رد الكولونيل شربل بركات على رسالة الشيخ أحمد قبلان للبطريرك الراعي: المفتي قبلان ونظريته بالنسبة لحياد لبنان

1020

رد الكولونيل شربل بركات على رسالة الشيخ أحمد قبلان للبطريرك الراعي

المفتي قبلان ونظريته بالنسبة لحياد لبنان

الكولونيل شربل بركات/02 كانون الأول/2021

المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان الذي يتحفنا في كل مرة بنظرية من نظرياته السياسية حول لبنان وشعوبه والطرق الواجب اتباعها، تطرق اليوم لنظرية الحياد التي أطلقها صاحب الغبطة البطريرك مار بشارة بطرس الراعي. وقد فنّد فيها مفهومه للوطنية والانتماء قائلا بأن لبنان يوم أنشيء كان “مكتوم القيد” أي الولاء وهو يغمز بذلك من طرح الحياد. ونحن نقول لصاحب المقام المهم والذي نكن له الاحترام كونه ابن منطقتنا العزيزة، بأن المرحوم كامل بيك الاسعد الزعيم اللبناني زمن لبنان الكبير، والذي كان يسعى لعدم زج ابناء طائفته بحروب الاخرين، كان يقول لاولاد القرى الشيعية الجارة في المجالس المغلقة: “ديروا بالكن على جيرانكن المسيحية لأنن الن ام تبكي ونحنا ما عنا ام”. وقد تكون هذه الاشارة البسيطة هي مؤشر الولاء الذي يطالب به المفتي لأن ما اراد قوله الزعيم الكبير هو أن الشيعة غير محسوبين على أية جهة من قوى الجوار أو غيرها بينما قد يسهم انتماء المسيحيين بتحريك من يدعم قضيتهم في الرأي العام العالمي.

من هنا كان الانتماء عند الشيعة اللبنانيين في تلك الفترة غير واضح فقبل البعض منهم العمل تحت علم الدولة العربية مع الأمير فيصل معتقدين بأن نسب فيصل الذي يرجع إلى آل البيت سيعطيهم هذا الانتماء ويصبح لهم “اما تبكي”. ولكن حماس بعض السيّاد الذين يعتقدون بأنهم يرجعون إلى نفس النسب، وخطط بقايا الضباط الاتراك الذين كانوا لا يزالون يحلمون بعودة السلطنة، اوقعوهم في التسرّع بمعاداة الفرنسيين فخرجوا من “المولد بدون حمص” كما يقول المثل المصري.

ولكن وبالرغم مما قام به بعض هؤلاء كان لبنان عادلا مع المكون الشيعي لا بل أعطاهم المركز الثاني في الدولة وميزهم كطائفة مستقلة كان يجب أن تقاتل في سبيل هذه المكاسب وتحميها بالمحافظة على الدولة والمؤسسات فيها. ولكن وللاسف كان هناك قصر نظر سياسي وتغليب لمصالح خاصة لم تستغل الانتماء لتلتحق بالدولة باكرا بل التحقت بكل من حارب هذه الدولة وجربت الانقلاب على المكاسب. واذا ببعض ابنائها الذين لم يقدروا الانتماء ينضمون إلى كل تيار او حزب حارب الدولة منذ أن حاول عبد الناصر تغطية فشل الثورة باطعام فقراء مصر بأن أطلق مشروع الوحدة العربية بادئا بتوحيد مصر وسوريا. ثم وبعد الانفصال السوري بدأ البعث بشق طريقه بين أبناء الطائفة الكريمة. وعندما انطلق عرفات وما سمي بالمقاومة كانت قرى الشيعة ساحة قتال أفرغها من قواعد الانتاج لا بل نكّل بالكثير من ابنائها. ولذا حقد هؤلاء على عرفات وزمرته واستقبلوا الاسرائيليين بالارز والورود يوم كان المفتي المذكور لا يزال يافعا لا بل كان يزور الاقارب في ميس الجبل بدون حاجة لتصريح كونه معروفا لدى حماة المنطقة وله ولوالده وأعمامه كل الاحترام، ولم تتوقف تجارتهم ولاتعرضوا للتنكيل

بالطبع عندما لم يعرف من تسلّم الحكم عند المسيحيين يومها أن يتخذ القرار الصائب ويحافظ بكل فخر على قواعد اللعبة الجديدة والتحولات التي بدأت مع حرب سنة 1973 وما تبعها من مشروع سلام قادته مصر منذ 1978، كان القرار بتلقين كل المسيحيين الدرس. وهكذا عادت سوريا ومعها إيران هذه المرة، واستعملت كل وسائل التخريب لاسقاط ذلك الحكم وتلك الطبقة التي ترعاه كلها، وحلم التوازن الذي اعتقدت بانها تقوده، فكان “السابع من شباط المجيد” الذي تغنى به سيادة المفتي. ومن ثم أكتملت الصورة مع حرب المخيمات وحرب العلم وغيرها من الحروب الداخلية. وتمت السيطرة على الطائفة الشيعية من قبل “الأسياد” الجدد الذين اعتبروهم دوما في دمشق “الرافضة”. فهل حملت دمشق هوية أفضل من الهوية اللبنانية يومها؟ أو أن حكامها أيضا كانوا لا يزالون “بدون

قيد” ولم يستقروا بعد على ولاء؟ ولذا قام التطرف الشيعي ليحل محل التطرف الفلسطيني وسيلة لهم للقبض على الوطن من جديد وانهاء أحلام الاستقرار والانفتاح على كل القوى في المنطقة واستبداله بسيادة الانحياز الكلي لايران وسوريا.

فيا سيادة المفتي قد تتغير الأيام وتنقلب الأمور، ومحاولة صاحب الغبطة تصب بدون شك في مصلحة كافة الفئات، وخاصة الشيعة الذين يعرفون الظلم والحرمان، وهم في افضل أوقاتهم قوة وتأثيرا يجب أن يعملوا ببعد نظر لرسم سياسات تمنع التسلّط أو التهديد به حتى. ومن هنا رجاؤنا بأن تخفف من الدعوات للتفرقة او التمييز، وتكون انت وأمثالك من يطالب بدولة منظمة عادلة تحمي المؤسسات وترعاها، وسياسة حكيمة تسعى إلى صنع الاتفاقات التي تؤمن مستقبل الأجيال ما بعد الاستقرار بين دول المنطقة، لا تلك التي تخربها. ونحن كأبناء منطقة نعتز بأن يكون أولادها من قادة الراي في البلد، نطلب منك أن تسعى إلى اعتراف الكل من حولنا بطرح ثابت يستند على تجارب الأيام لا على ردات فعل وتسرّع. لا بل يجب أن تسعى لأن يكون الحياد مقبولا على كافة الأطراف في المنطقة الكبرى ليصبح أفضل الحلول كي يهنأ لبنان ويخرج من دوامة الشقاء والعنف. وقد تتغير الأحوال وتتبدل موازين القوى من يدري فهي حالة الدهر، ودروس التاريخ تعلمنا أن الثبات ليس من شيمه، فعلّنا نأخذ عبره بجدية ونسعى للمحافظة على وطن تستطيع أن تعيش فيه الأجيال القادمة بكل فخر وتستمر بالسعي من أجل رزقها بدون منية من أحد. فقد علمتنا الأيام بأن السلطة كما الدهر تدور “يوما معك ويوما عليك” فهلا نرعوي ونتعظ وانتم خير العالمين بأمور الدنيا ؟