الكولونيل شربل بركات: لماذا اختار الحزب الإيراني بلدة شقرا لمواجهة القوات الدولية؟

1228

لماذا اختار الحزب الإيراني بلدة شقرا لمواجهة القوات الدولية؟
الكولونيل شربل بركات/25 كانون الأول/2021

بعد زيارة السيد غوتيريس الأمين العام للأمم المتحدة إلى لبنان الأسبوع الماضي قامت عناصر مخلة بالأمن من لواء “الأهالي” التابع لحزب الله كالعادة بالاعتداء على دورية لقوات الأمم المتحدة كانت تقوم بواجبها المعتاد في البلدة الجنوبية ما أدى إلى محاصرة هذه القوة ومحاولة تكسير الآليات ومن ثم دعى إلى تدخل الجيش وتطييب خاطر الحزب المسلح للسماح لأفرادها بالخروج سالمين من البلدة وقد ورد في وسائل الإعلام أيضا بأن مجموعة أخرى قامت بمحاولة الاعتداء على آلية للقوات الدولية في كوثرية السياد.

السؤال هنا لماذا اختار الحزب، الذي يستعمل “لواء” الأهالي في أي مكان عند الحاجة، خاصة في هذه الأيام العصيبة التي يمر فيها المواطنون وسهولة دفعهم بأقل الأثمان لعمل ضد مصلحتهم تنفيذا لأوامر من له اليد الطولى بالتحكم بلقمة العيش وتوزيع كافة المواد التموينية أو المحروقات والأدوية وما إلى هنالك من حاجات الناس “المقهورة”، لماذا اختار بلدة شقرا لتنفيذ هذا الهجوم وما هي خلفياته ورمزية هذا الاختيار؟

نحن نعرف بأن حائك السجاد وتاجر البازار عندهم من الفطنة وبُعد النظر ما لا يمتلكه بقية الناس العاديين ومن هنا نفهم كيف توصل حزب الله هذا الذي يأتمر بأوامر هؤلاء لتصدّر السياسة اللبنانية والقبض على مفاصل الدولة بسرعة وسهولة لم يجاريه بها أحد من قبل، بالرغم من امتلاكهم وسائل وأموال طائلة ووقوف أحزاب ومجموعات لبنانية بكاملها خلفهم. ومن هنا لا بد أن يكون لاختيارهم بلدة شقرا رسالة معينة يريدون إيصالها للمجتمع الدولي والمحلي في نفس الوقت. فشقرا هي قرية مهمة في منطقة بنت جبيل وهي جارة تبنين بلدة الرئيس بري ومنها العلامة علي الأمين مفتي صور السابق الذي طرد من مكتبه على يد جماعة الحزب وأعوانهم، لا بل أوقفت حكومة السنيورة معاشه يومها، ولكنه أصبح رمزا لمعارضة هؤلاء الذين يشوهون وجه الشيعة اللبنانيين ويمنعونهم من التخلص من سيطرتهم والتنفس بحرية كما كانت عادتهم على ممر العصور، وقد كانوا حملوا دائما لقب “شيعة الحق” وعلموا الناس، حتى في إيران الصفوية، كيف يكون أصول التعامل بينهم. ومن جهة أخرى فعائلة الأمين هي من السياد أي الذين يرجعون بالنسب إلى النبي محمد ولا بد أن تكون كلمتهم مسموعة، ومن هذه العائلة الكثير من التقدميين وعلى رأسهم في هذه الأيام علي الأمين الصحافي المعروف الذي يكتب في موقع “جنوبية” ويظهر على وسائل الإعلام، والذي حاول تحدي الحزب في الانتخابات الماضية بالرغم من تعرضه لعملية تهديد وحتى التعدي عليه بالضرب.

يوم حاول الحزب تجاوز المقبول إسرائيليا في مناوشة الجيش الجنوبي، ولكي يرفع مستوى التأثير الإعلامي، وبينما كانت إسرائيل تشن حملة من القصف ضد مواقعه، قام باختيار بلدة قانا التي كانت بدأت تعرف عالميا كمكان أول أعجوبة قام بها السيد المسيح بتحويل الماء إلى خمر واعتبارها رمزا دينيا عالميا، وخلق واقعة أدت إلى مقتل حوالي مئة من سكان القرية المدنيين الذين كانوا التجأوا إلى مركز الأمم المتحدة، وقد هدد الإسرائيليون قوات الأمم المتحدة يومها بقصف الموقع إذا ما استمر إطلاق الصواريخ من قرب مركزهم، وحاول عناصر الفرقة الفيدجية الطلب إلى هؤلاء بنزع بطاريات صواريخهم من المكان، وقاموا حتى بالاشتباك معهم حيث قتل أحد الجنود الفيدجيين وجرح آخران ما دعى قيادة القوات الدولية للطلب من عناصر الكتيبة الفيدجية النزول إلى الملاجئ فور بدء القصف، وهذا ما جرى، إلا أن السكان الذين كانوا احتموا بمطعم الأمم المتحدة يومها، وهو كناية عن براكية من ألواح الزينكو والخشب، وعند رد الإسرائيليين على القصف باستهداف مربض جماعة الحزب، قام هؤلاء بتفجير قوارير الغاز التي تستعمل للمطبخ، أو قد تكون بعض الشظايا فعلت ذلك لا فرق لأن النتيجة التي أرادها أسياد الحزب، وهي مقتل المدنيين في مركز تابع للأمم المتحدة، حصلت وبنتيجتها لم تقدر قيادة القوات الدولية يومها على تبني هذه المجزرة فتركتها على عانق إسرائيل التي احترمت موقف القوات الدولية ولم تزايد على الموضوع. فكان أن خرج الحزب منتصرا، كون إسرائيل اضطرت لوقف العمليات ضده بعد حصول هذه المجزرة. وقامت قيامة الدولة اللبنانية وتحولت عملية إسرائيل لوقف الهجمات عليها إلى عملية ضدها، لا بل نجح حزب الله بأن يجعل من قانا، البلدة التي تعرضت للمجزرة، مركزا تقام فيها الاحتفالات لتصوير الحزب بأنه مقاومة ضد عدو لا إنساني يتعرّض للمدنيين وتستغل البعد العالمي للقرية التي جرت فيها أعجوبة السيد المسيح.

من هنا فإننا نرى بأن عملية اختيار شقرا بالذات لها دلالاتها فقد شعر الحزب بأنه مستهدف وقد بدأ شعور العداء ضده يظهر بين كل اللبنانيين وحتى بين أبناء الطائفة الشيعية، ولذا وخوفا من أن تنقلب الأمور ضده، خاصة وأن زيارة الأمين العام للأمم المتحدة جاءت لتعطي زخما للتحركات الشعبية وفرصة للمعارضة لإيصال صوتها إلى أعلى موقع في المنظمة الدولية، وبعد تزايد الخوف من ضربة توجه لإيران بسبب تعنتها في موضوع السلاح النووي، وكل المصائب الاقتصادية والمعيشية التي تسبب فيها الحزب وتصرفاته، فإنه شعر بالضيق، ومن هنا ردة فعله في إظهار أبناء شقرا بالذات ومنطقة تبنين، معقل الرئيس بري، كمعارضين للأمم المتحدة وأي من مشاريعها في لبنان، فلن يمر أي مشروع لنزع السلاح كما يطالب اللبنانيون بواسطة القوات الدولية ووضع لبنان تحت البند السابع، ولا أمل لأي تحرك باتجاه قرار دولي كهذا، ولا تأييد شيعي لأي تغيير في موازين القوى، خاصة إذا ما تعرّض الحزب بعد ضربة لإيران ومحاولته الرد على إسرائيل بإطلاق الصواريخ للاعتداء أو التحجيم الذي يخاف منه ويحسب له حسابات كبيرة. فالإرادة الشعبية العامة تسير بمجملها باتجاه معاكس لأحلامه، والشعب يئس من تدخله بكل شاردة وواردة، واستعداء العالم كله له، وهو لم يفِ بأي من وعوده لا في مجال الصحة ولا في مجال الأدوية ولا في المجال المالي ولا في موضوع الوقود، وهو استجلب مقاطعة العرب للبنان وكل منتوجاته، وحتى في مواجهته العسكرية في عين الرمانة سقط في دوامة التهديد الفارغ، وصار كلام السيد عن المئة ألف مقاتل أضحوكة الجماهير. من هنا تخوفه على المصير ومحاولته التمسك بكل الخيوط المتبقية. فهل قربت النهاية وبدأ العد العكسي؟

في هذه المناسبة السعيدة عيد ميلاد السيد المسيح الذي بشّر بالسلام ودعى إلى المحبة والوئام نتمنى لكل اللبنانيين أن يعم هذا السلام ربوع بلدنا الحبيب لا بل الشرق الأوسط بكامله، فيرحل العنف والحقد إلى غير رجعة. ولتنفتح القلوب والعقول، وينطلق الكل في ورشة عمل ناجحة يستعمل فيها الذكاء والقدرات من أجل التقدم والرفاه بدل التقاتل والبغضاء، ويسود التعاون من العربية السعودية واليمن السعيد إلى تركيا المتحضرة لا تلك العائدة إلى ظلمات الخلافة، ومن شواطئ بحر قزوين المنفتح على شرق آسيا والهند والصين إلى شواطئ المغرب الذي يعمل على التلاقي مع أوروبا، مرورا بكل قصة مصر الحضارية، ودبي المتعملقة مدينة المستقبل، وصولا إلى لبنان وإسرائيل وفلسطين المنفتحين على بحر الثروات والتجارة العالمية والنقل البري والبحري عبر سوريا والعراق والأردن، ليصبح هذا الشرق طريق الصين لأوروبا وبالعكس، وطريق روسيا لأفريقيا وبالعكس، ومركزا عالميا لتلاقي الشعوب وتعاونها. فيا طفل المغارة الذي استقبلك ملوك المجوس افتح عقول هؤلاء القادمين من الشرق ليحملوا معهم السلام الذي دعت له الملائكة بدل الحرب الموعودة، فيعم نور الله وبركته هذه الأرض، ويتفرّغ كل الأهل للعمل والنجاح لا الحقد والشر أو السرقة والإفساد.

فهل لنا أن نحلم بهذا القدر من التفاؤل بعد كل ما مررنا به، وهل سيجعل الله أيامنا سعيدة بعد كل المصاعب والمصائب التي حلت علينا؟ نحن أبناء رجاء وإيماننا يقول على لسان الرحابنة:
أومن أن خلف الحبات الوادعة تزهو جنات…
أومن أن خلف الريح الهوجاء شفاه تتلوا الصلاة…
أومن أن في صمت الكون المقفل من يصغي لي…
إني إذ ترنو عيناي للسماء تصفوا الأضواء تعلوا الألحان كلي إيمان… إيمان…
ميلاد مجيد كل عيد وأنتم بخير…