بالنيابة عن سعيد عقل: “انضبّوا يا قلاعيط”…رد المخرج يوسف الخوري، الناري والقاسي والمعري والفاضح على المعوربين والمتزلفين دجلاً للعروبة وللهوية العربية، والمتنكرين بجحود وابليسية للبنان ولهويته ولرسالته، وهم تجار بمية لون وطرواديين ووصوليين

934

بالنيابة عن سعيد عقل: “انضبّوا يا قلاعيط”…
الكاتب والمخرج يوسف ي. الخوري/11 كانون الأول/2021

سأقول كلمتي ولن أمشي، بل سأبقى هنا حاملًا هويّتي اللبنانيّة بكل ترفّع وأنَفَة، ولن آبه لثرثرة الببغاوات حتّى ولو اتُّهمت بالتعصّب وإثارة الفتن الطائفيّة.
في الأسبوعين الأخيرين، نشط بعض مَن يُسمّون أنفسهم “قادة رأي”، في المشاركة بلقاءات جوّالة حول الهويّة اللبنانية التي ما انتموا إليها يومًا، ولن ينتموا، لأنّ لا مكان لهم فيها. ومن “بيت مري” أطلقوا وثيقتهم تحت عنوان “لبنان السيّد حقيقة عربيّة”.

بالنظر إلى أسماء هؤلاء المدّعين قيادة الرأي، أرى أنّ من بينهم القومي العربي، والقومي السوري، واليساري المُلحد، والبعثي العراقي، والرومي من أتباع مقولة “التركي ولا بكركي”، والفَلّي من أتباع الحركة الوطنيّة وجهاز أمن 17 الفلسطيني…الخ.

مِن بين هؤلاء مَن لا يؤمن بوجود هويّة للمجتمعات، لكن، ومن دون أن ينتبه وهو يتكلّم، يزِلّ لسانه وينطق بما يختزنه عقله الباطني حول انتمائه وهوّيته الدينيّة، فيقول: “أنا أرثوذكسي ولست كاثوليكيًّا”.

مِن بينهم أيضًا مَن يُريد أن يجعل منّا عربًا ولو على قوس قزح، فيتنكّر للتعدّدية في لبنان باعتبار أنّ البصمة الجينيّة الوراثيّة هي واحدة بين اللبنانيين بنسبة 90% (هذا الزعم غير دقيق)، ويتناسى، او لا يعرف، أنّ التعدّدية، على سبيل المثال لا الحصر، يمكن أن تكون دينيّة، أو ثقافية، أو لغويّة، كما في سويسرا والكاميرون وبلجيكا وغيرها. والمضحك أنّ صاحبنا ارتكز على وحدة البصمة الجينيّة لدى اللبنانيين ليثب إلى اختلاق هويّة مركّبة لهم هي العربيّة، لكنّه لم يقارن بصمتهم الجينيّة مع البصمات الجينيّة لدى الشعوب العربية لكي نعرف ما إذا كانت هي نفسها!

وهناك من بينهم مَن تأكّد له أنّ مسيحيي لبنان هم عرب لأن مملكة البحرين دشّنت أول كنيسة في البحرين هذا الأسبوع!!

لماذا أمثال هؤلاء يغتصبون، بـِ “معرفتهم” الفولكلوريّة الاستعراضية، هويّتنا في هذا الظرف العصيب؟!

يتمنّى البعض عليّ عدم التوقّف عند هكذا ظاهرة جوفاء، لكنّني حين أشاهد كيف يُمعن هؤلاء “المنظّرون” تشويهًا في الهويّة اللبنانيّة، يُصيبني تقبّض وألم في المعدة، خصوصًا حين يُهلوِسون بأنّ عروبة هويّتنا محسومة في اتّفاق الطائف، وبأنّ “لبنان السيّد حقيقة عربيّة”!

تكفيني هاتين الهلوَستين لأُدرك أنّكم لا قادة، ولا أصحاب رأي. هويّات الشعوب ليست عقد بيع وشراء لتُحسم باتّفاق، بل هي تتكوّن من جملة عناصر كالجغرافيا، والتاريخ، والقيم، واللغة، والثقافة…الخ. فإذا كنّا كلبنانيين نختلف بعضنا عن البعض الآخر، أقلّه بالطباع، بين أهل ساحلنا وأهل جبلنا وأهل سهلنا، فكيف نكون كلّنا عربًا!؟ كيف نكون عربًا والبيئة الصحراويّة هي من صُلب الهويّة العربيّة، ونحن ليس لساحلنا، ولا لجبلنا، ولا لسهلنا أيّ اتّصال بالصحراء!؟ معروفٌ عنّي بأنّني أعشق الصحراء وأعشق عيشة البادية، ولي مع أهلها مغامرات لا تنتهي من صحراء البوليساريو حتى الربع الخالي. أتعرفون لماذا أعشقهم يا مدّعيي القيادة في الرأي؟ لأنّ الصحراء وأهل البادية لهم سحرهم الخاص الذي لا نملكه نحن!! والعرب بدورهم، يحبّون لبنان، ويضعونه في رأس قائمة البلدان التي يسيحون إليها، لأنّ لبنان بالنسبة إليهم فيه سحر وميزات ليست عندهم! فكيف نكون نحن وإيّاهم حاملين لهويّة واحدة!!؟
كنا نتمشى مرّة في Cannes، على شاطئ الـ Côte d’Azur، أنا وبعض أصدقائي العرب، فسألني أحدهم لماذا لا تسحرني Cannes مثلما تسحرهم، فأجبته: “لأنّ طبيعتها لا تختلف عن خليج جونيه الذي أعبره يوميًّا مرتين على الأقل”.

أصل إلى “لبنان السيّد حقيقة عربيّة”. هذا الادّعاء الزائف المتزلّف يُسيء إلى العرب والعروبة قبل اللبنانيين، كما إنّه ينسف فلسفة “الميثاق الوطني” وجوهر ما يُعرف بِـ “لبنان الرسالة”! فالميثاق الوطني هو “تناغم حضاري” بين أناس يؤمنون بانّهم عرب وآخرين ليسوا عربًا، وجميعهم تحتضنهم بقعة جغرافيّة واحدة اسمها لبنان الكبير. فإذا سلّمنا بأنّ “لبنان حقيقة عربيّة”، ماذا يبقى من الميثاق، وبين مَن ومَن يكون هذا الميثاق؟ أوَليس في هذا النوع من الادّعاءات الإقصائية شيء من الإبادة الجماعيّة بحقِّ اللبنانيين ذوي الأصول غير العربيّة؟

وفي السياق عينه، ماذا يبقى من لبنان التنوّع والرسالة إذا وُسِم جميعنا بالعروبة؟ أوليس في هذا انتهاكٌ لشرعة حقوق الإنسان التي تؤكّد على حقّ كل إنسان في حريّة الفكر والضمير والدين!؟ أنتم يا منتحلِي صفة “قادة رأي”، هل أعطاكم الأرمن اللبنانيون وكالة لتحديد انتمائهم؟ وهل منحكم هذا الحقّ اللاتين اللبنانيون، أو الروم اللبنانيون، أو السريان اللبنانيون أو حتّى الأكراد اللبنانيون…؟

أمّا إهانتكم الكبرى بحقّ العرب، فتتجلّى بربطكم سيادة لبنان بعروبته، ما يعني أنّه إذا كان لبنان لا يتمتّع بالسيادة، فهو لا يكون عربيًّا، وما يعني أيضًا أنّ لبنان هو عربيّ “عالقطعة”، أي حين يكون مسلوب القرار أو محتلًّا، لا يكون عربيًّا! وكأنّي بكم، يا منتحلي صفة “قادة رأي”، تُدركون في لا وعيكم أنّكم لستم عربًا، لكنّكم تحتالون على العرب لاسترضائهم ولنَيْلِ شيءٍ من فتات خيرهم، وإلّا كيف تفسّرون ادّعاءكم بأنّ حقيقة لبنان السيّد عربيّة، وبأنّكم عرب، وأنتم لستم هذه ولبنان ليس تلك!!؟ وكيف تُفسّرون تملّقكم وتكلّفكم وتذلّلكم للعرب في بحر وثيقة “لبنان السيّد حقيقة عربيّة” التي تروّجون لها؟

ولتذكيركم فقط،
لبنان لم يعرف السيادة، منذ مئة عام وعام، إلًا لمّا كانت هويّته تتّسم بالتنوّع وكان اللبنانيون متّفقين على إنّه “ذو وجه عربي”. ومنذ فُرضت علينا عروبة لبنان في الدستور، أي منذ اثنتين وثلاثين سنة، ولبنان محتلّ على التوالي من السوري والفارسي والسلاح غير الشرعي.

وعليه،
فإمّا أنتم تجّار رأي على الطلب، وإمّا أنتم أغبياء جاهلون، أمّا المؤكّد الوحيد فهو أنّكم لستم بقادة رأي ولا تمتّون للمعرفة بصلة، وتحديدًا لا تعرفون شيئًا من شيم وأخلاق العرب. العرب إذا أحبّوا واحترموا، أكرموا، وإذا غضبوا وزعلوا، لن ينفع معهم لا الإغراء ولا الزحف على البطون ولا تقبيل الأيدي. العرب يحتقرون أمثالكم ممّن يخنعون تحت موائدهم في مواسم الانتخابات طمعًا بحفنة من الريالات. أنظروا إلى أمين الريحاني (الفيلسوف)، لم يلقَ من بعده أحد الرضى الذي ناله من الملك عبدالعزيز شخصيًّا، أكرمه بإهدائه سيفه الذي وحّد به المملكة، وأكرمه بإهدائه فرسه “نورا” الغالية على قلبه، وأكرمه حين وثِق به ليُعيد كتابة تاريخ “نَجد”. كلّ هذا الإكرام والتقدير ولم نقرأ تملّقًا صغيرًا واحدًا من الريحاني في كلّ رسائله إلى الملك عبد العزيز، كما إنّنا لم نسمع يومًا أنّ أمين الريحاني أشهر إسلامه (مثلًا) إرضاءً للملك عبدالعزيز او للسعوديين.

كلّما استعرضت أسماءكم يا تجّار الرأي أنتم، لا أجد قاسمًا مشتركًا بينكم سوى كرهكم لفكر “جبهة الحريّة والإنسان” اللبناني، وجوعكم لفتات مائدة ياسر عرفات الذي ترومون التعويض عنه بما تيسّر من الريالات والدراهم والدنانير الخليجية. ولا يفوتني ألمكم العميق اللاواعي والرافض لأن يكون للمسيحيين كلمة في لبنان! أوَليس من بينكم مَن اعتلوا المنابر الدوليّة لمناصرة القضية الفلسطينيّة ضدّ مسيحيي لبنان خلال حرب 1975؟ أوَليس من بينكم من كانت تصله دنانير معمّر القذافي لكتم أصوات المسيحيين وأرواحهم في لبنان؟ أعرف تاريخكم واحدًا واحدًا، وما محاولاتكم إلباس اللبنانيين الهويّة العربيّة، إلّا لطمس التنوّع من خلال إلغاء حضور مَن هم من جذور غير عربيّة، وتحديدًا المسيحيين منهم. أوَليس وليّ نعمتكم المُخَوْزق معمّر القذّافي هو القائل “من الضلال أن يكون المرء عربيًّا ومسيحيًّا معًا، في حين أنّ دين القوميّة العربيّة هو الإسلام”؟

أوراقكم رخيصة ومكشوفة، والهويّة لا يُناقشها تجّار رأي متذلّلين مثلكم، فارفعوا أيديكم عن هويّتنا اللبنانيّة، وبالنيابة عن سعيد عقل أقول لكم: “روحوا انضبّوا يا قلاعيط”.

عذرًا لن أنشر وثيقة هؤلاء الصادرة في بيت مري لتجنيبكم مغص وآلام المعدة.