من هو الاب سيمون عساف الراهب؟مقابلة من مجلة العالمية

429

من هو الاب سيمون عساف الراهب؟

مقابلة من مجلة العالمية/08 كانون الاول 2021

راهب لبناني ماروني من بلدة غباله فتوح- كسروان، انضوى تحت لواء الرهبانية اللبنانية المارونية سنة 1967. تابع دروسه الثانوية والفلسفية واللاهوتية في جامعة الروح-القدس الكسليك، ثم سيم كاهنا سنة 1976حاملا شهادة الماجستر. عُينته السلطة الرهبانية عقب سيامته في المدرسة المركزية- جونيه، فشغل حقل الإِدارة في المدرسة حوالى 14 سنة.

سنة 1990 سافر الى كندا بدعوة من أحد أبناء الجالية. وعندما اجتاح الجيش السوري المنطقة الشرقية، قرَّر البقاء في كندا وتسجَّل في جامعة مونتريال لنيل شهادة الدكتوره، وفي مرحلة إِعداد الأُطروحة انتقل إِلى جامعة شاربروك حيث تخرَّج حاملا منها شهادة الدكتوره في علم الديانات، ثم عاد إِلى جامعة مونتريال يدرَّس فيها مادة تاريخ الحضارات ما يقارب السنتين، ولدن رجوعه إِلى لبنان سنة 2010 درّس نفس المادة في جامعة الروح-القدس الكسليك.

 قصتي باختصار، كنت في الرابعة عشرة من العمر مبعوثا من قِبَل والدي الى عند الأباتي فرنسيس غانم رئيس دير مار بطرس وبولس العزرا فتوح كسروان رحم الله الاثنين في رحراح السماوات. فسألني بصوت جهوري، بتعمل راهب ورَه؟ أَجبته ماذا يعني راهب؟ قال تصبح مثلي وتتزيَّا بزيِّي. قلت نعم، فكتب مكتوبا وأَرسلني الى دير سيدة النصر لِمبتدئي الرهبانية في غوسطا.

في اليوم التالي دخلت ديرالإِبتداء ومستواي في الصف الثامن ابتدائي، لم يكن التعليم عهدذاك إلا رهبانيا، في نهاية السنتين أَبرزت نذوري الطاعة والعفة والفقر والتحقت بالكسليك، هناك لا صف لي، لأن المستوى كان يبتدي من الرابع تكميلي، فما كان عليَّ إِلا  أن اندمج مع الأخوة الرفاق في الصف ذاته. عند نهاية السنة الأولى وأنا قافز ثلاثة صفوف كان منطقيا أن أَرسب. استدعاني الأب الناظر “المُربِّي” وقال لي كما أَذكر ما حرفيته: “إِنت مش خرج عِلم أو بترجع للعالم أو بتعمل أخ حقله”.  وكأنه أطلق ضرب رصاص على صدري وأنا فتى يافع لم أُكمل السادسة عشرة. وقع الكلام عليَّ كالقنبلة فأَطاش رشادي، ثم شردت في التفكير كمحشرج يلفظ آخر الزفرات. زوَّدني أَمراً رهبانياً حسب عادة الرهبان وأرسلني الى دير سيدة المعونات- جبيل. وقفت الليالي الطوال أُساهر لمعان النجوم كتائهٍ في قارب صغير وسط رهبة هدير الأوُقيانوس، أَغوص متبصِّرا بحاضري المعيوش ومستقبلي المبهم. وما أَن انتهى الصيف وحان موعد السنة الدراسية وأَنا غارق في حيرتي، حتى أتي الى الدير الرئيس العام الأَباتي يوسف طربيه طيَّب الله ثراه بأنداء الرحمات. مذ رآني استفسرني: ” شو عم تعمل هون “فرير” يا أخ؟ أجبته: أُرسلني الناظر الى هنا، فبادرني على الفور :”ضُبّ تيابك وارجاع عالكسليك”. اجتاحتني قشعريرةٌ من ابتهاج لا تستوعبها الأَلفاظ وارتعاش من فرح لا تترجمه المقاطع. حزمت امتعتي والقلب يرقص طرباً وودَّعت الأب الرئيس والرهبان وقفلت عائدا الى الكسليك. وابتدأ المشوار. لكن من أَين لي أَن أَحلِّق والزغب لم يُوَبَّر في الجناحين!  رغم ان مجاز العلم صعب، عزمت على اقتحام العواصف. اتخذَت الإدارة قرارا بحق الضعفاء في التحصيل أن يعيدوا الصف وأَنا من الطبيعي أن اَكون بينهم. في نهاية العام الدراسي، مع أني تقدمت بعض الشيء علمياً، غير أنني ما زلت دون المستوى، قرَّرتْ الإدارة أن على جميع المقصِّرين في صفوفهم الذهاب لقضاء عطلة الصيف في دير قزحيا. ما كنت شخصيا لأترك الكتاب بل كنت كمتضوَّرٍ جوعا  ألتهم العلم وأحتفظ بما أحفظ، لأن المسألة مسألة تحدٍّ ورهان. هوَّن الله وارتقينا الى الصف الثالث تكميلي، وأنا عاشق العلم مُدمِن على الكتاب والقلم. في ختام العام كنت الثالث بين أَربعين دارس. دخلت  في السنة التالية صف الأول ثانوي ورحت أنكبُّ على صقل الذات وإِغنائها بالمطالعة والثقافة والمعرفة، وأستعدُّ على امتحاناتي بشكل منتظم وأَحضِّر الى جانب متابعتي برنامج الأَول ثانوي، التقديم على الثاني ثانوي أي البكالوريا قسم أول. في نهاية السنة تقدمت من امتحاناتي فنجحت.

 ذهبت بعد ذلك الى الأب المدير آنذاك بولس نعمان الرئيس العام لاحقا، لأُعلمه بنيتي التقديم على امتحانات البكالوريا في الدولة.  زجَرني في البداية يقينا منه أني كنت ضعيفا علمياً وعليَّ أن اتابع صفوفي تدريجيا.
الححت وأصرَّيت لكي أَتقدم من الامتحانات تعويضا عن السنة التي أَعدتها في الرابع تكميلي. فأذعن اخيرا وتقدمت من الامتحانات وكان الفوز حليفي.
يا لها من غبطة لا يتخيلها عقل. من صف الثامن ابتدائي الى البكالوريا سبع سنوات، حصلت على الشهادة بظرف اربع سنوات.
أكتفي بهذا المقدار تلافيا لتطويل.

٢- من هو الاب سيمون عساف الشاعر؟
حكايتي مع الشعر تعود الى طفولتي في ضيعتي غباله وإِلى أَمي الحبيبة غمر الله روحها بأَجنحة الرحمات، كانت الحافز ومردُّ الفضل لها، كانت متعَتُها وهي لا تُحسن القراءة أن أَقرأ على سمعها الشعر مُلَحَّناً فتتذوَّقه وتسعد بسماعه، وفي بعض محطات كانت البلاغة تستوقفها فتسألني أن أعيد لها. والشاعر في الخمسينيات كان حديث أَهل القرى، نشأتُ على التحدُّث عنه وكأَنه نبي أَو رسول، يتندَّر بأَبياته وأَشعاره الناس في السهرات والجلسات. وكنت أَكثر ما أَراه في المآتم للندب والمراثي. حرَّكت هذه الظاهرة حفيظتي وأَحببت تبنَّيها لأَنها دافعٌ للانطلاق والشهرة وتثبيت الذات. وهكذا رحت أُطالع الشعر وأُتابع الشعراء وأَقرأَ شعر مجلاَّت الزجل والفصيح إِلى أَن تمكَّنت من النظم وضبط الأوزان. لكن لا يكفي كل السرد ما لم تكن هناك الموهبة التي هي الحافز الرئيسي. والشعر هو لغة فريدة تترجم عواطف ومشاعر وانفعالات جميع الناس بقوالب وأَساليب لا يتمكَّنون من قوله شعرا، فيأتي الشاعر ويكرّ قصيده فتلقى اندهاشا وردَّة فعل إِيجابية، هذا دليل على أَنها وقعت الموقع الحسن في القلوب والنفوس، تعبِّر عن لواعج الإِنسان بشكل لا يتقنه سوى الشاعر.
وكان المسرح كما المذبح منية عندي. فصعدت على خشبته وباريت وتحديت  شعراء وأَنا متزمِّل عباءتي، فكانت لي صولات وجولات كما كنت في البداية موضوع استغراب الى أَن أَصبحت موضوع إِعجاب.

٣- من هو الاب سيمون عساف السياسي؟
ما كان الأب سيمون عساف يوما ليكون سياسيا، بل كان معنيا بمصير شعبه ووطنه، انطلاقا من ثقافة تاريخية وتربية بيتية اطَّلع عليها من خلال الكتب والروايات. كنا في الجبل في ليالي كانون نتحلَّق حول الجدود والجدَّات فيخبرونا عن المجازر والحروب والقهر والفقر وعن قصص عنتر والمهلهل والزير ثم عن بطولات أبطال من عندنا.
ترعرعت على هذه المرؤة وهذه الحميَّة فدبَّت مع الدمِّ في العروق، خصوصا عندما قصُّوا عليَّ سيرة أَحمد باشا الجزَّار الذي شنق الأمير يوسف شهاب بعدما عفا عنه الأمير يوم تحصَّن وانهزم في بيروت، وعن خيانة الأمير بشير الثاني الشهابي، كيف قتل جرجس باز واخيه عبد الأحد في نفس الساعه في اليوم التالي لقسم اليمين وجرجس باز أَمام البطريرك يوسف التيَّان في سيدة التله في دير القمر، وعلى أَثرها استقال البطريرك. وحكى لي العتاق عن جمال باشا السفَّاح في حرب ال..14 وعن تعليق أَعواد المشانق للشهداء الأَحرارعلى ساحة البرج، وعن نفيهم الى أَضنه – الأَناضول،  وعن شنق الخوري يوسف الحايك الشخصية المميزة في ساحة المرجه في دمشق، ونفي مطران بيروت بطرس شبلي الرائد اذ طلب السفَّاح منه ليقنع البطريرك الحويك لملاقاته الى المجلس العُرفي في “عليه”، فأَجابه المطران بطرس كيف تريدني أَن أُقنع غبطة البطريرك بأَمر لستُ شخصيا مقتنعا به؟ فأَمره بالنفي الى الأَناضول،  ثم كانت الذاكرة تتغذَّى ببطولات يوسف بك كرم الإِهدني ورفضه الإِذعان الى المتصرف الأَرمني داوود باشا، ويوسف الشنتيري البكفياوي برفقة  ابوسمرا غانم البكاسيني في فتنة 1860، وطانيوس شاهين الريفوني وثورة الفلاحين. هذا غيضٌ من فيض عن تاريخ جدودي الميامين. أَي عنفوان يقبلني ارضى الوقوف مكتوف الأيدي ولا تنتفض كرامتي للحفاظ على مسارهم وكرامة شعبي المضطهد؟

ومن لا يرتجف هلعا ورأفة ويتعاطف مع شبيبتنا التي راحت تدافع عن مجتمعها والوطن فسقط من سقط شهيدا وأَنا في مطلع الشباب. تأَثرت أَيُّما تأثير فأحببت وأَنا راهب كاهن أَن أَرعى شعبي مع الرعاة وأُدافع عن القطيع ضد الظلم والجور والطغيان. ويوم وقفت كان وقوفي دفاعا واشتراكاً مع الشهداء وليس غير ذلك.
لست من الجبناء ولا المساومين الخونة بل بالعكس بالغالي والرخيص أذَود عن الأرض والعرض والحياض والرياض أُسوة بخيرة رجال أَبطال من صفِّنا أَوفياء للقضية أُمناء.

٤- هل ما زالت مبادئ الثائر الاب سيمون عساف هي نفسها من التسعينيات؟
عبارة ثائر لا تنطبق عليَّ وأَستسمجها، مع أن لكل حقيقة ثوارها. أَنا ابن تاريخ عريق وانتمائي الى أَجداد أَشاوس شوامخ أَبطال أَبرار أَحرار من جبلٍ:” جاورَ الأَنجمَ واحتلَّ السحابا” للشاعر بولس سلامه، أَو “…حَسْـبي أنّني مِن جَـبَـلٍ         هـو بيـن الله والأرضِ كـلامْ ” للشاعر سعيد عقل.

أَفخر بهم وتستهويني أَخبارُهم وفروسيتُهم واشتسهادُهم في هذا الشرق وشهادتُهم المسيحية المُثلى، فتثقَّفت من سِيَرهِم  ومواقفهم ضد الجور والاستبداد والقمع والاستعباد، ورفضت الذمية التي مورِست عليهم من زمان، حتى أصبحت مناصراً لاستقىلاليتهم مستكملا خطَّهم الرسولي السيادي الحر في جبل جعلوه ملجأ للملهوف والمضطهد والمظلوم.

لِذا اعتبر كلمة ثائر افتراء ديني لا تلائم قناعتي وذهنيتي وثقافتي ودعوتي الرهبانية، وأَعتقد أَن كلمة مُدافع عن الحق والحرية والتراث بالنسبة لي افضل وأَكبر وأَرقى، هكذا اقبلها لتكون ثوبي وقضيتي كما هي قضية كل لبناني شهم نبيل ينتمي الى هذه الكرامة المَجيدة وهذا التاريخ المُجيد. خلاصة القول أَنا كما في الأَمس واليوم والغد قضيتي ليست أَشخاصا بل وطنا وشعبا وعِلماً ومعرفة ” عالِمٌ كماروني”، شرفي أَن أَحافظ على هذا المتروك الثمين والتراث التليد النائم في خزائننا.

٥- ماذا تغير ما بين ١٩٩٠ و ٢٠٢١ على الصعيد الوطني؟
أَول ما يحضرني في جوابي على السوآل، حديث المحامية المحترمة بشرى خليل المسجّل على وسائل الإِعلام والتي تقول فيه أَو بما معناه: حين كانت السلطة بيد الموارنة، كان لبنان بين الدول المزدهرة المميزة الممتازة على كل الصُعُد، ولكن لما انتقلت الى غيرهم تفشَّى المرض والهريان في جسد لبنان. والنتيجة المخزية والمخجلة في آن بيِّنة. يعني في اتفاق الطائف انتُزعَت الصلاحيات من رئاسة الجمهورية فأَصبح لبنان محكوما برؤوس متعددة.
لا يمكن أَن يستقيم لبنان ودستورُه الحالي مبتور والصلاحيات موزعه بشكل اعتباطي “كل مين إِيدو إِلو”. أَليس للأُوركسترا مايسترو لإِدارتها؟ هكذا البلدان النامية ما عدا لبنان في أَلف قرعه وأَلف طاسه.
كل بلد متحضِّر محترم يجب أَن يتمتع رئيسه بصلاحيات وسلطة يمارسها كرئيس جمهورية لا أَن يكون مهمَّشا (خيال زرِّيعه)  لا يخوِّله الدستور اتخاذ القرارات في المواقف الحاسمة.
خسر المسيحيون صلاحياتهم ودَمّر لبنان شعبا ومؤسسات بسبب اتفاق الطائف وأُطلق العنان للفلتان والنتانة والفوضى. كلامي الواقع المؤلم شهود له.
ولا قيام للوطن من دون إصلاحات جذرية تمتِّع رئاسة الجمهورية بالصلاحيات التي كانت من قبل سائدة توليه الحل والربط ليعيد له الفخر والسؤدد.

٦- هل هناك إمكانية نشوء دولة في لبنان؟
لبنان لن يزول، ولن يبقى من دون المسيحيين فيه، لذلك مهما حاول الآخرون أَن يحلموا، لا يمكنهم عزل المسيحيين أَو تغييبهم، وما يُغري المسيحي للبقاء في لبنان هو كون الرئيس مسيحي، ويوم لن يعود كذلك قُل سلام عليك يا لبنان.
إِننا في معرض النوعية لا الكمِّية، وهذا هو رهاننا. هذا لا يعني ان الآخرين يفتقرون الى النوعية لكن كما قلت، لديمومة لبنان يجب أَن يكون رئيسه مسيحي في أَوقيانوس إِسلامي مختلف متضارب الميول والأهواء.
نعم، بالإِرادات الطيبة والنيَّات الحسنة، هناك إِمكانية نشوء دولة على أَسس راسخة متينة ثابتة باتفاق لا تزعزعه عواصف تزمُّت  الشرائح  ورخوصة الأَشخاص الأتين الى الحكم أُمِّيين أَشباه الرجال ولا رجال.
النزاهة والثقافة والنظافة صفات مفروضة على كا من يتقدم إلى تسلَّم مقاليد مسؤوليات البلد.

٧- هل نحن شعب مؤهل لبناء دولة؟
سوآل دقيق لكن الإِجابة واجبة. بالتأكيد نحن شعبٌ مؤهَّل لبناء دولة، شرط إن يكون المسيحيون أَقوياء وعندهم ضابط إِيقاع، ولن يكونوا من دون مجلس يُدعى “بنك أَدمغه”. يتم تخزين عيِّنات بشرية مختلفة للحصول على نخبة مثقَّفة إِستشارية يكون لها الدور الأول والفاعل في مركز القيادة وفي اختيار الشخص المناسب لاستلام الزمام.
لن أَجرؤ وضع الإِصبع على الوجع منعاً لاختلاف الساكِنَين، غير أَنني أَقول، على الجماعة المسيحية أَن يأخذها وجدان لمراجعة الذات والعودة الى الينابيع الى دينيا ومدنيا. يجب أَن تطالع تاريخها بموضوعية مطلقة وتأخذ العبر من الهزائم وأسبابها وتتلافى السقوط في هذه المحظورات المميتة، وبغير هذا المنطق إِنعَ (والفعل نعى ينعَى) لبنان والدولة.

٨- ما هي مقومات بناء الدولة في وطن الطوائف والاحزاب التابعة للخارج؟
أَنت أَخي في الإِنسانية قبل كل شيء. هذا شِعار يُرفع لواؤه في الدول الراقية، وهذه ثقافة لم تبلغ شعوب الشرق الى إِحيائها والحفاوة بها والاحتفال الرسمي بأَبعادها. يوم تسري العدوى الإِنسانية في نفوس أَطياف الوطن وتنبذ كل خلفية تعصبية وتتطلَّع إِلى داخل الوطن لا إِلى الخارج، ويكون الحكم منضبطا نظيفا، تقوم الدولة وتستقر وتستمر بأجيالها ومقوماتها على المستويات كافة.
وهذا الطرح يستند على أَن يكون للبنان تاريخ واضح سليم، وتربية مدنية جدية، وتعليم يفرض احترام الهوية والانتماء والتراث، وتنشئة الأَجيال على التعلق بالأرض والكيان. بهذه الوسائل يزول مفهوم الطوائف تلقائيا، ونضمن حيذاك الديمومة والعافية والعمران والازدهار. أَمَّا اليوم في وطن الطائف والطوائف لن تقوم لنا قيامة واتفاق الطائف ورقة نعوة اوصلنا الى ما نحن فيه وعليه.

٩- كيف تستطيع الكنيسة ان تلعب دورًا وطنيّاً من دون أن يُعتبَر طائفيّاً؟
إِجابتي باختصار على كيفية استطاعة الكنيسة أَن تلعب دورا وطنيا من دون أَن يعتبر طائفيا، هي أَن جميع طوائف لبنان من دون استثناء، توقِّر وتحترم الكنيسة وتعطيها دور القيادة والريادة، شرط أَن تتجلَّى الروحانية الإِنجيلية الرسولية والنبوية فيها وتتحلَّى بها، هي التي:”مجد لبنان أُعطي لها”. نشرت كتابا في هذا المجال عنوانه:” الكنيسة المارونية ورسالتها ىالنبوية” فليطالعوه!!!!
إِن جميع الطوائف تكنُّ للكنيسة عميق الاحترام،  بقي على شاغل المقام أَن يكون على مستوى الآمال والأمنيات التي تتوخَّاه هذه الطوائف منها.

١٠- الشاب اللبناني فقد أمله بوطنه، بعد ان بدأت تتحقق من جديد الاحداث التي عاشها أهله منذ اربعين سنة في الحرب الاهلية. كيف تستطيع الكنيسة دفع الأمل في نفوس الشباب ومساعدتهم لتأمين مقومات البقاء؟
ذكرت في إِحدى الإِجابات “بنك الأَدمغة”، إِنه إٍذا وُجد، فهو مخوَّل أَن يضع على الطاولة الاقتراحات التي تتناول شؤون وشجون المجتمع ككل ومنها الشباب اللبناني. كل الأمور منوطة بمجلس حول القيادة يشاركها في استشارات وقرارات ويصوِّب الخطأ إذاِ وُجد ويزرع الثقة فينعش بقراءته ورؤيته الطموحات ويُدلي إِذا لزم الأمر  بدلوه تلافيا للشطط. وهكذا لا يشرد المركب ولا يتوه كما حصل.
الجبهة اللبنانية التي كان لها ثقلُها في زحمة الأحداث، كانت المرجع للسياسيين عندنا والمثل الذي يجب أَن يحتذى.
وهكذا الكنيسة إِيمانا منها بدعوتها وقناعة برسالتها، تعيد مع مجلسها الأمل والثقة، فتغري الشباب لأنها أَمَّنت لهم فرص عمل ومستقبل وبُنى تحتية ينشط المجتمع فيها وتتحرك عجلة الحياة في شبيبتها.
أَمَّا بغير مسلَّمات فحديث خرافة يا أُم عمرو.

١١- هل أنت مع دولة وصاية أمميّة على لبنان، بعد أن هدم المسؤولون الهيكل؟
في رأيي أنا موافق على وصاية أُممية لأن الوضع في الظرف الراهن لا يمكن أَن يستقيم والذهنيات مشحونة بالغرائز الطائفية والنفوس حاقدة والثقافة معدومة. نعم نحتاج الى من يرعى أُمورنا الى أَمد ويا ليت الأَولين سمعوا من رئيس الجمهورية آنذاك إِميل إِده رحمه الله ملحاً عليهم “أُتركوا لفرنسا ولو مخفر درك لأنكم ستحتاجون اليها”، وفعلا لم يستطع برنار كوشنير وزير خارجية فرنسا أَن يُدخل باخرة أدوية إِلى المنطقة الشرقية لأن المسؤولين رفضوا إِلحاحه عهدذاك.  وما القول بأحد الجنرالات الفرنسيين القائل لنا: “غداً عندما تُقرع الأَجراس في لبنان، ستكون فرنسا بعيدة جداً لكي تسمع، لا تتعجَّبوا، حين يأتي يوم وتجدون الأذان طرشاء”. لذلك إِننا بأَمس الحاجة الى وصاية أَجنبية رعاية دولية لإِعادة إِعمار الهيكل المُدمَّر.

١٢- في عيد الميلاد يولد يسوع من جديد. هل سيولد لبنان من جديد؟
إِن ذكرى ميلاد يسوع المسيح المخلِّص، هي دعوة لنا نحن المسيحيين أولا للتجديد والتوبة ثانيا لأصحاب الضمائر والوجدان هزَّة لصحوة مما يتخبط فيه رجال السياسة عندنا.
و لبنان في هذا العيد لا يزال في رحم المأساة تتمخَّض فيه أَحشاء الأحداث والصراعات السياسية بانتظار وقت ولادة الشرق أوسطية فيخرج بحلة قشيبة على ما أتوقَّع.
لا أَعتقد أَنه سيولد مع هذا الميلاد بالذات لأن ساعته لم تأتِ بعد! آمل أن يكتمل جنين الاتفاقات الدولية لتتم الولادة بخير طبيعية، وجل ما أَخشاه أن لا يولد معوَّقا.
كما أَتمنى مسبقاً تقديم المعايدة للشعب اللبناني بميلاد مجيد وعام سعيد مفعم بالنعم والبركات.

١٣- إذا ولد لبنان من جديد، هل سيكون مغارةً للصوص، أم مغارةً للفقراء؟
لا أعتقد بعد الولادة أنه سيكون مجال للأمن والسلام بسبب النتانة في نفوس المسؤولين والفسق في نهب أَموال المودعين والفساد في جميع قطاعات الدولة والدعارة والبطر والسرقة والدنس الأَدبي والأَخلاقي من السفلة المقهقهين على تعاسة الفقراء وقهرهم، آسف إّذ تُعرَض حفلات القصف وأَعراس الرقص والطرب وتبذير الملايين من جيوب وعرق أَعصاب المواطنين.
أَرجح الظن أَن لبنان سيكون أَجمل مما كان عليه وما من مجال لإِرجاعه مغارة لصوص لأَن بناءَه سيترتكز على أًسس راسخة يحكمه القانون والانضباط والحكم النزيه، وهذا رجاء ونحن أَبناء الرجاء أَنه بعد العذاب والموت سنلاقي القيامه. ولا بد من توجيه تقدير لجميع اللبنانيين المغتربين الذين اسهموا بالمقدار في إِسعاف اخوتهم المقيمين في الوطن إنهم فعلا مشكورون نبلاء.

١٤- ماذا غدًا؟
رحم الله الشاعر السوداني الهادي آدم مؤلف قصيدة:”اغدا القاك” لأُم كلثوم.
أَستوحي الجواب مقطتفا بعض الأبيات مكتفيا بمعانيها ولكن لحب لبنان هذه المرَّة ليس إِلَّا:
أغداً ألقاك يا خوف فؤادي من غدِ  يالشوقي وإحتراقي في إنتظار الموعدِ
آه كم أخشى غدي هذا وأرجوه إقترابا  كنت أستدنيه لكن هِبتُه لما أنابَا
لبنان يا وطني المفدَّى رغم وضعٍ كم تردَّى
أنت يا جنة حبي واشتياقي وجنوني  أنت يا قبلة روحي وانطلاقي وشجوني
أغداً تشرق أضواؤك في ليل عيوني آه من فرحة أحلامي ومن خوف ظنوني
أنا أحيا لغدِ الآن بأحلام اللقاءْ  فأتِ أو لا تأتي أو فإفعل بقلبي ما تشاءْ
وغداً تأتلقُ الجنةُ أنهاراً وظلاّ  وغداً ننسى فلا نأسى على ماضٍ توَلّى
وغداً نزهو فلا نعرفْ للغيب مَحلا وغداً للحاضر الزاهر نحيا ليس إلا
عساني أَكون برَّدت الغليل وأَخمدتَ دَرَجَة الغليان وتوخَّيت الخير للبنان.