايجاد تسوية سياسية جديدة، وصندوق النقد والبنك الدوليين والبنك الاوروپي للانماء وإعادة الاعمار، والدول المانحة من أجل اصلاح الحوكمة، والمحكمة الدولية الخاصة بانفجار بيروت (٤ آب،٢٠٢٠).إن التسمر في مناخات اعتراضية يائسة تدفع إليها سياسات التسيب الارادي المجرمة، والمراهنة على التداول الديموقراطي من خلال الانتخابات النيابية يصطدمان بمشاريع سلطوية كبيرة وتدميرية ومصالح جرمية لن تفسح مجالا لأي بدائل ديموقراطية في لبنان الحاضر، لا خيار لنا سوى التدويل.