جان فغالي: حكي رئاسي ما عليه جمرك/حاكموا وزير الكاجو وشركاه”

129

حكي رئاسي “ما عليه جمرك”
جان فغالي/صوت بيروت انترناشيونال/30 تشرين الثاني/2021

حاكموا ” وزير الكاجو ” … و”شركاه”
جان الفغالي/ميديا فاكتور/30 تشرين الثاني/2021

في إحدى حكومات ثمانينيات القرن الماضي، كان هناك وزير اقتصاد آدمي إسمه فيكتور قصير ، كان يخوض معارك شرسة مع نقابة أصحاب الأفران على قاعدة ان الدولة تدعم الطحين ليبقى الرغيف مدعومًا ، لكن أصحاب الأفران كانوا يستفيدون من دعم الطحين ويُنتجون أصنافًا من الطحين ، ويبيعونها بأسعار باهظة علمًا أنهم كانوا يشترون الطحين بالسعر المدعوم. وتمادى بعض الأفران إلى درجة انهم كانوا يستهلكون الطحين المدعوم في صناعة الكعك وال ” بيتي فور” و ” الخبز الأجنبي ” وغيره، وكل هذه الأصناف تُباع بأغلى من سعر ربطة الخبز. سقى الله أيام ” وزير الفقراء” فيكتور قصير ، فبعد قرابة ثلث قرن على أيامه، جاء إلى وزارة الإقتصاد وزيرٌ دعَمَ ما يناهز الثلاثمئة سلعة ، بدءًا من الطحين وصولًا الى ” الكاجو” ، حتى سمي بحق ” وزير الكاجو” . الوزير هو ” راوول نعمة” الذي هَدَف إلى دعم مستورِدي المواد الغذائية وأصحاب السوبرماركت بدل دعم المواطن.
كيف حصل ذلك؟
بعد اجتماعات ماراتونية بين ” مثلث” الوزير ومستوردي المواد الغذائية وأصحاب السوبرماركت ، وُضِعَت لائحة بالمواد الغذائية المنوي دعمها ، وصل العدد إلى ثلاثمئة سلعة ، ولكن ما كان المقصود من ذلك ؟ المقصود أن يتمكن بعض مستورِدي المواد الغذائية وبعض أصحاب السوبرماركت من تهريب أموالهم وفق الآلية التالية:
يفتحون اعتمادات في مصرف لبنان وفق المواد التي ستستورَد من ضمن ” لائحة الثلاثمئة” .
تًحوَّل الأموال بالدولار إلى الخارج لشراء البضاعة ، ومعظم مستوردي المواد الغذائية وأصحاب السوبرماركت لديهم حسابات في مصارف في الخارج .
هنا تبدأ ” النصبة ” : معظم الأصناف الموجودة في ” لائحة الثلاثمئة ” ، لا تُطلَب أو لا تُشحَن إلى لبنان ، وفي أحسن الأحوال تُشحَن إلى لبنان ويُعاد شحنها إلى الخارج. يصل إلى لبنان ” من الجمل أذنه” فيما يبقى ” جَمَل ” الاعتمادات المفتوحة في الخارج ، ويستفيد المستوردون وأصحاب السوبرماركت من غياب الشفافية ومن التلاعب بالفواتير ، بمعنى أن تظهر البضائع وكأنها وصلت إلى لبنان بينما كانت تظهر بالصوَر في رفوف السوبرماركت في دول أفريقية وأوروبية، ولم يُحرِّك أحدٌ ساكنًا.
ولتغطية هذا العمل الشائن ، كانت يظهر على رفوف السوبر ماركت صنفٌ معيَّن ممهور بكلمة مدعوم ، ويكون من إنتاج شركةِ أصنافها الحقيقية غير مدعومة، كالألبان والأجبان، كان اصحاب المعامل يُهرِّبون الإعتمادات بالعملة الصعبة إلى الخارج ، ويُنتجون أصنافًا للإستهلاك الداخلي ممهورة بعبارة مدعوم. لم تظهر السلع الثلاثمئة المدعومة في السوبرماركت، كل ما ظهر حفنة منها تُعد على اصابع اليد الواحدة :
زيوت، ملح، سكر، معكرونة، وبعض الأصناف الأخرى،وكانت تُعرَض بكميات قليلة، وغالبًا ما يتم تصوير صفوف من اللبنانيين يتسابقون لنيل كيس رز أو غالون زيت، وكل ذلك كان معدًّا سلفًا للقول بأن السلع موجودة لكن تسابق المواطنين عليها أدى إلى فقدانها، علمًا أن الحقيقة غير ذلك : الأصناف المعروضة قليلة وبكميات قليلة أيضًا . بعدما حققت هذه ” النصبة” غايتها ، بتهريب الأموال إلى الخارج ، عبر سكة فتح الاعتمادات، أُعلِن أن الدعم رٌفِع عن ” لائحة الثلاثمئة”:
هرَّب المستوردون وأصحاب السوبرماركت أموالهم إلى الخارج تحت أعين الوزير راوول نعمة وغيره. وفي كلام في أكثر من مناسبة، صادر عن مصرف لبنان، أن الدعم كلف ما يقارب ال 15 مليار دولار، فما هي حصة مستورِدي المواد الغذائية واصحاب السوبرماركت من هذه المليارات؟
الجواب لا يحتاج إلى ” تدقيق جنائي” يعود إلى ربع قرن، المطلوب كشوفات بالاعتمادات التي فُتِحت ، ومقارنتها بفواتير حقيقية بما تمَّ استيراده ، وعندها لا مكان لهؤلاء سوى السجن أو إعادة الأموال التي تم تهريبها تحت عنوان ” فتح الاعتمادات . هذه المهمة ليست صعبة لأن هذه العمليات عمرها شهور لا سنوات وبالإمكان بسهولة العودة إليها .

حكي رئاسي “ما عليه جمرك”
جان فغالي/صوت بيروت انترناشيونال/30 تشرين الثاني/2021

حين يتحدَّث رئيس جمهورية، اي رئيس جمهورية، يُفتَرض ان يكون لحديثه وقْعٌ أو تاثير على الرأي العام وعلى المسار السياسي لبلدِه، اما حين يصبح الكلام من باب التكرار ولا يعود احدٌ يهتم به، تُطلَق عليه صفة “حكي ما عليه جمرك”. رئيس الجمهورية العماد ميشال عون قال لمحطة الجزيرة:” ” سأغادر قصر بعبدا عند انتهاء ولايتي ولكن إذا قرر مجلس النواب بقائي فسأبقى .” يعرف رئيس الجمهورية ان هذا الكلام يستدعي تعديلا للدستور يتيح له ان “يبقى”، لكنه يعرف ان معظم الكتل النيابية، باستثناء ” تكتل لبنان القوي”، الذي هو تكتله، وكتلة نواب حزب الله، يرفضون هذا الطرح و”ينتظرون الساعة”، كما يُقال، لتنتهي ولايته ويغادر قصر بعبدا. إذا كان الرئيس يعرف ذلك، فلماذا قال هذا الكلام؟ هل لأن “الحكي ما عليه جمرك”؟ هل يريد أن يفتح “بازارًا رئاسيًا” مع الرئيس نبيه بري، الذي يحتفظ بمفتاح المجلس وبالدعوة إلى الجلسات؟ إحدى خيبات عهد الرئيس عون، انه لم يستطِع التفاهم مع رئيس مجلس النواب، كان يعوِّل على هذا التفاهم كثيرًا لتعبيد الطريق امام “وريثه السياسي”، الوزير جبران باسيل، لوصوله إلى رئاسة الجمهورية، لكن رئيس المجلس كان يرفض وصول العماد عون إلى بعبدا، فكيف يقبل بوصول باسيل؟ وشهيرٌ تعليق الرئيس بري على عدم انتخابه العماد عون حين قال يومها: لا اريد ان انتخب رئيسين: عون وباسيل. “الحكي اللي ما عليه جمرك”، سبق ان قاله الرئيس عون إلى صحيفة محليَّة،منذ اسبوعين تقريبًا، وايضًا عن ملف الانتخابات الرئاسية، والمواصفات التي يشترط ان يتمتع بها الرئيس المقبل، علمًا ان كلامه لا يُصنَّف إلا في خانة”الهرطقة”، فليس لرئيس الجمهورية ان يحدد مواصفات مَن يخلفه، فهذه وظيفة الدستور اللبناني، فهلَّ نصَّب نفسه مكان الدستور؟ يبدو رئيس الجمهورية كأنه يعزف”solo”، لكن العزف المنفرِد له اصول وإلا يتحوّل عزفًا نشاذًا.

لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: لماذا قرر الرئيس عون نقل البندقية من كتف حزب الله إلى كتف الرئيس بري؟ حزب الله ، عام 2016، كان وضع فيتو على جميع المرشحين باستثناء عون، ما اتاح له الوصول إلى قصر بعبدا، فلماذا يضع الكرة اليوم عند الرئيس بري، وهو يعرف ان رئيس مجلس النواب يرفض التمديد؟ الرئيس يناور خصوصًا إذا كان “الحكي ما عليه جمرك”.