فارس خشان: حزب الله لم يقتل محقق المرفأ بل اغتال التحقيق

170

“حزب الله” لم يقتل “محقق المرفأ” بل اغتال التحقيق

فارس خشان/النهار العربي/14 كانون الأول/2021  

كان يفترض أن يكون القرار الإتّهامي في ملف انفجار مرفأ بيروت قد صدر، وأن تكون التحضيرات لبدء محاكمة المتهمين أمام المجلس العدلي قد انطلقت، ولكن خابت التوقعات، فبدل أن يكون المتهمون ينتظرون مصيرهم، وجد المحقق العدلي طارق البيطار نفسه في قفص “الإتّهام”، بصفته، وفق تعبير وزير الثقافة محمد مرتضى المعيّن من قبل “حزب الله”، جزءاً من منظومة “تهديد السلم الأهلي” و”تسيير العدالة وفقاً لمقتضيات العمالة”. مشكلة القاضي البيطار، بدأت في تلك اللحظة التي لم يقبل فيها أن يأخذ عبرة من زميله “المقبوع” فادي صوّان، فقرّر المس بالشخصيات “المحصّنة” سياسياً وطائفياً، ولكنّ “جريمته” إكتملت يوم اعتبر أنّ من واجبه، إحقاقاً للحق، أن يبحث، في ضوء ما توافر له من معطيات، في مسؤولية “حزب الله” الجنائية المباشرة، عن انفجار مرفأ بيروت. عندما فعل البيطار ذلك، سارع الحزب الى تصنيفه في “خانة العملاء”. لقد أصبح، مثله مثل الرائد وسام عيد.

وسام عيد الذي كان قد فضح الدور التنفيذي لمجموعة من “حزب الله” في اغتيال الرئيس رفيق الحريري جرى اغتياله، لأنّ نتائج اكتشافاته كانت تحال، مباشرة، على “لجنة التحقيق الدولية المستقلة” التي لم يكن ممكناً للسلطة اللبنانية، بمؤسساتها وأدواتها، أن تهيمن على قراراتها. بالنسبة لطارق البيطار، ليس ثمة حاجة، حتى تاريخه، الى اغتياله جسدياً، فهو، بالمحصلة، يخضع، بشكل مباشر وغير مباشر، لقدرات السلطة اللبنانية التعطيلية، بحيث يتم توفير ما يلزم من حمايات لجميع من يرفضون استدعاءه إياهم الى التحقيق: يجري تقديم الطعون بقراراته، على الرغم من معرفة الطاعن بعدم قانونية فعله، ويتم الإيعاز للضابطة العدلية بوجوب عدم تنفيذ القرارات التي يصدرها، وتوضع الشخصيات التي يدّعي عليها في واجهة العمل السياسي والأمني، ويسمح الترهيب بدفع عدد من الضحايا الى الإنقلاب عليه، بعدما كانوا من أشدّ المدافعين عن إجراءاته، وتنظّم ضدّه حملة تجريح وصلت مع وزير الثقافة الى مستوى اتهامه بالعمالة، وترتفع وتيرة الضغوط السياسية الى مستوى تخيير المسؤولين اللبنانيين بين “تطيير البيطار” و” تطيير” مجلس الوزراء.

وهكذا، لم تكن ثمّة حاجة الى اغتيال البيطار. لقد أبقي هو حيّاً يُرزق، فيما جرى اغتيال التحقيق.

في الواقع، ما من حلّ يمكن أن يُرضي “حزب الله” في موضوع التحقيقات في قضية انفجار مرفأ بيروت، بعد النتائج التي توصّل إليها البيطار، وبيّنت توافر دور له في هذه الجريمة المروعة، سوى اغتيال التحقيق بمجمله، لأنّه لم يعد بإمكان أحد أن يمحو بصمات الحزب التي جرى اكتشافها في مسرح الإنفجار.

إنّ تقسيم الملف الذي كان قد جرى الكلام عنه كحل في وقت سابق، لم يعد، بالنسبة ل”حزب الله” ذا جدوى، لأنّ الجزء الذي يثير اهتمامه في الملف ليس معنياً بهذا التقسيم. الحل الذي كان يرمي الى إبعاد “المحصّنين دستورياً”، أي رئيس الحكومة السابق والوزراء السابقين، عن صلاحية المحقق العدلي ووضعهم في عهدة المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء الذي تتحكّم به وبقراراته الأكثرية النيابية، لم يعد يرضي “حزب الله”، فهو، كما اتضح ممّا جرى كشفه، معنيّ ليس ببعض القيادات الأمنية التي “تعرف السرّ وغطاه” فحسب، بل بأشخاص عاديين لا يشملهم أي نوع من أنواع الحصانات، أيضاً.

 وهذا يعني أنّ ما يسمّيه البعض “الحل الدستوري” للمشكلة السياسية التي أثارتها توجّهات المحقق العدلي في ملف انفجار مرفأ بيروت، لم يعد ذا جدوى بالنسبة ل”حزب الله”، لأنّه لا يمكنه، بأيّ شكل من الأشكال أن يمحو القرائن التي تؤشّر على دور يمكن أن يكون قد لعبه في حصول الإنفجار.

في الثاني عشر من كانون الأوّل (ديسمبر) أحيا لبنان الذكرى السنوية لاغتيال كل من النائب جبران تويني واللواء فرانسوا الحاج.

لا يجمع بين هاتين الجريمتين أنّهما ارتكبتا في اليوم نفسه، ولا أنّ الشبهة تحوم حول “حزب الله” بالضلوع فيهما، بل أنّ التحقيق في شأنهما قد جرى اغتياله، بسرعة، بحيث بقي الملفان خاليين من أيّ مستند يمكنه أن يؤشّر على المجرم.

ما يريده “حزب الله”، بالنسبة لملف انفجار مرفأ بيروت، لا يختلف أبداً عن مصير ملفي اغتيال تويني والحاج. من الواضح أنّ “حزب الله” يخوض صراعاً شديداً في لبنان، فهو، بعدما يجري نبذه، يوماً بعد يوم،على امتداد الكرة الأرضية، يريد أن يشدّد قبضته على “بلاد الأرز”، بحيث يحول دون صعود أي قوة وطنية متماسكة، من شأنها أن تسمح بزعزعة طغيانه.

ولهذا، فهو يصرّ، مهما كان الثمن، على أن يبقي في يده ورقة الترهيب التي بواسطتها يمارس نفوذه على جميع الراغبين بالمناصب السياسية، ويخيف جميع من يمكن أن يتمرّد على “تعليماته”. إنّ “حزب الله” يعي ما يقوم به، ويجهد في تنفيذ المخططات الممهّدة له، بأدق حذافيرها، ولكن ما هو مؤكّد، في المقابل، أنّ هذا الحزب بدأ يفقد الكثير ممّا كان يتمتع به، فالأصوات الداخلية المناوئة له عادت الى الإرتفاع، بانضمام قوى وشخصيات نوعية الى هذا المسار، والعواصم العربية والأوروبية، حتى تلك التي كانت الألطف في التعامل معه، تذهب شيئاً فشيئاً الى التشدّد ضدّه، وفق ما أظهرت مضامين “إعلان جدّة” الذي صدر عقب اجتماع الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.  ومن الواضح أنّ محاولات التصدّي التي يتولّاها “حزب الله”، قادرة على إلحاق مزيد من الكوارث بحق اللبنانيين الذين أصبحوا، بنظر المجتمع الدولي، بمثابة رهائن، ولكنّها أعجز من أن تعوّمه وتعطيه شرعية في لبنان والداخل.