المخرج والكاتب يوسف ي. الخوري/العلمانيون اليساريون هم جيش الملالي في لبنان

854

العلمانيون اليساريون هم جيش الملالي في لبنان.
المخرج والكاتب يوسف ي. الخوري/17 كانون الأول/2021

إنّ أكثر الأوقات التي أشعر فيها بأنّ لبنان بلد طائفي هو حين أجالس شيوعيًّا أو يساريًّا ملحدًا أو علمانيًّا يدّعي التحضّر، فهؤلاء هم عبارة عن موضة لم تتجدّد منذ سبعينيّات القرن الماضي، وهم لا يرون الطائفيّة إلّا عند المسيحيين وتحديدًا عند الموارنة.

بالنسبة إليهم، أن يُطالب بطريرك الموارنة بحياد لبنان لمصلحة لبنان وشعبه، هو أمر مرفوض لمجرّد أنّه مطروح من غبطة البطريرك، وليس لشوائب فيه! أمّا أن يحيّدوا هم، العلمانيون اليساريون، تنظيم حزب الله الديني الأصولي عن عصابة “كلّن يعني كلّن”، فهذا أمرٌ “جلَل” بالرغم من أنّه أوقع الشقاق في صفوف ثورة 17 تشرين.

بالنسبة إليهم، أن تنضمّ أحزاب الجبهة اللبنانيّة إلى الثورة، هو أمر مشين! أمّا أن ينضمّ إليها فلول اليسار الملحد، وعلى رأسهم الحزب الشيوعي الذي تآمر مع الفلسطينيين على لبنان وخرّبه، فهذا فعل “سويّ”.

بالنسبة إليهم، سمير جعجع وشباب القوّات ومعهم باقي المسيحيين، بمن فيهم العَونيون، هم “صهاينة رذيلون خسيسون” لأنّ أسلافهم اضطُرّوا إلى التعامل مع إسرائيل، في الحرب ضدّ لبنان عام 1975، للحؤول دون إبادتهم جماعيًّا. أمّا أن يتلقّوا هم حينها التمويل والدعم العسكري من ليبيا، والعراق، والصومال، ومحور البلدان الأوروبيّة الشرقيّة، وأن يتآمروا على لبنان مع منظّمة التحرير الفلسطينيّة التي بدورها كانت تتلقّى الدعم من المنظّمات الإرهابيّة الدوليّة: اليابانيّة، والإيرلنديّة، والباسكيّة، والمافيا الإيطاليّة… وغيرها… فهذا أمر يصبّ في خانة وحدة المسار والمصير “ولا شائبة فيه”!!!

بالنسبة إليهم، أن يُطرد تسعة آلاف لبناني من جيش لبنان الجنوبي إلى إسرائيل بحجّة التعامل مع مَن يُسمّونه عدوًّا صهيونيًّا، لهو “تحرير”. أمّا أن يتغاضوا هم عن الظروف التي ادّت إلى تعامل الجنوبيين مع العدو بعلم رئيس الجمهوريّة وقيادة الجيش وموافقتهما، وأن يتناسوا هم أنفسهم كيف نكّل حزب الله الديني بهم، ومنعهم من مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، وكيف أنّ هذا الحزب تآمر مع الإسرائيليين على حلّ الجيش الجنوبي وعلى سحب عناصره وعائلاتهم إلى خارج لبنان… فهذه “مقاومة” ويا ما أحلى الكحل في عينيها ولو هي إسلاميّة راديكاليّة، المهم ألّا تكون لبنانيّة بأيدي مسيحيين!!!

بالنسبة إليهم، أن تدافع الأحزاب المسيحية عن لبنان في العام 1975، هو “انعزاليّة”! أمّا أن يدمّروا هم كيان لبنان من أجل تحرير القدس، فهذا مُتاح ومُستمر لغاية اليوم، مع العلم أنّهم علمانيون وملحدون، في حين أنّ لا رمزيّة للقدس غير الرمزية الدينيّة، أللهمّ إلّا إذا كانوا يُريدون القدس لِعَلمنتِها قبل أن يُهوّدها الإسرائيليون!!!

هؤلاء “المتعلمنون” قصّتهم قصّة. من اللّحد أحيوهم، وفي لبنان وضعوهم، وحليب “تيوس” شرّبوهم، ومن الوطنيّة جرّدوهم، وعلى تخريب دولتنا دفعوهم، فأبلوا بلاءً حسنًا في مهمّتهم فسُمّوا بـِ “اليسار”.

لكن هم ليسوا يساريين بالمعنى الحقيقي للوصف، أي ليست لديهم برامج إصلاحية ولا يتمتّعون بالفكر التقدّمي كما هي الحال عند يسار الغرب، بل هم أشبه بمجموعات تلجأ إلى العنف والتخريب لتحقيق مآربها.

تتبع هذه المجموعات أحزابًا، كانت في أواسط القرن الماضي ممنوعة أو محظورة، لأنّ ايديولوجيّاتها تتناقض مع فكرة الكيان اللبناني المستقل، كالشيوعي، والقومي السوري، والبعث العراقي والبعث السوري. في العام 1969، وإثر تعيينه وزيرًا للداخليّة، بادر كمال جنبلاط إلى إحياء تراخيص هذه الأحزاب ومن ثمّ نظّمها تحت راية “الحركة الوطنيّة” لغاية محدّدة. فكمال جنبلاط، منذ تأسيس حزبه التقدّمي الإشتراكي، وهو يتطلّع إلى تغيير الصيغة اللبنانيّة ونسف الميثاق الوطني الذي يعتبره مجحفًا بحقّ طائفته الدرزيّة، إذ لا يُتيح لأبنائها تبوّء أيّ منصب رئاسي بين الرئاسات الثلاث الأساسيّة.

عشيّة حرب العام 1975، تعزّز تحالف الإسلام في لبنان مع منظمة التحرير الفلسطينيّة، ففرض كمال جنبلاط مكانته ضمنه كزعيم للدروز، وكقائد لفصائل الحركة الوطنيّة اليساريّة التي سبق أن أعاد تشريع أنشطتها، وكان باعتقاده أنّ باستطاعته استخدام هذا التحالف القائم للانقضاض على الدولة وإنهاء حكم الموارنة، ومن ثمّ فَرْض النظام الذي يتماشى مع توجّهاته. لكن ما لبث جنبلاط أن أدرك أنّ منظّمة التحرير هي الربّان في الحرب على لبنان والمسيحيين، وأنّه وأتباعه العلمانيين اليساريين ليسوا سوى أدوات يُسَيّرها ياسر عرفات.

هكذا نشأ اليساريّون في لبنان على كره المسيحيين وتحديدًا الموارنة. قتل السوريّون كمال جنبلاط فازدادوا كرهًا للموارنة. اجتاحت إسرائيل لبنان بسبب ياسر عرفات وأعماله الإرهابيّة، فازدادوا كرهًا للموارنة. فتك حزب الله بقياداتهم أواسط الثمانينيات وبعدها، فازدادوا كرهًا للموارنة. قطع السوريون أنفاسهم غداة ولادة الجمهوريّة اللبنانيّة الثانيّة، فازدادوا كرهًا للموارنة. تثبّت اتّفاق الطائف وألغى كلّ دور وحضور للمسيحيين في لبنان، فازدادوا كرهًا للموارنة.

اندلعت ثورة 17 تشرين وبغفلة نظر وعفويّة تامة التحم الشعب اللبناني تحت الراية اللبنانيّة. كان الجميع وبروح وطنيّة عالية يريد إنقاذ البلد، إلّا جماعات اليسار المنظّمة والمموَلة من حزب الله وأمريكا على السواء، فكان لها أجندة خاصة ألا وهي إعادة إحياء أفكار “الحركة الوطنيّة” الهادفة إلى تدمير الصيغة اللبنانيّة، والتي إن تحقّقت لن تتحقّق إلّا بالنيل من المسيحيين.

شوّهوا شعار “كلّن يعني كلّن” بضغطهم لتحييد حزب الله واستثناء الحزب الشيوعي من “كلّن”. طالبوا بتغيير النظام ليحقّقوا حلم كمال جنبلاط بالتخلّص من الموارنة في الحكم، وليس لجعل لبنان دولة مدنيّة. هاجموا رجال الدين، مسلمين ومسيحيين، وتمسّكوا بحزب الله الأكثر راديكاليّة دينيًّا على أساس أنّه “مقاومة”. وطالبوا بإلغاء الطائفيّة السياسيّة لأنّها تُتيح لهم فرض النظام الذي يناسبهم، ولم يتوقّفوا عند إلغاء الطائفيّة من النفوس على مستوى أسفل الهرم.

يُريدون الزواج المدني اختياريًّا كي لا يمسّوا بتوحيد قوانين الأحوال الشخصيّة التي أعطت تفوّقًا ديموغرافيًّا للمسلمين، ولأنّ توحيدها يُزعج محرّكهم وحليفهم حزب الله الديني. يُريدون قانونًا انتخابيًّا في دائرة واحدة لكي يقضوا على الصوت المسيحي بحكم تفوّق المسلمين الديموغرافي. انتعلوا عمدًا كوفيّة ياسر عرفات وكمال جنبلاط في الساحات، ليُزعجوا الثوّار المسيحيين الذين قاوموا في العام 1975، وليُخرجوهم من الثورة، وإلّا ما معنى أن نطالب جميعنا بالعلم اللبناني في الثورة بينما البعض يتزيّن ويتباهى بكوفيّة الإحتلال الفلسطيني السابق؟ فقد وصل بهم الاستفزاز لدرجة أنّ بعضهم يدّعي أنّه يناضل لأجل “حريّته” المتمثلة بأن يستطيع الظهور علنًا بالكوفيّة من دون أن يتعرّض له أحد!

هكذا هم “المتعلمنون” المتعفّنون في الأكفان، عندهم اختصاص في “إيجاد مشكلة لكلّ حلّ” (التوصيف مستعار من “بروفيسورة” صديقة)، ففي العام 1975 نجحوا في تدمير لبنان سويسرا الشرق، كما نجحوا اليوم في تشويه إشراقات ثورة 17 تشرين، فكادوا يقتلون الأمل الوحيد بولادة لبنان جديد.

هم الذين ركبوا على الثورة وهم مَن شرذم الثوّار وليست الأحزاب التقليديّة كما يزعمون. الأحزاب وحزب الله والمنظومة استفادوا من اتّخاذهم هم الثورة مطيّة ليس إلّا.

في العام 1975 كان الفلسطينيون جيش الإسلام، والعلمانيّون جيش الفلسطينيين، فتكفّلوا بخراب لبنان. اليوم، وكما تُظهره الصورة الواسعة، حزب الله هو ذراع الملالي في لبنان، والعلمانيون اليساريون هم ذراع حزب الله في الثورة لجرّ لبنان إلى حرب جديدة وللقضاء عليه.

أنا أتطلّع بشوق إلى اليوم الذي سيتخلّى فيه حزب الله عن عمالة العلمانيين اليسار له، والذي فيه سيكون مصيرهم نفس مصير الشيوعيين في إيران حين أكلهم الخميني لحمًا ورماهم عظمًا. إِيهِ والله، لن تكون نتيجة الكره للمسيحيين بأقلّ ممّا ذكرت.

#عمالة_المتعلمنون
#الصدمة_النفسية_المارونية
#المقاومة_اللبنانية
#ماينقص_العقل_السياسي_عند_المسيحيّين