العميد الركن خالد حماده/سلاح المخيّمات الفلسطينية في لبنان عودٌ على بدء

141

سلاح المخيّمات الفلسطينية في لبنان عودٌ على بدء

العميد الركن خالد حماده/اللواء/14 كانون الأول/2021  

أعادت التفجيرات التي حصلت في مخيّم البرج الشمالي والإشتباكات الداميّة التي أعقبتها بين حركتيّ حماس وفتح مسألة سلاح المخيمات الى دائرة الضوء. لن يتصدّر هذه الحدث الأمني برغم أهميّته جدول أعمال الحكومة التي يبدو أنها لن تجتمع حتى اعتبارها مستقيلة بعد إنجاز الإنتخابات النيابية المقبلة، طبعاً إذا لم يكن لدى سلطة الأمر الواقع أفضليات أخرى. حادثة الإنفجار والإشتباكات التي أعقبتها لا يقلل من أهميتها عدم دعوة رئيس الجمهورية المجلس الأعلى للدفاع للإجتماع، هو الذي اتّخذه كحكومة ظلّ يصدر من خلالها تعليماته، عند الضرورة، للأجهزة الأمنية والقضائية وبعض وزارات الخدمات خلافاً لصلاحيات المجلس المحدّدة في قانون الدفاع الوطني.

 دعوة المجلس الأعلى للدفاع لم تسقط سهواً، فالنظر في ما جرى في مخيّم البرج الشمالي يمثّل قمّة الإحراج، كيف لا؟ والأجهزة الأمنية ممنوعة من دخول المخيّم المذكور لأسباب غير واردة في أي اتّفاق أو وثيقة مشتركة بين الدولة اللبنانية والسلطة الفلسطينية. هذا لا يسري فقط على المخيّم المذكور بل يسري على كل المخيّمات الفلسطينية في عين الحلوة وقوسايا والرشيدية والناعمة والسلطان يعقوب والبداوي وسواها. عدم الدخول الى المخيّمات وعدم وجود أي دور للسلطة اللبنانية داخلها هو وليد ميزان القوى السياسي والأمني القائم في لبنان بشقيّه المحلي والإقليمي، قبل أن يكون وليد تعنتّ فلسطيني من السلطة القيّمة على المخيّم. إنّ حصول انفجار واشتباكات في منطقة عمل قوات الأمم المتّحدة هو مسؤولية الدولة اللبنانية أمام المجتمع الدولي بما يتعدّى تجاوزات حزب الله للقرار 1701، فالمخيّم ليس بيئة أهلية لبنانية.

تتحمل العهود التي تعاقبت على لبنان منذ العام 1982 مسؤولية الإبقاء على السلاح الفلسطيني في المخيّمات أو خارجها بعد خروج مقاتلي حركة فتح من لبنان في 23 آب 1982، وخروج الجيش السوري من بيروت في الخامس والعشرين، وخروج ياسر عرفات آخر المغادرين من منظّمة التحرير الفلسطينية في الثلاثين منه. لم تكن السلطة اللبنانية يومها على قدر المسؤولية في تقدير الموقف ووضع الأولويات لبناء الثقة مع المواطنين، بل عمدت الى تقديم تصفية الحسابات السياسية والحزبية على الأولويات الوطنية.

إزاء ذلك استمر المقاتلون الفلسطينيون وسلاحهم جزءاً مؤسّساً للبنى التحتية للميليشيات اللبنانية، وشريكاً في الصراعات القائمة على أرض لبنان سواء بمواجهة العدو الإسرائيلي، أو في ما بين الميليشيات المتصارعة على النفوذ، ولاحقاً كأذرع إقليمية تمثّل خرائط النفوذ السوري أو الإيراني، وربما تتحوّل عند الحاجة لاستخدامات أخرى خارجة عن رغبة الفلسطينيين المقيمين في المخيمات. بالنسبة للسلطة اللبنانية القائمة فإنّ مسألة المخيّمات يمكن أن تنحصر بما تستهلك من البنية التحتية والخدماتية، وبعبء التقديمات الإجتماعية والصحية، وبما يمكن أن يطالب به لبنان كتعويض عن كلّ ذلك. وتكبر أرقام التعويضات المطلوبة إذا ما أُضيف إليها أعباء اللجوء السوري.

إنّ استعادة سريعة لشريط الأحداث، لا سيما بعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982  تظهر الميْل اللبناني للتمسّك بالواقع الفلسطيني كما هو، وإدراجه كمعطى للإستخدام السياسي، وعدم الرغبة بتحويله إلى مكوّن مجتمعي سلمي له دوره ولا يمكن اختراقه أو توظيفه لمصالح وأهداف خارجية.  لقد شكّل الصراع السياسي الذي أعقب اتّفاق 17 أيار وما تلاه بيئة ملائمة استعاد السلاح الفلسطيني من خلالها حرية الحركة وجزءاً من دوره، وإن بالوكالة. وبالتوازي مع عودة السلاح الفلسطيني كمكوّن فاعل على الساحة اللبنانية برزت أهمية استيعاب هذا السلاح، وتحويله إلى أحد أوراق القوة على الساحة اللبنانية في ظلّ غياب القيادة الفلسطينية.

حرب المخيّمات التي اندلعت في أيار 1985 كانت الخطوة الأولى في مسار إنتاج قيادات فلسطينية بديلة تحت سيطرة دمشق (فتح الإنتفاضة). توقفت هذه الحرب في تموز/ يوليو 1988 بتسوية أنتجتها دمشق تحت عنوان تنظيم قواعد العمل الفلسطيني في مخيّمات بيروت دون أن يكون للدولة اللبنانية ولقواتها الأمنية ما يسمح لها بأي دور. أفضت التسوية الى خروج مقاتلي عرفات من مخيّمات بيروت، وبالتزامن مع الحرب الدائرة لتثبيت سيطرة دمشق على المخيّمات ولدت حركة المقاومة الإسلامية «حماس» في كانون الأول/ يناير 1987 في قطاع غزة.

المعارك الضارية التي دارت بين حركة أمل وحزب الله في الجنوب ( إقليم التفاح) ــ بالتوازي مع الشهور الأخيرة لحرب المخيّمات ــ والتي امتدت الى الضاحية الجنوبية لم تكن سوى تعبيراًعن إصرار طهران على تقاسم النفوذ مع دمشق بالقوة. شارك الفلسطينيون في الصراع السوري الإيراني عبر المكونيّن الشيعيين، وتمكّنت طهران عبر حزب الله  من تكريس ميزان قوى جديد بضمانة سورية إيرانية، وذلك بعد دخول الجيش السوري الى بيروت لوقف القتال في حزيران / يونيو 1988.

لقد خرج مؤتمر الحوار الوطني الذي عقد في العام 2006 باتّفاق واضح المعالم في النقطتيّن المتعلقتيّن بالعلاقة مع سوريا وبالوجود الفلسطيني المسلّح، وشهد مساراً من المناورات والمساومات ثم ما لبث أن انهار مع نتائج عدوان 2006. إنّ الدروس المستفادة من هذا المؤتمر تُفضي الى ما يلي :

أولاً، إنّ  النظر إلى مؤتمر الحوار الوطني على أنّه مرجعية أقوى من سلطة الدولة ومؤسساتها هو خطأ منهجي في أي مقاربة سياسية.

ثانياً، إنّ معالجة السلاح الفلسطيني داخل وخارج المخيّمات يجب أن ينطلق من دعم النضال الفلسطيني الموجود في مناطق الشتات لتجاوز أساليبه القديمة في خوض الصراع برؤية الماضي من خلال العنف وأفعال الحرب، سيما أن المنظّمات الفلسطينية التي راهنت على تلك الوسائل وحدها وصلت إلى طريق مسدود.

ثالثاً، إنّ الأرض المحتلّة هي الميدان الحقيقي للنضال، إذ لم تعدّ البرامج والشعارات المتطرفة مصدراً للشرعية بل الفلسطينيين في الداخل الفلسطيني.

رابعاً، من الخطأ أن يعتقد حزب الله أنه قادر وحده على خلق بديل يحظى بثقة الناس واحترامهم، لأنه يفتقر الى الحرص العام على الحياة المشتركة على قاعدة إصلاحية ديمقراطية متعدّدة المستويات سياسياً وإقتصادياً. إنّ ما يمكن أن يؤدي إلى حماية لبنان وطمأنة المقاومين والجنوبيين أنّ أمنهم يرتبط بمنظومة دفاعية عمادها الجيش.

* مدير المنتدى الإقليمي للدراسات والإستشارات